
هذا الخواء السياسي الذي تعمد الصمت إزاء تصريحات توم براك مبعوث ترامب العقاري إلى سوريا، حيث وصف منطقة الشرق الأوسط كما لو أنها مجرد عقار مشاع تتنازعه قبائل لا تعرف من التحضر والإنجاز غير ما يراه النائم، وهي لا تستقر على حال تعيش في حالة صراع على المرعى والكلأ - لا نستطيع تفسير الصمت إلا بأنه موافقة على السردية الأمريكية التي تحاول وضع مقاربة تسويقية مقبولة لدى الصهاينة لتبرير عمليات الإبادة الجماعية ونقلها نحو أفق أعلى يتجاوز سايكس- بيكو.
لم يعد زمن سايكس- بيكو ملائما للغول الجديد، بل لم يعد ملزما بزي لم يعد قادرا على تغطية جسد الغطرسة المكتسب، ليس من قواه الذاتية بل من ضعف الآخر وخوفه بدرجة عالية، ثم من الإسناد القادم من قلعة الحريات الأمريكية المبنية أصلا على ذات الفكرة “المقدسة” للمسيحية الصهيونية، الأمر سهل بالنسبة لبراك: “إسرائيل” غير مهتمة بالالتزام بحدود الشرق الأوسط المستقرة بموجب “اتفاقية سايكس بيكو” خلال الحرب العالمية الأولى، ولديها “القدرة أو الرغبة” في السيطرة على لبنان وسوريا. لم يشر براك إلى “بناء إسرائيل الكبرى” صراحة ولكنها موجودة ضمنا. ولكن نتينياهو لا يعجبه الإضمار، فخرج مبشرا “بإسرائيل الكبرى” معززة بالخرائط التوضيحية، فهو يعرف أن أحداً لن يعترضه. هو يدرك أننا نشتري الأمن بالمال، ويدرك أكثر أننا فقدنا أشياء لا يمكن لنا شراؤها. بالنسبة لنا الأمر هين، فنحن دائما لا ننزعج بما يقال أو ما يصنع لنا أو من حولنا وعنا. لا نريد أن نزعج بالنا حتى بمجرد التفكير بذلك.
ما الذي جعل الصهيونية تفقد اهتمامها بالالتزام “بحدود الشرق الأوسط” المستقرة؟ نحن، طبعا قبل أن نلوم ترامب أو حتى أمريكا. أمريكا قبل أن تكون ما نعرفه كانت قطعاناً من المحتلين والمغامرين وقطاع الطرق، شارك المستعمر الإنجليزي حلمه في ترسيخ تاج الملك في كل الأصقاع، لكن الحلم نفسه انتقل وتحول. كل شيء يتحول: الولاء والمصلحة. لا يلزم الحلم لتحولاته غير شعار ممتزج بالعاطفة وقطيع يتبع الأسطورة.
كل هذا توفر تحولت “البروتيستانتية” أو جزء منها بالتزاوج مع الأسطورة اليهودية إلى الصهيونية المسيحية التي أنتجت فكرة أن الهنود الحمر لا ينتمون للبشر وليس لهم في الأرض مقر أو مستقر هناك، بدأ إحياء تقاليد اليهودية لكن على أرض غير كنعان.
الولايات المتحدة تعيد تصدير الفكرة بثوب أكثر معاصرة، الشرق الأوسط لا يعرف الدولة، مجرد قبائل متناحرة. لا يزال سراب بعيد للمرعى وعيون المياه تجذبها لتسفك دماءها بنفسها، هكذا يصرح المبعوث (لا أعرف ما إذا كان أمريكيا أو صهيونيا) فكلاهما واحد، مع أنه أقرب للأخير.
اكتملت حكاية حماس. البحث جار عن حماس أخرى. القيام بمجرد بروفة في مكان ما خارج المسرح الصغير لقياس ردود الشجب والإدانة. الجيد أن المفعول به تناسى أنه دولة في اللحظة التي نامت فيها كل الصافرات المليارية. بين الوعد بالحماية وتقديم الدعم اليوم للعدو بون شاسع لا يقاس بالمال ولو كان 21 مليار دولار في عام واحد، ولو كان الوسيط هو نفسه الخصم.
الاعتراف فضيلة. المال لا يجيد حمايتكم بالقدر الذي لا يجلب لنا تنمية، فلا داع للتساؤل. إنها مفارقة يتبرأ منها التاريخ. عندما تجتمع الغطرسة واللامبالاة تحت سقف واحد.