إيش تحسب أول ما نتصل بهم بايجوا جري؟
أيش يعني؟
يعني لازم تروح بنفسك لما عندهم وتتكعف اللي بالي بالك..
الله يرحمك يا بو مريم، قلت.
صاح واحد ممن سمعوا كلامنا: هيا منو ده أبو مريم كمان؟
- رديت عليه: أبو مريم هذا يا صديقي كان يعمل في البلدية ويعيش قريب من حافتنا، وإذا حصل انسداد في المجاري نروح له للبيت ونقول له يابو مريم شوف البلاعة اتسدت بحافتنا تعال شوف ماله.
- أبو مريم يأخذ حاجاته على عجل ويسرع يفك السدة ويخلصنا من المشكلة بلا لوك ولا وجع قلب، وأحيانا واحد من أصحاب الحافة يتبرع له بقيمة واحد شاهي ملبن، وأحيانا يكتفي بـ”شكرا”.
وبعدين أجا واحد مهرول من بعيد وقدم مداخلة قيمة في موضوع السدة:
- من قال لكم أن هاذي عادية؟
- ها وأيش يعني سدة بالذكاء الاصطناعي؟ قلت
- بالضبط كده
- مالك يا مساوخ، كيف سدة بالذكاء الاصطناعي كمان؟؟
- شكلك ما تفهم يا حاج
- طيب يا فهيم فهمنا
- قال: شوف ذلحين لما المشتركين ما يسددوش رسوم المجاري أيش تعمل البلدية؟؟
- ها أيش تعمل؟ أكيد ترسل له إشعار..
- لا يا عاقل...
- أيش إلا؟؟
- ينزلوا العمال يسدوا البلاعة وبعدين الناس يجوا جري لا عندهم يترجوهم يفتحوا السدة، أو يجيبوا عمال من أي مكان يفتحوا البلاعة، وبعدين تجي البلدية تسدها مرة ثانية... شفت مرة بحافتنا سدة سلالي..
- أيش سلالي؟؟؟
- يعني الناس ما قدروش يفتحوا السدة إلا لما حفروا على طول عشرة متر وغيروا البيب بكله وخسروا بيس بلا قياس..
بالنسبة لبعض المعنيين، هذا حل مثالي لتحصيل الرسوم، بصرف النظر عن الأذى الذي يسببه للجميع وليس للشخص المتخلف عن السداد وحده، ناهيك عن الأضرار الصحية والبيئية التي يخلفها هذا التصرف.
هذه العقلية التي تبحث عن أسهل الحلول، من وجهة نظرها، لتحصيل الموارد ليست حكرا على جهة معينة، بل تبدو شائعة لدى الجميع كما لو كانت عدوى تنتقل عبر الهواء.
نظرياً تبدو العملية سهلة وغير مكلفة، ولكن العكس هو الصحيح. هذا على الرغم من أن العالم كله قد انتقل منذ زمن بعيد إلى التحصيل الإلكتروني الشبكي، بمعنى أن كل رسوم الخدمات مرتبطة ببعضها البعض (مجاري ومياه، كهرباء، تجديد رخص، مخالفات وجوازات...إلخ)، وإذا صادف مثلا أن (المواطن) ذهب لتجديد رخصة السيارة لن يستطيع إلا بعد دفع الالتزامات المتخلفة التي تظهر مباشرة على الشاشة. أي أن الدفع اليدوي انتهى، ولا تجد موظفا حكوميا في أي دولة يحمل دفتر تحصيل يتجول به في الشوارع.
عقلية صاحب الصرف الصحي الذي أمر بسد المجاري للتحصيل دون مراعاة لتداعيات ذلك لاتختلف عن عقلية رجل الاقتصاد الذي لا يريد التفكير العميق بكيفية زيادة موارد الدولة ويكتفي بما هو أسهل ولا يوجع رأسه، بصرف عن النظر عن الضرر الاقتصادي الذي سيمس قطاعا واسعا من الناس وسيخلق ركودا اقتصاديا بمآلات غير محسوبة. بينما لو أمعن التفكير لوجد حلولا ابتكارية مضمونة النتائج.
