يأتي هذا التحول في ظل انهيار كامل هيكل مجلس سابق، حيث انتهت صلاحياته وقدراته على إدارة الدولة وفقد مصداقيته داخليًا وخارجيًا. فشل الحكومة التقليدية في الحفاظ على ولاء مؤسساتها بات واضحًا، وبرز عجزها عن تلبية احتياجات المواطنين، مما يثبت أن الوحدة كأيديولوجية فقدت قوتها أمام إرادة الجنوب، وأن الحكومة السابقة لم تعد قادرة على مواجهة الواقع الجديد.
الانحياز المؤسسي بهذا الحجم يمنح المجلس الانتقالي شرعية فعلية على الأرض، ويحوّل المطالب السياسية من شعارات نظرية إلى واقع عملي ملموس، حيث أصبحت المؤسسات الحكومية أدوات فعالة لدعم المشروع الجنوبي. يرتبط هذا الدعم بحماية حقوق المواطنين والعدالة والمساواة، ما يمنح المشروع بعدًا قانونيًا وإنسانيًا متوافقًا مع المعايير الدولية لحقوق الشعوب في تقرير المصير، ويجعل أي وصف للمطالب الجنوبية بالانفصالية أو الهامشية غير مقبول.
هذا التحول المؤسسي الشامل يرسل رسالة قوية للمجتمع الدولي مفادها أن إرادة الشعب الجنوبي ليست نزوة سياسية، بل مشروع مؤسسي متكامل يحظى بدعم أغلب الوزارات والهيئات الحكومية. ويعزز هذا الواقع فرص الاعتراف الدولي التدريجي بالدولة الجنوبية، ويجعل أي مفاوضات مستقبلية تواجه واقعًا جديدًا لا يمكن تجاوزه، حيث أن السلطة السابقة لم تعد قائمة وشرعيتها قد انتهت.
إعلان أغلب الوزارات والمؤسسات الحكومية دعمها الكامل للمجلس الانتقالي ليس موقفًا إداريًا عابرًا، بل انقلاب سياسي يضع مسار استعادة الدولة الجنوبية على طريق واضح بين النظرية والتطبيق، ويؤكد أن الإرادة الجنوبية أصبحت حقيقة مؤسسية وشعبية متجذرة على الأرض، قادرة على تحقيق طموحات الاستقلال وبناء مؤسسات دولة مستقلة ومستقرة.
هذا الإنجاز المؤسسي يفتح آفاقًا جديدة أمام المشروع الجنوبي، إذ لم يعد الاعتماد على القوة العسكرية أو الشعارات الرمزية كافيًا. فالولاءات المؤسسية الجماعية تمنح المجلس الانتقالي القدرة على تحويل المطالب الشعبية إلى واقع ملموس، وتعزز دعائم الدولة الجديدة على أسس قانونية وشعبية، بما يضمن استمراريتها ويجعلها قادرة على مواجهة التحديات السياسية الداخلية والخارجية على حد سواء.
في هذا السياق، يصبح التحول المؤسسي الذي تشهده أغلب الوزارات والمؤسسات الحكومية علامة فارقة في تاريخ الجنوب السياسي، ويضع الجميع أمام حقيقة واضحة لا يمكن إنكارها: أن إرادة الشعب الجنوبي أصبحت قوة فعلية على الأرض، مدعومة من مؤسساته، وشرعية دولية قابلة للتعزيز، وقادرة على تحقيق الاستقلال وبناء دولة مزدهرة ومستقرة.
