
لا عجب أن يطلق عليها الناس لقب “الشاص الرجيم”، فالرجولة عند البعض أصبحت تقاس بعدد السيارات التي صدمتها، وعدد الأرواح التي أزهقتها دون أن يخدش الطلاء الأمامي للمركبة.
الشاص ليس وسيلة نقل، بل فلسفة حياة. سائقوه لا يقودون، بل يؤدون عرضا حيّا للهيمنة والسيطرة على الطريق.
قوانين المرور؟ هذه تقرأ فقط في قصص ما قبل العام 90، ولا تنطبق على فئة “المدرعين فطريا”، أولئك الذين يقسمون يمين الولاء للشاص لحظة شرائه، بأنهم سيحافظون على هيبته مهما كلفهم الأمر من أرواح وممتلكات.
أما الضحايا؟ فأسماء نضيفها لقائمة طويلة لا تنتهي، من شاب بريء خرج ليشتري مقاضي البيت، فدهسه شاص ولاذ بالفرار..
إلى أسرة بكاملها قررت أن تعبر الشارع في التوقيت الخطأ (أي عندما كان شاص يقترب بسرعة الصوت).
اللوم دائمًا على المارة، فهم لم يتعلموا بعد أن الشارع ليس ملكا عاما، بل “أرض محررة” تعود حصريا لسائقي الشاصات ومن شايعهم.
الجهات المختصة؟ نائمة نوم أهل الكهف، وإن استيقظت، أصدرت بيانا صحفيا ناريا بعد الكارثة، يشبه تغريدة باهتة تقول: “نتابع باهتمام”، ونرصد كل من يصطادون بالماء العكر، إلى آخر الديباجة المملة.
ربما لسائقي الشاصات وجهة نظر، ربما هم يظنون أنفسهم في فيلم أكشن، أو في سباق رالي صحراوي لم يعلن عنه بعد، وربما مجرد محاولة لتنفيس ضغوط الحياة.
أما الضحايا؟ فهم مجرد “كومبارس” في خلفية المشهد.
الحل ليس في تركيب كاميرات إضافية، ولا نشر الدوريات في كل زاوية.
الحل أن نغير تعريف الطريق في كتب الجغرافيا من “ممر يستخدمه الجميع” إلى “ميدان تحدٍّ لا يخرج من أمام الشاص أحد سالما إلا بسحر أو صدفة”.
أن يحاسب كل سائق شاص يعبث بالأرواح، أمر مطلوب وفورا كما يحاسب أي مجرم أو بلطجي ..
وأن نعامل المركبة بحسب سلوك قائدها، لا بحسب ماركتها.
أيها الشاص الرجيم،
ارحمنا، فنحن لا نملك قدرة على الطيران للهرب والنجاة من جنونك، ولا نرغب أن تنهي حياتنا لأنك كنت “مستعجل لتلحق سوق القات “.
ولا تنس، حتى لو أفلتّ اليوم، فإن التاريخ لا ينسى، والناس كذلك.
وقد يأتي يوم، تصبح فيه الشاصات مركونة على جانب الطريق، ينظر إليها الناس ويقولون:
“هنا كانت الفوضى تمشي على أربع عجلات”.
فتأملوا