
عاد سالم، الزميل والصديق والإنسان، صاحب العمود الصحفي اليومي “سَعفصة” ذاك الركن الذي لم يكن مجرد كلمات في صحيفة، بل مرآةً صادقة للواقع، وضميرًا حيًا ينطق بلسان الناس. كان قلمه يشبهه تمامًا؛ أنيقًا، صادقًا، ومشبّعًا بالإنسانية، كأنّه يكتب من عمق القلب لا من أطراف الأصابع.
غاب سالم، وترك مقعده شاغرًا، وتركنا نحاول أن نستوعب الصدمة..
كيف نكتب عنك اليوم يا من كنت تكتب عنا؟
كيف نودّعك بالكلمات وأنت من علّمنا كيف تكون الكلمة حياة؟
لقد رحلت يا فراص، رحلت بصمت يشبه أنينك الذي حملته في صوتك الأخير.. حدثني أمس الاول الأستاذ القدير زكريا السعدي، مدير تحرير صحيفة 14اكتوبر زميلك وصديقك ورفيق حرفك، عن آخر رسالة صوتية منك إليه كانت كأنها وداع مكتوم، بصوتك المبحوح الخافت تقول فيها إنها ربما الرسالة الاخيرة بيننا رسالة وداع بكلمات محزنة وثناء على العلاقة العملية والزمالة وطيب الاخلاق تشير بها الى أن في القلب ودا واحتراما وهكذا عرفك الجميع.
لقد حدثني عنك الزميل مدير تحرير الصحيفة السعدي بعبارات عزاء حزينة مقرونة بالوفاء والاخاء والنبل والطيبة وفاجعة الفراق غير المتوقع.. اللهم لاعتب على اقدارك يا رب.
نعم انا كذلك عدت الى الرسائل والاستماع إلى رسالة صوتية وصلتني منك وانت في سفرك لرحلتك العلاجية.. وتقول ياصديقي.. وجدت أمراضًا لم أتوقعها.. ولكن الحمد لله سيبقى الود ما بقيت الحياة..
مرارًا وتكرارًا، أستنشق منها نبرة الوجع، وشجاعة القلب، وإيمان الصابرين.
لقد خفَت صوتك يا سالم، لكن كلماتك باقية لا تنسى.
برحيلك خفَت ضوء من أضواء الصحافة الام الاكتوبرية الحرة، وصمتَ قلمٌ كان يحاور الألم دون أن يشيع القنوط.
يا وجع الأيام في فقد من لا يعوّض.. يا طعنة في خاصرة الكلمة، يا صوتًا كان يُنصف المهمشين، وضميرًا ناطقًا باسم الوطن والناس.
وداعًا يا سالم.. وانا اشاهد صور نعشك محمولا على الاكتاف أيها الزميل النبيل والإنسان العظيم، نم بسلام أيها المقيم في الذاكرة، والمقبور في القلوب.
لقد بكيناك بكاءً مرًّا، وبكتك الصحافة، وبكينا أعمدتك التي لم تعد تُكتب، وصوتك الذي لن نسمعه مجددًا، ودفء حضورك الذي غاب إلى الأبد. وستبقي ذكرك سيرتك العطرة في قلوب محبيك.
أيها العابر فينا كغيمةٍ حنونة.. من يملأ فراغك الآن؟
من يكتب كما كنت تكتب؟
من يحتمل هذا الغياب؟
لا نقول إلا ما يرضي الله «إنا لله وإنا إليه راجعون»، لكن الوجع كبير، والموت حق، وموتك يا سالم كان أقسى من أن نتحمله بسهولة.
طوبى لمن كتب بالحبر والوجع، ثم مضى تاركًا خلفه أثرًا لا يُمحى.. هذا أنت يا سالم.
ستظل حيًّا فينا بصوتك، بعمودك، بحضورك، بأخلاقك، وبكلمة كتبتها يومًا ولم ننسَها.
نم قرير العين يا صديقي بين احضان تربة الوطن... فقد تعبت كثيرًا في دنيا لم تُنصفك كما تستحق.