مدينة صناعة الوعي والتسامح


كتابٌ يحمل بين دفتيه تاريخ وجغرافيا نصف عقد من الزمن أو اكثر، أحداث وقصص واقعية، حكاياتٌ وشواهد غزيرة المعاني والمغاني، كثيرٌ من المواقف الجميلة والخواطر الشيقة، تخللت هذا الكتاب، السرد الجميل والصريح للمؤلف أعطى للكتابة رونقا خاصا وطابعا ذا نكهةٌ عتيقةٌ مطرزة كما لو انها لوحةٌ فنية فائقة الجمال.
ليس مجرد ذكريات شخصية للمؤلف فقط، بقدر ما هو فصول من تاريخ وأحداث ووقائع وتوثيق جذّاب للمواقف والأشخاص والزمان والمكان.
حياةٌ عاشها الشامخ علي الضالعي ممزوجة بكفاح النصر والصبر وإرادة الإصرار والتحدي، حياة معطّرةٌ بالإباء والتضحية والشجاعة والاقدام، رجلٌ من العيار الثقيل صهرته المواقف والأحداث والتي لم تزده الا ثباتاً وإيماناً لا يتزعزع.
عدن(المدينة الفاضلة) وصاحبة الجلالة في التكوين الفكري والثقافي والمعترك السياسي للمؤلف العم علي عبدالله سعيد.
وكما هي وعلى مدى الأزمان كانت ولا زالت بوصلة الاتجاه ومحور الدولة والاقتصاد، الحب والسلام والتراث والثقافة والاقتصاد والبناء ركائز هذه المدينة.
فيها عاش المؤلف وتعلم وترعرع، وكانت بمثابة محطة ترانزيت أثناء تنقلاته فيما بين المدن اليمنية ومن ثم إلى الدول العربية، ومحطة عبور روحي تعانق فؤاده ولو كان بعيدا عنها.
من جحاف الضالع مسقط رأسه يحكي ويستذكر العم علي الضالعي أحداثا عظيمة رغم صغر سنه آنذاك ومشاركته لأحداث ووقائع مواجهة الاستعمار البريطاني عام 1957م، ورحلته الأولى إلى عدن عبر (عنتر ناش) وصولاً إلى البريقة عدن الصغرى، والتحاقه بالمدرسة الابتدائية والمتوسطة، كانت هناك شواهد ومشاهد أحداث ومواقف، عادات وتقاليد وتفاعل السكان مع القضايا العربية فلسطين والجزائر، ومع القادة جمال وصوت العرب أثير الزمن، سيل من المواقف والفلوكلور الشعبي والثقافي دوّنها الرجل العنيد في أول كتابه تحت عنوان دور المدرسين في تنمية الوعي الوطني والقومي.
الحدث الأكبر في تاريخ الوطن ثورة 26سبتمبر1962م، وهنا صنعاء اذاعة الجمهورية العربية اليمنية الأثير الساحر وبصوت الله أكبر انطلاق الثورة الخالدة ضد النظام الكهنوتي كانت عدن مع الحدث الاعظم تزهو وتزغرد بالرغم من وجود الاستعمار البريطاني.
والدعم المصري بقيادة الزعيم جمال لثورة اليمن كانت الحلقة الوثقى للترابط والتلاحم، فيما بين البلدين.
الحدث الأعظم تفجير ثورة 14أكتوبر1963م تخليداً لدور الشهيد غالب راجح لبوزة ضد الاستعمار البريطاني (برع يا استعمار)، من فوق جبل شمسان انا شايف صبر يضحك لبرج القاهرة.
دوّن المؤلف تلك الأحداث والمواقف كونه عاشها وتابعها بتفاصيلها بِنهم وشغف، وحب الشعر والادب والاناشيد والمواويل والإعلام وتفاصيل التفاصيل ظلت محفورة بذاكرة الجبل الضالعي بأحرف من نور ليرويها ويهديها بهذا العمل الرائع والاخراج المتميز «ذكرياتي في عدن».
الحركة الطلابية في مصر، لماذا انا ناصري، حوار مع ابراهيم الحمدي، انتصار أكتوبر، الحركة الطلابية منتجة القيادات، المؤتمر الأول للمغتربين اليمنيين، اغتيال الحمدي وما تلاها من أحداث جسام ، تصفية سالمين كان فصلا مثخناً بالجراح، العودة إلى عدن، الوحدة العربية في سجون سوريا، من دمشق إلى عمان إلى بيروت، العودة إلى الوطن، كيف تتعامل أثناء الاعتقال، النفي إلى ميدي، في الحديدة، العودة للاستقرار في تعز، التنظيم الناصري، الوحدة على المحك، حوار مع علي عبدالله صالح، من قلب التنظيم، التعديلات الدستورية، مشاكل التنظيم، المؤتمر القومي العربي، اللقاء المشترك، ثورة11فبراير2011م، المقاومة في تعز، ملحق كتابي، ملحق صور، كانت تلك أبرز المحاور التي حكى عنها الضالعي بأسلوب صادق وأدب رفيع في سرده للذكريات يندلق البوح منه دون هوادة، متوهجاً بين الغفوة والوسن، مشتعلاً بالشجن، كراهب في محراب الذات، يرصد الطبيعة في حله وترحاله، فأصبحت أعماله كتاباً، سجلها الرجل بعشقه الخاص وسيمفونيته الشجية، دقيق الملاحظة، تواقاً للمعرفة شرهاً في التدوين، مُغرماً بالكتابة، يُعبّر عن آرائه وتجربته وحياته بكل جرأة وأدب، سكب الضالعي علي روحه الدافئة وعصارة حياته بلغة ذات طراز رفيع ليس لأجله حسب ما اعتقده وإنما للتاريخ وللأجيال، وفي الغلاف حكاية ورمزية، كارزمية الرجل وهو في عنفوان شبابه واناقته المتقدة بروح الحماس والوطنية، وكيف صارت تلك الملامح التي صهرت ذاك الرجل لتظهر تجاعيد وجهه مرسومة كخارطة دليل للكفاح والاباء لحياته النضالية ، وبين جوانح عمره عاشت وترعرعت قيم ومبادئ ذاك الرجل الهصور الزعيم جمال وخلفية الصورة مهد الحضارة ورمز الأصالة، وقداسة الزمان والمكان (رنا علي) كانت الريشة والبنفسج.
الكاتب الصحفي والمؤرخ محمد الشافعي مقدم الكتاب كانت له لمسةٌ ساحرة في التقديم تشبه ذكريات وتدوين المؤلف الضالعي، وكل من تم ذكرهم في الكتاب كان لهم الثناء والتقدير من المؤلف نفسه.
ادامك الله شامخاً أستاذنا القدير علي عبدالله سعيد الضالعي.
اسم الكتاب / ذكرياتي في عدن
مدينة صناعة الوعي والتسامح
المؤلف/علي عبدالله سعيد الضالعي .
الطبعة الأولى 2024م القاهرة - مصر لوتس للنشر والتوزيع.
عدد صفحات الكتاب/324 ورقة من القطع المتوسط .