
كنت أعتقد حينها أن مهاجمة إيران مسألة وقت ليس إلا. وقد صدق حدسي حيال ذلك، إلا أن الخطة جرى تعديلها لاحقا كما رأينا. فبدلا من أن تقوم الولايات المتحدة بالعملية بمعية حلف الناتو بعد ماراثون التفافي في الأمم المتحدة كما في حالة العراق تم تفويض إسرائيل بتنفيذ العملية بينما تظهر الولايات المتحدة كداعية سلام حتى آخر لحظة.
أمريكا لم تلتزم الصمت بعد بدء العملية الإسرائيلية ليلة الجمعة 13 يونيو 2025، بل صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنهم “ يدعمون إسرائيل كما لم يدعمها أحد من قبل “، وأن كميات كبيرة من أفتك سلاح في العالم تنتجه أمريكا في طريقه إلى إسرائيل.
الضربات الاستباقية الإسرائيلية ضد إيران، والتي استهدفت البنية التحتية النووية والقيادات العلمية العاملة في البرنامج النووي الإيراني وقيادات القوات الإيرانية المختلفة، تواصلت منذ ساعات الفجر حتى كتابة هذه السطور. ولكن بعض المسؤولين الإسرائيليين يقولون إن هذه العملية ربما تستمر لفترة طويلة، بينما يرى محللون أن ذلك لا يزيد عن كونه جزءاً من الحرب النفسية المترافقة مع العملية.
تخطر ببالي أسئلة عدة: هل فعلا تفاجأت إيران بالهجوم الإسرائيلي عليها؟ وهل صحيح أن إسرائيل نجحت في خداعها؟ ثم هل فعلا كانت الضربات الإسرائيلية سابقة لأوانها لأنها خربت المفاوضات التي كانت الولايات المتحدة تجريها مع إيران؟ وهل يمكن لإسرائيل أن تتصرف بهذا الخصوص خارج الرغبة الأمريكية؟؟
إنه ادعاء محض القول بأن الضربات كانت مفاجئة لإيران. ذلك معيب بحقها كدولة، لا يمكن لأي دولة التصريح بمثل هذا الادعاء وهي في وضعية حرب، تشتغل فيها كل الدوائر المعنية بإدارة الأزمات. أليس من الغريب أن إيران الغنية بالأجهزة الاستخبارية التي لا تحصى تجد نفسها ملعبا فسيحا للموساد الإسرائيلي يلهو فيه كما يشاء إلى الحد الذي ينشئ فيه منصات لإطلاق الصواريخ في عمق الأراضي الإيرانية وبالقرب من الأهداف المحددة، بل ويزرع المتفجرات في الأهداف ذاتها؟
هذا ممكن في حالة واحدة، حينما لا تكون المهمة الأساسية لهذه الأجهزة حماية البلاد من الاختراق. لا يمكن بأي حال الادعاء بالمفاجأة لأنه منذ يومين قبل الضربة بدأت تتواتر الأنباء عن مغادرة العسكريين الأمريكيين للمنطقة القريبة من إيران، أليس هذا مدعاة للحذر والاستعداد القتالي العالي؟؟
في الواقع ليس أمام إيران الوقت الكافي للبكاء على اللبن المسكوب، فهي على المدى الطويل لم تستفد مطلقا من كل العبر التي مرت بها منذ اغتيال قاسم سليماني لحد اليوم. بالنسبة لي هذا ليس مهما!!
المهم بالنسبة لي هو: هل تستفيد الدول العربية منفردة – لأنها مجتمعة لم يكن الأمن القومي العربي أكثر من يافطة- من هذا الدرس القاسي والتفكير الجدي بأمنهم القومي، بمعنى هل لديهم ضمانات داخلية كافية أو فلنقل خيارات تمنع تغلغل الأجهزة الاستخبارية الأجنبية في الأمنية والاقتصادية والعسكرية، ثم هل تظن الدول العربية أن ما جرى في إيران لن يتكرر فيها، وهل تحالف بعض الدول العربية مع الولايات المتحدة سيمنع إسرائيل من تحقيق أهدافها التوراتية؟؟؟
تقول إيران إن ردها سيكون قاسيا. هذا القول قد لا يتوافق مع الفعل على الواقع، صحيح أنه تم الإعلان عن بدء عملية (الوعد الصادق 3)، ورفع علم الثأر، إلا أن العبرة ستأتي بالخواتيم كما يقال. فإذا لم يكن الرد الإيراني أقوى وأشد إيلاما لإسرائيل أو على الأقل مساويا له من حيث القوة التدميرية والخسائر المادية والبشرية وإذا لم يتعرض مفاعل ديمونة لأضرار مساوية لما تعرض له مثيله الإيراني فإن إيران تكون قد خسرت لتوها وضعها كقوة إقليمية وتعديلية في الشرق الأوسط وبات الأمر كله بيد إسرائيل.
*راجع: د. احمد سنان. الأزمة الخليجية وتأثيرها على الوضع الجيوسياسي للمنطقة. مجلة أبحاث البيئة والتنمية المستدامة. العدد الثاني، المجلد الخامس، ديسمبر 2018.