لقد أكد اليمنيون في جنوب الوطن، وشماله حتمية فشل التدخل الخارجي، وفشل قوى العمالة، والارتزاق، والتآمر في الداخل؛ وهي القوى التي لم تدخر جهداً، ومارست كل عدوانيتها، وفوضويتها، وبذاءاتها في حق النساء والرجال؛ لإثناء الجماهير ـ كما حصل على سبيل المثال في مدينة المعلى أمام عيني يوم الخميس الماضي ــ لإثنائهم عن تنفيذ هذا التعبير الديمقراطي السلمي الرائع .. لقد عبر اليمنيون بصوت واحد ـ وهذا هو الأهم ـ عن تمسكهم بمخرجات الحوار الوطني الشامل، ورفضهم لمشاريع الانفصال، والتشظي، ومشاريع العودة إلى براثن القرون الوسطى، من إمامية، وسلالية، وطائفية، ومناطقية، ومشاريع السقوط في هاوية الثورة المضادة، وتحالفاتها السوداء، وعبروا عن تأييدهم للقيادة السياسية، والشرعية الدستورية؛ بقيادة الأخ الرئيس عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية، وعلى طريق حماية النظام الجمهوري، واستكمال مهام المرحلة الانتفالية، والانتقال السلمي، الديمقراطي للسلطة، وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني؛ التي تَوافَق عليها الجميع، وغدت المخرج الوحيد للكل إلى وطن العدالة، والمواطنة المتساوية، إلى يمن اتحادي، ديمقراطي، ومزدهر .
هذه الرسائل التي كتبها اليمنيون أفعالاً مشرقة، واحتملوا من أجلها المشاق، والشتم، والأذى البدني والنفسي، وحر الصيف؛ لم تأتِ فقط لتقول : ( لا ) لمشاريع الرجعية، الإمامية المتخلفة التي تحاول خنق الوطن وحاضرته بعفوناتها، ولم تأتِ فقط لتقول : ( لا ) لثقافة الإرهاب، والحجر، وادعاء الوصاية على عقول الناس ومصائرهم، و ( لا ) لمشاريع التشظية القبلية، المناطقية، المتخلفة؛ بل جاءت لتؤكد كذلك، ومعه تمسكها المصيري بخياراتها الديمقراطية، ولتعلن للمجتمع الدولي، ومجلس الأمن على وجه الخصوص؛ والذي عقد يوم الجمعة الماضية ـ اجتماعه بشأن اليمن؛ أن اليمنيين مع خياراتهم الديمقراطية، التي تضمنتها وثيقة مخرجات الحوار الوطني الشامل، وأن المطلوب هو الوقوف بمسؤولية إزاء المعرقلين، وتجريم الخارجين على الإجماع الوطني، الذين حملوا السلاح في وجه الدولة، وقاوموا أجهزتها، وقتَّلوا جنودها، ومواطنيها، وأمعنوا في تشريد السكان، وبث الرعب في المدن والقرى، ومعاملتهم أسوة بحلفائهم (طتنظيم القاعدة الإرهابي ) وعدم التعامل معهم إلا على أساس ذلك؛ مالم يسارعوا إلى إعلان العودة إلى الإجماع الوطني، واحترام الثوابت الوطنية، والتوقف فوراً عن مسلك الإرهاب، والتخريب المادي والمعنوي، والعمالة للقوى الخارجية المعادية للوطن والشعب .
لقد اتضح اليوم للعالم، كما اتضح لليمنيين الشرفاء خطورة الوضع، وخطورة المؤامرات التي تحاك على اليمن ومستقبلها، وهاهو الأخ جمال بن عمر نائب الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه إلى اليمن يصرح من داخل اجتماع مجلس الأمن، ويؤكد أن هناك تحديات، وعرقلة ممنهجة للعملية السياسية في اليمن، وأن بيان مجلس الأمن قد جاء مترتباُ على ذلك، ومثل رسالة قوية لمن يواصلون عرقلة العملية السياسية .
وبنظرة سريعة إلى بيان المجلس، فمن الواضح أنه جاء بالفعل انعكاساً جلياً لكل الاعتمالات التي فرضتها عملية الصراع السياسي والعسكري بين قوى الثورة والجديد بزعامة فخامة الرئيس، وبين قوى وتحالفات الثورة المضادة، وقوى القديم المترهل، الخارج من مقابر الماضي العفنة، وانعكاساً أيضاً لذلك الخروج الجماهيري العارم لنصرة الشرعية الدستورية، وحماية المكتسبات والثوابت الوطنية .
لقد تكلم مجلس الأمن بنبرات واضحة هذه المرة، مسموعة لمن لا يسمع؛ معلناً دعمه للجنة الخبراء، التابعة للجنة العقوبات، بغية اتخاذ التدابير اللازمة بخصوص من يعملون على تقويض المرحلة، محدداً بالأسماء ( الحوثيين) وقيادتهم أن لجنة العقوبات تدرس اتخاذ التدابير اللازمة، وهنا يتضح التوجه الدولي؛ وتتوجه الإرادة الدولية بجلاء صوب خطوات أخرى ستمس أشخاصاً وجهات .. خطوات لا بد منها؛ ومن بينها فرض العقوبات التي حاول المجلس بوضوح تجنبها ـ في الماضي ـ للوصول ـ كما يبدو ـ إلى لقاء مشرف لكل اليمنيين؛ على طاولة التسوية، والانتقال السلمي؛ لولا ما كان واتسع من إصرار قوى الثورة المضادة، ومنهم الحوثيون على هضم وجود الآخرين، وهاهو مجلس الأمن يذكِّر بالعقوبات ضد أفراد وكيانات تدعم أعمالاً تهدد سلامة واستقرار اليمن، وهاهي الأيام تجري، والذي لا يتعلم اليوم بالكلام؛ سيتعلم غداً دون شك، وإن كان بغيره.
وعلى كل حال؛ فإننا نظن ـ ونحن لا نتمنى الشر لأحد ـ أن الجميع قد فهموا مختلف الرسائل، فقد جاءت هذه المرة ـ من الداخل والخارج ـ جد بليغة، وأكثر من واضحة، وهاهو مجلس الأمن يحرك الفهم ـ أو يكاد ـ في العقول الصدئة، وهاهو يدعو للتسريع في إنجاز الدستور، وقانون العدالة الانتقالية، والمصالحة، ودفن الماضي المؤلم .. ولم يبقَ إلا أن يأخذ كل حقه بالقانون، ولم يبقَ إلا أن يفهم من استعصى عليه الفهم خلال المراحل الماضية، وأن تصحو عقول القرون الوسطى، ما لم؛ فهذه إرادة 25 مليون يمني خرجوا إلى الشارع لوقف عبث العابثين، وهذه إرادة المجتمع الدولي مؤيدة، ومناصرة؛ فمن وعى فقد وعى، وإلا فعلى نفسها جنت براقش !!