وبالمقابل؛ فإن ردود الفعل؛ ولاسيما الدولية؛ ما زالت تتعامل مع المسألة على أنها عثرات، وإعاقات تحتمل من الكرام إقالتها، والصفح عنها؛ بدءا من إخراج سكان صعدة، ومهمشيها من أرضهم، ومرابع أجدادهم في المحافظة عمران التي مثلت إهانة بالغة للدولة، ولسيادتها، وسخرية بأمن واستقرار وسلامة السكان، وانتهاء اليوم بجرائمهم في العاصمة صنعاء، ومحافظة الجوف .
وإذا كانت تلك الجرائم التي ينبغي أن يقدم فاعلوها إلى محكمة الجنايات الدولية قد أدت بالفعل إلى مقتل الآلاف من أبناء القوات المسلحة والأمن والمواطنين الأبرياء، ونزوح عشرات الآلاف من أرضهم في صعدة، وعمران، والجوف ومحافظة صنعاء؛ فكيف لو استمر حال هذا الاحتمال، والصبر حد الصمت في أمانة العاصمة، ومحافظة صنعاء التي يتجاوز عدد سكانها المليونين ونصف المليون .. إلى أين سيشرَّد هؤلاء ؟ ومن سيُؤويهم ؟ ومن سيغيثهم ؟ إنها الكارثة أيها السادة !!
لقد استغل الحوثيون الوضع العسكري، والأمني؛ مدعومين من الثورة المضادة، ومتحالفين مع تنظيم القاعدة، والحراك المسلح، واستغلوا الوضع الاقتصادي الذي أوصلوا البلاد إليه مع حلفائهم، وهاهم اليوم يحتلون موقع معاوية، ويحاربون علياً مطالبين بدم عثمان في صنعاء !! رضي الله عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً .. إنهم يصنعون الكوارث بأيديهم صناعة، ويحمِّلون الوطن والمواطن المسؤولية .. إنهم ـ باختصار ـ يريدون إدخال الوطن والدولة في دوامة من الحروب، لا محصلة لها سوى تدمير كل شيء، إنهم يستثمرون أوضاع البلد، وآلام الملايين من البشر .
إن هذه الحال قد مثلت قيداً مؤقتاً لرد فعل الدولة ممثلة بفخامة الأخ الرئيس عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية، ولكن المحير الآن، ومع تزايد هذه المخاطر أن يظل رد الفعل الدولي مراوحاً بين الشجب والتنديد، والدندنة التي لا تحل ولا تعقد، ويظل قرار البند السابع سجيناً في الأدراج، يشكو من تراكمات الغبار على نصوصه؛ التي كان يمكن استغلالها على نحو أكثر فاعلية لمواجهة هذه الغطرسة، والأخطار المحدقة بالبلاد وأمنها واستقرارها ومستقبلها .
ومع ذلك نقول : ما زال في الوقت متسع، فإذا كانت القيادة السياسية ممثلة بالأخ الرئيس قد شرعت في ظل هذه الأخطار باتخاذ بعض التدابير الاحترازية عبر اللجنة العسكرية والأمنية العليا؛ لمواجهة من تجاوز حق التعبير والاحتجاج السلمي؛ والذي يهدف إلى تحويل العاصمة إلى عمران أخرى؛ عبر تكديس السلاح، وتهريبه إلى العاصمة، ثم تفجير الموقف من الداخل وعليه فإن المجتمع الدولي أصبح اليوم مطالباً بتدارك الأمر، وإبداء رد فعل أكثر مواكبة للأحداث، وأكثر تطوراً في أدواته، ولغته .
لقد أفرز هذا التعاطي المتراخي سقوط محافظة عمران، بعد صعدة، وسقوط مكانه الدولة وهيبتها أمام هذه العصبة؛ الذين أصبحوا يتحدثون اليوم بصلافة عن نيتهم إسقاط العاصمة، وتقسيمها إلى عدد من المربعات الحوثية لمن يسمونهم بـ( كتائب الحسين ) في الوقت الذي لم نلمس من المجتمع الدولي سوى دعوات مطاطية لضبط النفس، وتغليب مصلحة الوطن، وتأكيد الوقوف مع مخرجات الحوار، ومع الرئيس هادي وحكومته .
يجب أن يفهم الجميع أن الحوثي لم يكن مع الثورة، ثم الحوار إلا لكسب الوقت، وتدمير الدولة بأدواته من الداخل، والتمويه على نشاطاته، وحماية خطواته الجهنمية التي تجاوزت صعدة إلى حجة والمحويت، ثم عمران، والجوف، وصنعاء .. أيها العقال افهموها قبل ألا تفهموها !! إنه مشروع ، يمشي حثيثاً عبر شعاراته وتكتيكاته لإقامة دولة ضد مشروع حضاري تبنيناه في مسيرة الحوار، وفي المقدمة الديمقراطية والمواطنة المتساوية .. هذه المسيرة التي دخلوها تكتيكا، وأرادوا الخروج منها بسلاسة شيطانية يوم أن ذبحوا رئيس فريقهم المحاور ليمنعوا التوقيع في ذلك اليوم، وليعود الجميع إلى نقطة البداية.
إن الموقف الآن قد صار أكبر من هذه التأكيدات التي أصبحت لا تحل ولا تعقد، إن الموقف الآن يستدعي على الأقل تفعيل بعض القرارات الدولية في حق المعرقلين، وتمكين الدولة من البدء في تنفيذ مخرجات الحوار، وأولاً : تمكينها من استعادة هيبتها في المحافظات المغتصبة، ونزع سلاح الجماعات، والمليشيات المسلحة ايا كانت وإعداد قائمة أولية بالجناة والقتلة والمعرقلين، ولن تكلف العملية شيئاً فيما لو استعصى الأمر مع البعض، ولاسيما في ظل التعاون اليمني الدولي الجاري لمكافحة الإرهاب .
إن المطلوب الآن إسناد موقف الدولة برئاسة الأخ رئيس الجمهورية، والخروج إلى خطاب يضع النقاط على الحروف، وإرغام المتمردين على النظام والقانون، والمنقلبين على مخرجات الحوار الوطني .. إرغامهم على الالتزام بما وقعوا عليه كشركاء في الحوار، لا كمعطلين، ومعرقلين، ما لم فمواجهتهم بكامل جرائمهم في حق بلادهم وشعبهم ..
ومع ذلك؛ يظل من المهم أن يهبَّ المجتمع اليمني كله لنصرة إرادته، وحماية ثورته، ومكتسباته، وقضاياه، فلقد أعلن الأخ الرئيس الاستعداد في صفوف القوات المسلحة والأمن، فلنكن في الصفوف، ومع الصفوف؛ فإن هذا لهو صمام الأمان، ولا أمن بعدُ لمن لا إرادة له .
[email protected]