من هنا أهمية أن تبادر مختلف المكونات السياسية والحزبية إلى تكثيف التواصل والاتصال بهدف خلق أرضية مشتركة ونزع فتيل هذه الحروب .. وبالتالي وضع رؤية مستقبلية تكفل عدم تكرارها ، فضلاً عن التأكيد على ضرورات التزام هذه الأطراف بمخرجات مؤتمر الحوار الوطني التي تمثل خلاصة الحلول لمشكلات الواقع وإقامة منظومة الحكم الرشيد في إطار النظام الاتحادي الذي يكفل ترسيخ قيم العدل والحرية والمساواة .
ولا شك بأن شرط هذا الاستحقاق الوطني في استئناف روح التوافق ، يتطلب أيضاً -بدرجة أساس- تحول الأجنحة العسكرية القائمة ضمن بعض القوى السياسية إلى مشاريع سياسية يتبارى فيها الجميع على برامج سلمية وأدبيات تنأى بالتجربة عن متاهات الاقتتال ومحاولة فرض صيغ لا تحظى بالتوافق الوطني وذلك من أجل العمل سوياَ على استكمال ملامح هذه التجربة وترسيخ الاستقرار والنماء.
لقد حذر عديد المراقبين من استمرار هذا النزوع العدائي الذي يرمي إلى إجهاض هذه التجربة ، سـواءً عبر إحياء مشاريع (الكانتونات ) الصغيرة أو إعادة أوهام الدولة الطائفية والمذهبية .. وكأن هذه القوى لم تستوعب بعد دروس الأوطان التي حاولت تجريب هذا الرهان الخاسر ، إذ كانت نتائجها مؤسفة حيث غرقت في مياه الاحتراب الآسنة وفوتت على شعوبها فرصة اللحاق بمتغيرات العصر .
وإزاء بروز هذه المشاريع الصغيرة ، تبدو الحاجة ماسة لأن يتوافق اليمنيون مجدداً على تطبيق مضامين مخرجات مؤتمر الحوار الوطني والبعد عن التخندق في متاريس القناعات الحزبية والفئوية الضيقة من أجل العبور إلى رحاب الوطن الكبير .
اليوم ونحن نعيش مخاضات هذه الحروب الصغيرة .. الأمل أن تتنبه الأطراف المعنية إلى مخاطر هذا النزوع قبل استفحاله .. والعمل معاً على تخطي هذه العقبات بالتوافق الوطني على استكمال تنفيذ ما تبقى من الفترة الانتقالية بكل شفافية ومصداقية، فضلاً عن إغلاق النوافذ التي تتسلل منها مطامع أعداء الوطن في ابقائه أسيراً للتخلف وبؤرة خصبة لتنامي عوامل الفرقة والشتات واتساع نطاقه وعلى نحو يعيق فرص إعادة البناء وقيام الدولة الاتحادية وفقاً لمنظور العصر وتطلعات اليمنيين.