وإذا كان تسليمنا بأن كل بني آدم خطاؤون، وخير الخطائين التوابون، نابعاً من كوننا لسنا بالمعصومين خلقنا من طين وماء مهين. وأن من يعمل يكون عرضة للوقوع في الخطأ أكثر من غيره. فإن وجود الخطأ لابد من أن يتضمن بالضرورة بيانا بالأسباب والدوافع التي أدت إلى الوقوع فيه، كالضعف، والتسرع، والحمق، والجهل وعدم الإحاطة بالشيء .. إلخ من الأمور المشابهة التي تكشف بالضرورة أيضاً عن وجود خلل ما قناعي أو معرفي أو أخلاقي في الشخص أو المؤسسة أو الجماعة التي كانت وراء ارتكاب الخطأ وإقراره. وهو عيب قد لا يختلف اثنان على أن الاعتراف به، والتراجع عنه والاستجابة إلى تصويبه ، أمر محبب ومستحسن بل وواجب أيضاً.
لكن ما لايجب بالمقابل إغفاله هنا ومادام الجميع مرشحين للوقوع في الخطأ هو أن هناك فرقاً وتفاوتاً في درجة وحجم أثر الخطأ ومساحة تقبله من مخطئ إلى آخر بحسب مكانة وموقع مرتكبه. بمعنى قد يكون المخطئ شخصاً أو فرداً عادياً بسيطاً محدود المسؤولية والواجب . يتعدى أثر أضرار خطئه إطار شخصه أو أسرته أو احد جيرانه أو نفر ممن يعيشون في محيطه. وخطأ مثل هذا يحتمل في الغالب تحمله ورد مرتكبه عنه. كما يحتمل تجاهله، والإعراض عن صاحبه إذا ما أصر على عدم التراجع عنه، لترك مواجهة عواقب أخطائه بل أن خطأ مثل هذا قد يستوجب التماس العذر لمرتكبه والتحسر عليه إما لضيق حاله وفقره وتدني وعيه، وحرمانه من فرص التعليم والعمل والرعاية.
وبالمقابل هناك خطأ لانقول بأن الوقوع فيه غير ممكن ومستحيل، وإنما يمكن ارتكابه ولكن في حدود مستويات محددة تجاوزها يصبح منفراً وغير مقبول، خصوصاً إذا كان صادراً من شخصية أو مؤسسة أو إدارة مناط بها شغر وظائف عامة حكومية أو سياسية، واقتصادية، وثقافية وتعليمية فإن ارتكابها مجتمعة أو منفردة لأي خطأ لا يكون سهل التقبل والهضم، وإذا ما تم تقبله فعلى مضض مع شرط التراجع عنه، والعمل على إصلاح ما أفسده، مع تحملهم أيضاً أي أضرار صدرت من ارتكابهم للخطأ. وإن كنا في مجتمعاتنا العربية ومنها بلادنا لا نطمع بأكثر من اعتراف هذه الجهات والقائمين عليها بأخطائها والاعتدال عنها وترميم بعض ما ألحقته من أضرار بالغة تمس عيشنا واستقرارنا. مستبعدين منهم العمل بضمير يقربهم ولو من بعيد من قادة ومسؤولي دول العالم المتقدم، الذين غالباً ما يخطئون بحق أنفسهم ومع ذلك لايجدون حرجاً ولاعيباًً في أن يقدموا استقالاتهم ويعتزلوا السياسة. أما إذا ما ارتكبوا أخطاء تتعلق بصلب مهامهم رغم ندرتها فأنها أخطاء كشفها يكون أكثر من كافياً لأن تضع حداً لحياتها أو المثول للمحاسبة والمساءلة وتلقي العقاب.
وحتى لانشطح بعيداً بأمانينا ومواساة أنفسنا بالحديث عن غيرنا. سنرجع ليقول أننا مازلنا نأمل من ولاة أمورنا ومسؤولينا أقل القليل من التنازل والاعتراف بما يرتكبونه من أخطاء بحقنا وإصلاح ما تيسر منها. خصوصاً إذا كانت هذه الأخطاء تتعلق بمشاريع اقتصادية استثمارية إستراتيجية كمشروع عدن منطقة حرة، هذا المشروع ذو الصفة العالمية الذي ظل يتعرض للتهميش والإضعاف والتجاهل منتظراً اليوم الذي يعاد فيه إليه اعتباره ودوره ومكانته. وبدلاً من أن يستجاب لهذا التطلع الذي راح يحلم بتحققه كل إنسان شريف على تراب هذا الوطن تأتي أعلى مؤسسة سياسية تنفيذية ممثلة برئيس ووزراء حكومة الوفاق مسؤولة مسؤولية أولية ومباشرة عن سلامة وتطور وتطوير وتفعيل دور وأداء نشاط المنطقة الحرة عدن، ودور ونشاط المشاريع الاقتصادية الأخرى المتعثرة. أتت لترمي بكل ثقلها وآخر ورقة في يدها لتقول وبصريح العبارة أنها جادة ولن تتراجع عن تدمير وطمس أي أثر لصعود وتنامي الاقتصاد في بلادنا من خلال قيامها بتجريد المنطقة الحرة عدن من أهم وابرز صلاحياتها وابرز العناوين التي يمكن أن تدل عليها.
ورغم اهتزاز ثقتنا بحكومة باسندوة لأنها لم تتراجع عن هذا الخطأ الفادح الذي ارتكبته وصادقت عليه إلا أننا ولو من باب المواساة لأحلامنا وأمانينا وتمنياتنا بغدٍ أفضل نقول ماضر حكومتنا لو تراجعت عما ارتكبته من خطأ بحق المنطقة الحرة لا بشكل مباشر خاصة إذا كانت ترى أن هذا التراجع عيب ومنقصة في حقها وليس شرفاً واكتمالاً وحسن حال فيها، وإنما بطريقة غير مباشرة كأن تستدعي جهات محايدة اقتصادية من خارج البلاد وتجعلها هي من تقرر وتصوب ما أقدمت عليه من خطأ . وليكون هذا دليلاً على كسب ثقتها التي أقول أنها باتت قاب قوسين أو أدنى من الغروب.