
من كان يتخيل أن يصبح الماء أمنية ننتظرها كل خمسة أيام؟ من كان يظن أن نعيش بين أكوام الهمّ نعد الساعات، نترقب صوت الماء، كأننا ننتظر معجزة؟ في بيوتنا خزانات صمّاء لا تمتلئ إلا لمامًا، وصنابير لا تسكب إلا الصمت، نساء يحملن اوعية من شارع إلى شارع، أطفال يبحثون عن قطرة، وشيوخ يتنهدون من قهر الحاجة.
كنا نعيش دون خزان، دون جدولة زمنية لوصول الماء، كانت المياه تملأ حنفياتنا بلا موعد، بلا وساطة، وكأنها جزء لا يتجزأ من تفاصيل حياتنا اليومية. أما اليوم، فقد أصبح انتظار الماء طقسًا قاسيًا نمارسه مرغمين.
هل سمعتم يومًا بطفل يسأل والدته: “متى يجي الماء؟”
هل رأيتم أمًا تقسم ما تبقى من قطرات بين شربة لطفل وغسل وجه عجوز؟
هل شعرتم بالعجز حين تُفرغ كل الحلول وتبقى العين على السماء تنتظر الغيث؟
أزمة المياه لم تعد أزمة خدمية، إنها أزمة كرامة، وأزمة حياة، نحن لا نطلب ترفًا، لا نطلب رفاهية، فقط نريد أن نعيش بكرامة، أن لا نصحو كل يوم على قلق العطش، أن لا نحسب عدد قطرات الماء كما يحسب الجائع فتات الخبز.
نحن لا نختلق المأساة، نحن نعيشها: في كل بيت حكاية عطش، وفي كل شارع أنين خزان فارغ، وما يزيد الوجع أن مناشداتنا تذهب أدراج الرياح، لا تُسمع، وكأن صراخنا لا يتجاوز حدود أحيائنا.
إلى من يهمه الأمر… أغيثونا قبل أن يجف فينا الأمل كما جفّت المياه في أنابيبنا.
أغيثونا بقطرة ماء، بضمير يتحرك، بعين ترى، بقلب يشعر.
عدن تبكي... وعدن عطشى... وعدن تنادي:
أغيثوني، ولو بقطرة ماء!