هاهي ذي عدن.. تتهادى صباحاً آخر.. تلبس حلة نهار فضي يتلألأ دراً وجواهر.. عيوناً تتهلل .. الحاظاً تغمر تسكب .. فوق وحول وبمتناول كل باب ونافذة وممر.. كل متعرج وزقاق ومنحدر تحف مباركة خطى عامل، وإبحار صياد، وهموم كاتب، وأفكار قارئ دفتر.
عدن أسطورة تفسر تعقل .. بالحس والسمع وبالبصر .. أسطورة موقع ومكان وقت وزمان.. تحكي تظهر .. خلوداً وفناء، سقوطاً وارتفاعاً .. قبولاً ورفضاً.. قصوراً واكتمالاً .. من يأتيها منتحلاً صورة إنسان يتردى يهان.. من ينزل فيها يتحين مصرعها يتبدد كسحاب دخان .. من يعتقد أنه قد يملكها بالسطو بالفوضى وبالقتل ونزغات الشيطان لا يفلح أبدا مهما كان.. يخطئ من يسعى كي يصبح فيها (مفرد) يتخطى الآخر يتسيد.. أخرق أحمق من لا يأتيها يتطهر من نزوات الغجر، ومن أورام البربر.. جاهل أحمق من لا يعتاد أن يسكنها وقتاً إنسان.. شط جبل وفضاء .. سكون وأمان.. يغلب يفشل من يوصدها يقطع أطرافاً منها يغلقها يحجزها يتآمر.. يهرم ويذل وينكس في الخلق من يحاول إلغاء هويتها طبيعتها.. من يتعدى على صهريج سور درب .. قلعة حصن فيها.. نفق سد.. أعمى اخرس أصنج من لا يعلم يتعلم يتزود. بمعاني أسماء مسالكها معابرها في ماء أو بر .. يفقر يخسر من لا يتوحد حباً ولها بجمال دلالات وعطايا مناكبها معابدها.. جزراً خلجاناً تبدأ منها وتنتهي إليها مواقيت أحرام، ومآذن ارتحالات، ووجهة أرزاق وأسماء لاتحد.
هاهي ذي عدن أسطورة أنبياء وجن وبشر، تصبح سطور ذاكرة أرض ووطن.. تنهض أسمى وابعد من صغائر أفعال مقاصد - وإرادات ما كادت تظفر ولن .. هاهي ذي عدن أبين تنهض وعداً ووعيداً يتحقق، لتبقى كما كانت عدن أكبر أكثر أغزر.. من أن يطمس قزم أعالي ملامحها. أو أن يقطع مثلوم صلابة أوردة تواصلها.. أو أن يخلع يائس اطمار ادعاءات وأكاذيب وأحقاد موبوءة يتقمصها.. أو أن يملي دعي عليها بخلاف إرادتها .. عدن هكذا كانت حاضرة.. وهكذا ستبقى عدن في الحضر.
“ إن صدى خطواته يخنق في صدري
ويؤلمني
والريح ترتفع
والبحر يهيج
سأترك جميع شكوكي واهتماماتي
لاتبع هذا المد الذي لا مستقر له
ذلك أن هذا الغريب
يدعوني
ويتقدمني في الطريق
يا قلبي
كن متحفزاً للإقلاع
ودع عنك من أراد التخلف
لقد تعالى النداء باسمك
في سماء الفجر
فلا تترقب أحداً
إن توق البرعم يتجه إلى الليل والندى
ولكن الزهرة النامية
تتوق إلى حرية النور
فحطم غلافك
يا قلبي
واخرج على العراء “
- طاغور -