مخزون الشيخ الشقاع يتسع لمجلدات ولاننا نعيش فراغا سياسيا وثقافيا واجتماعيا وفكريا فقد تعذر علينا أن نعد العدة لإفراغ شيء من ذلك المخزون بالصوت والصورة، وكم أسعد عندما اجلس إلى هذا الشيخ الفاضل الكريم الذي يتحدث بشفافية مطلقة لا تعرف المداهنة أو النفاق، واستحال عندي سماع الشيخ الشقاع دون أن اخرج دفتري لتسجيل حديث الرجل معي وهو ينتقل من موضوع إلى آخر.
زرت الشيخ صالح الشقاع في محله قبل ظهر الأربعاء 14 أغسطس 2013م وهو لا يعمل منذ سنوات طوال ويكتفي بالجلوس لاستقبال ضيوفه والبركة في ولده محمد الذي يتحمل مسؤولية محل والده التجاري لبيع العسل الجرداني . سألته عن ظاهرة بارزة في أسواق عدن القديمة وحصة أهل حبان منها لاسيما في سوق الطعام بكريتر. فأجابني بالقول: يا ولدي كان سوق الطعام يشكل نبض الشارع عند البريطانيين وكانوا يترددون على المحلات التجارية في هذا السوق.
دخل أحدهم مرة على محمد بن ناصر عليوة وسأله: كيف حال الانجليز؟.
فقال له عليوة: بخير، ثم دخل على علي محمد ذيبان (والد الكابتن حسين) وسأله نفس السؤال فرد عليه ذيبان: حالهم زفت. فعقب عليه الانجليزي: لكن عليوة ذكرهم بخير. فرد عليه ذيبان: لأنه خاين كماك.. ما سويتوا لنا شيء من دار سعد إلى آخر نقطة في الجنوب. رد الانجليزي: الدنيا بخير طالما وان واحدا معنا والآخر ضدنا.
قال لي الشيخ الشقاع: كان هناك جماعة من عندنا تنتمي لفخيذة واحدة، منهم من سكن الخساف وكان معهم أربع عمارات ومنهم من سكن القطيع وكان معهم أيضا أربع عمارات ودخلوا في نزاع استفحل تطويقه، حاول معهم السلطان وحاول معهم المعتمد البريطاني. تحدث مصطفى رفعت وكان يعمل في مكتب المعتمد البريطاني مع سلطان الواحدي وقال له: أفشلتم أنتم والانجليز في تطويق وحل هذا الإشكال؟ قال له: نعم فشلنا. رد عليه رفعت: أشعرهم بأننا سننزل إليهم غدا.
وفي اليوم التالي التقى بهم السلطان ومعه رفعت الذي قام واستهل كلامه بالسب العدني. وهنا غضب القوم وقالوا للسلطان: جر هذا السكران من عندنا. رد عليهم السلطان: تشتوني اصرفه أعطوني حبوس (أي رهائن)! قالوا له: خذهم! فأخذهم وصرف رفعت عن المكان وعاد إلى مكتبه وقال: لنا سنتين يا مصطفى وما قدرنا لهم.. لا أنا ولا الانجليز وجيت أنت يا شيطان وحليتها.
حكى لي الشيخ الشقاع عن مشكلة طريق أراد الانجليز شقه وتمكنوا من تنفيذه الا عند نقطة قبلية معينة، وجمع القبائل عند نقطة معينة في نهاية الجزء المنجز من الطريق وغرس العلم البريطاني عندها وهدد بان من يزيح هذا العلم فقد استعدى الانجليز عليه وأحس بعد ذلك بالحاجة للتبول وكان كلما وقف في اتجاه معين ليتبول رأى أمامه رجال قبائل وحاول أكثر من ثلاث مرات أن يتبول واخفق فما كان منه الا ان توجه ببوله في اتجاه من الاتجاهات وكان فيه رجال قبائل فصاح أحدهم: وقعوا معه على القبول بمشروع الطريق. وبالفعل لم يغادر انجرامس الموقع الا بعد أن وقعت القبيلة المعنية بالجزء غير المنجز وتحدث القوم ان بولة انجرامس حلت إشكال الطريق.
كانت هناك صورة جماعية للشيخ الشقاع مع شخصيات واحدية ومعهم السيد ابوبكر بن شيخ الكاف المليونير المعروف في سنغافورة الذي أكرم أهله من سكان تريم خاصة وحضرموت عامة، وكان الشبلي (من أرض الواحدي) يعمل في التجارة في سنغافورة وصادف ان فتح الكاف مدرسة في تريم واستقدم لها مدرسين وكتبا من سوريا، أي أنه تبنى المنهج السوري.. وكما قال لي الشيخ الشقاع إن المنهج السوري حينها كان أقوى من المصري أما الشبلي فقد بنى مدرسة لناسه وأهله في حبان واستقدم التربوي المعروف في سنغافورة باحشوان.
أراد الشيخ الشقاع رد الجميل للسيد الكاف الذي استضافه كثيرا في مقر إقامته في عدن واقترح بان يوفر اللحم وان يقوم خدم الكاف بإعداد الطعام.
قال لي الشيخ الشقاع: ذهبت إلى الشيخ عثمان واشتريت رأسين وسلمتهما لأحد الجزارين وحملت زنبيل اللحم إلى بيت الكاف وسلمته للخدم (ضمن 15 شخصا قدموا معه من سنغافورة) وقام الخدم بعرض اللحم (وكان كثيرا) على السيد الكاف الذي استغرب توفير مثل هذه الكمية وقال له: يا شقاع ما معك الا تجيب جماعتك إلى هنا ليأكلوا معنا هذا اللحم.
قال الشيخ: جبت معي (7) من حبان والله وهم قالوا للحم: وين تبا وأجهزوا عليه ولم يبقوا منه شيئا.
متعك الله بالصحة يا شيخنا الجليل!.