ردة الفعل تجاه هذا العمل المشين من قبل المسلمين أخذت في مجملها طابعاً مغايراً إن لم يكن متطرفاً في سياق الغضب والاستنكار الذي كان متوقعاً في بعض من جزئياته وغير متوقع في جزئيات أخرى والمتمثلة في سعي البعض ممن دفعهم حبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم للقيام بأعمال عنف وتخريب ونهب وقتل ضد السفارات والقنصليات الأمريكية والغربية بما فيها من مسئولين وموظفين ليس لهم أي علاقة بأولئك النفر الذين يكنون العداء والكراهية للإسلام والمسلمين والسلم العالمي بين الشعوب، ورغم بوادر الصراع الحضاري والديني الذي يروج له بعض من المفكرين الأجانب ويتفق معهم القليل من المفكرين العرب والمسلمين، إلاّ أن ديننا الإسلامي الحنيف يحثنا على مكارم الأخلاق وعدم الانسياق الأعمى وراء أدوات العنف تحت وطأة الشعور بإساءة الآخر ، خاصة وأن ذاك الآخر نعلم موقفه الثابت ضد ديننا ورسولنا بل والأنبياء والرسل أجمعين، ونسعى بغير وعي وإدراك إلى تأكيد سلوكيات العنف الذي ألصق بالإسلام والمسلمين زوراً وعدواناً.
كل المسلمين وكل العقلاء من البشر غضبوا لذاك التهريج والخبث الذي عنى الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.. هذا الرسول الذي أرسله الله رحمة للعالمين وفضله على سائر الكائنات والمخلوقات، ولكن نجد ردود الفعل لدى بعض المسلمين بعيدة عن الحكمة والمسئولية الدينية والأخلاقية وعن تعاليم ديننا الحنيف والسنة المحمدية الشريفة التي تنافي القيام بتلك الأفعال المسيئة لديننا ونبينا ، وخاصة في تلك البلدان التي لم تتعاف بعد من مشاكلها وأزماتها عبر ما شهدته من ثورات أطاحت بالأنظمة السابقة ، ولم تزل بقايا هذه الأنظمة المندثرة بفعل الإرادة الشعبية تحاول اقتناص الفرص لإحداث الفوضى والتخريب متى ما سنحت الفرصة لها والقيام بثورة مضادة، وإلاّ فماذا يعني ذلك العنف والتخريب الذي ارتكب ضد السفارات الأمريكية والأجنبية في بلدان الربيع العربي بعينها ودون غيرها إلاّ ما ندر؟ أليس رسول الله صلى عليه وسلم في قلوب المسلمين في كل البلدان الإسلامية وليس فقط في بلدان الصحوة العربية، ولكن ما ذنب أولئك الدبلوماسيين الأجانب الذين قتلوا؟ وما ذنب المواطنين الذين قتلوا أيضاً جراء أعمال العنف الذي طال تلك السفارات وكما حدث في صنعاء عندما هاجم بعض المندفعين السفارة الأمريكية وعمدوا إلى إحراقها وبعض ممتلكاتها من سيارات ومكاتب وأثاث وتخريب ونهب البعض الأخر، حتى وصل بأولئك “ المدفوعين -نقصد المندفعين- إلى حرق بعض ممتلكات السكان القاطنين بجوار السفارة أليس ذلك غريباً؟،سمعنا أيضاً حصولهم أي المندفعين المدفوعين على تسهيلات من بعض الجهات المكلفة بحماية السفارة بالمرور والدخول إليها أليس هذا أيضاً بغريب؟، وهل بهذه التصرفات سنقتص ممن أساء لرسولنا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، وألم تكن المظاهرات الاحتجاجية السلمية والعقلانية هي الأقرب لتعاليم ديننا وإلى مكارم الأخلاق المحمدية وبها يمكن أن تكون رسالتنا أقوى وأرقى، الغريب أن تلك الاحتجاجات كادت أن تضع اليمن وشعبه في صورة ضبابية لدى العالم بعد أن عرف هذا الشعب بالحكيم والعقلاني والحريص على قيمه الدينية والسلوكية والحضارية خلال نضاله الثوري ضد أنظمة الفساد والتهميش والإقصاء ، لولا حكمة فخامة الرئيس عبد ربه منصور هادي بتفويته الفرصة على من أراد أن يعكر صفو العلاقة المتميزة لليمن بالعالم وخصوصاً أمريكا وبالذات في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها اليمن فبادر سيادة الرئيس بالاعتذار للرئيس الأمريكي اوباما عن تلك التصرفات وتلك الأحداث والتي قام بها نفر من الغوغائيين، وهذا لم يكن ضعفاً منه أو تبعية لأمريكا، بل كان إدراكاً حقيقياً وواعياً للواقع اليمني الذي لم يزل يحاول الخروج إلى بر الأمان وفي ظل وجود أطراف وقوى تتعمد دوماً إلى عرقلة أي تحرك عقلاني صوب الأمن والاستقرار .. هذا الأمر هو الدافع الرئيس حسب ظني لتقديم الاعتذار وليس كما ذهب البعض من مروجي الفتن ومستغلي الظروف والأحداث ليشعلوا الأرض ناراً والسماء دخاناً والمستقبل ظلاماً، وكل جميل منتظر مستحيلاً !!؟،وهذا الأمر أيضاً الذي دفع بالولايات المتحدة لإرسال فرقة من المارينز لحماية السفارة، وهذا ما لا نرضى به بتاتاً فيجب على هذه القوات الخروج فوراً من اليمن ونحن سوف نحمي البعثات الدبلوماسية والسفارات والقنصليات الأجنبية لأننا قادرون على ذلك بوقوفنا صفاً واحداً مع وحدة قواتنا المسلحة والأمن وإعادة هيكلتها وطنياً وليس أسرياً.
إن محاولة إحراج اليمن وبالذات إحراج فخامة الرئيس عبد ربه منصور هادي في هذا التوقيت استباقا لعقد مؤتمر المانحين في نيويورك وإفشاله، كان مدبراً من قبل قوى سياسية يمنية معروفة لم تعد قادرة على كبح نفسها إزاء ما يتحقق على أرض الواقع من خطوات جادة في تنفيذ المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة، وهي لا شك من أخذت بيد تلك الاحتجاجات التي استهدفت السفارة الأمريكية بصنعاء إلى ما آلت إليه من سفك للدماء وإلحاق الأضرار المادية الكبيرة فيها، وهذه القوى هي نفسها التي تقف وراء محاولة اغتيال وزير الدفاع أثناء خروجه من رئاسة الوزراء وراح ضحية هذا العمل الإجرامي الجبان إثناء عشر شهيداً من أبناء القوات المسلحة المرافقين لوزير الدفاع ومن المواطنين الأبرياء الذين صادف وجودهم في مكان الانفجار، أليس هؤلاء المجرمون هم أنفسهم من يمعن في الإساءة لكل اليمنيين بتلك التصرفات الفوضوية التي باتت روائحها تزكم الأنوف وتبعث على القيء والغثيان!!.
المشكلة أن هؤلاء يدركون بعد، أن تصرفاتهم تلك لم تعد تنطلي على أحد من الناس، فقد صارت أفعالهم واضحة لا لبس فيها، وما عليهم إلاّ أن يدركوا هذه الحقيقة قبل أن يصدأ إدراكهم وتتوه خطواتهم حتى تصل بهم إلى أسوأ ما يريدونه لغيرهم.
وفي الأخير إن الحكمة لابد أن تحضرنا وتتجه بنا إلى السعادة والحصول على رضاء الله وشفاعة رسوله محمد صلى الله علية وسلم الذي يعيش في قلوبنا نوراً يهدينا إلى الخير والطهر.!!