المشكلة الرئيسية، التي خلقت اليأس والإحباط لدى المواطن أن حكومة الوفاق الوطني لم تستطع منذ نشأتها تبرير ما يجري في البلاد من مشاكل، خاصة تلك التي تتعلق بحياة الناس وأهمها مشكلة الكهرباء وما تتعرض له خطوط النقل في مأرب من قبل أشخاص يحسبون على بني البشر، عديمي ضمير ودين وأخلاق ويوصفون بالجدعان، وكأن هذه المحافظة خارج حدود الجمهورية اليمنية وذات سيادة ولا ينطبق عليها دستور اليمن وقوانينها، بل وتعيش بمنطق وقوانين الغاب، وثقافة الكهوف في الحضارات الغابرة المنقرضة.
مشكلة الكهرباء والاعتداءات المتكررة التي تطالها يومياً وما ينتج عنها وبسببها من خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، هذا إلى جانب لصق الإخفاق والضعف على الحكومة، وهذا أمر قد يبدو واقعاً ملموساً إذا ما تفحص المرء حقيقة المشكلة التي حولت اليمن بمدنها وعزلها وقراها إلى ليل مظلم، وحولت حياة المواطن إلى جحيم لا يطاق جراء انطفاء التيار الكهربائي والذي وصلت فترة انقطاعه في الأيام الأخيرة إلى يوم ويومين في بعض المدن الرئيسية والأرياف.. والمأساة الحقيقية في المحافظات شديدة الحرارة التي يعيش سكانها على التيار الكهربائي في مجمل حياتهم، ولا غنى عن الكهرباء في هذه المحافظات، وفي حال استمرار هذا الوضع فقد تحدث كارثة إنسانية لا سمح الله، للمواطنين الذين قد يؤدي ارتفاع الحرارة الكبير في ظل انقطاع التيار الكهربائي إلى تعرضهم للغيبوبة والموت وقد حدثت حالات موت بالفعل في تلك المدن الساحلية ذوات الصيف الحار، التي يستحيل هذه الأيام العيش فيها بوجود الكهرباء فما بالكم بعدم وجودها، كما أن هذه الأعمال غير الإنسانية والانتقامية قد طالت مستقبل أبنائنا الطلاب الذين يؤدون هذه الأيام الامتحانات النهائية، بما سببته من ضغوطات نفسية وتوترات ذهنية وعدم تركيز وخلقت أجواء غير ملائمة بتاتاً للمذاكرة صحياً وذهنياً نتج عنها انهيارات عصبية لدى أجيال المستقبل وانتقاماً منهم لما قاموا به من ثورة على الظلم والظلام.
هذه المأساة طالت وتوسعت وذهبت مجمل الحلول الآنية لها في مهب الريح ولم تجد الحل الشافي والنهائي لها من قبل الدولة التي تقف اليوم في موقف لا تحسد عليه أمام المواطن الذي يرى أنه واقع بين مأساة النظام السابق وفساده وبين سلبية الحاضر الذي راهن أبناء اليمن على قدرته في تجاوز السلبيات ، والسعي بقوة الدولة وقانونها إلى فرض الأمن على كل أجزاء الجمهورية اليمنية ومحاسبة من يحاول تعكير صفو الحياة، وتغييب الخدمات الأساسية الضرورية، ولكن لم يحدث شيء من تلك الآمال ،وظل الوضع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، وإذا ما استمر هذا الحال ولم تستعد حكومة الوفاق قوتها وديناميكيتها لتوفير متطلبات الناس، فإن اليأس قد يتسلل إلى من لم يزل يعيش الأمل ويروح ويغدو عليه منتظراً الأداء الفاعل والقانون الرادع، الذي لا يستثني أحداً مهما كان، خاصة وأن هذه الفترة الانتقالية بمثابة اللبنات الأولى للدولة المدنية الحديثة والقوية ، والتي قامت من أجلها الثورة وذهبت في تحقيقها الدماء الكثيرة.
كثير من المواطنين لم تعد الأعذار وحتى الحقائق التي تفضح الأسباب والأشخاص الذين يرتكبون هذه الحماقات والممارسات ومن يقف وراءهم ويدعمهم، والمستفيدين الحقيقيين من كل هذا، لم تعد تنطلي عليهم، حيث أنهم يتمنون من الحكومة والدولة توضيح ما يجري على الواقع وتقديم أولئك المجرمين إلى المحاكمة أمام الرأي العام، وكشف الأطراف المستفيدة من تلك الأعمال التي تطال منظومة الشبكة الوطنية، وهو الحل الوحيد الذي يمكن أن يقنع الناس ويعيد للحكومة هيبتها التي بدأت تتلاشى يوماً عن يوم، ومع كل عمل تخريبي وما أكثرها في هذه الأيام، حيث أصبح الملام الوحيد أمام الرأي العام هو الحكومة لا غيرها ولا سواها، ولذلك فإن المواطن وهو يعيش مآسي الانقطاع الطويل للكهرباء إلى جانب تدني الخدمات الأخرى مثل انعدام مياه الشرب والارتفاع غير المبرر للأسعار والبطالة والفقر المدقع والفساد المستشري، وتلك الفوضى الأمنية والإدارية، مجمل هذه المشكلات تضع الحكومة أمام مفترق طرق، حكومة بقوة واحد فولت، إما أن تكون أو لا تكون .. وإن اكتفينا بأزمة الكهرباء وحدها لوقفت الحكومة في موقف لا تحسد عليه فكيف إذا أضفنا بقية الأزمات الأخرى. يا حكومة الوفاق الوطني، الوطن يستغيث فهل من مغيث..!!