البكاء أو الصراخ هو تعبير عن الغضب أو الألم عند الأطفال، إلا أن محسن لا يصرخ بالبكاء حتى لو تعرض للضرب، فهو كتوم جدا في مشاعره وإحساسه ومعاناته، لهذا ظلت هند كثيرا تخفي مشاعرها وأحاسيسها تجاه أحمد أمام محسن. هند تدرك تماما أن أي تجاوب أو علاقة مع أحمد قد ينتج عنه أزمة كبيرة مع محسن وربما يمنع أحمد من دخول البيت. هند تحرص دائما في تصرفاتها وحركتها ألا يحس محسن بشيء، فهي تحاول الحفاظ على صورتها أمام أخيها، فلم تكن تنطق اسم أحمد أبدا أمام محسن أو تتحدث عنه في أي موضوع، بينما كان محسن العكس فهو دائما كثير الحديث عن أحمد أمامها هي وأمها وأحيانا أمام والدها السلطان.
محسن يتحدث عن صديقه أحمد ومزاياه وأخلاقه وكتابته الشعر ويباهي أيضا بصداقته مع أحمد، ورغم الحب الذي يبديه محسن نحو أحمد والتفاخر بصداقته أمامها إلا أنه يوجد خيط رفيع بينهما ولا يمكن لأي منهما تجاوزه، وتلك هي مشكلة هند مع أهلها، ورغم الظروف المتغيرة التي أحاطت بها بعد انتقال أسرتها للعيش في عدن إلا أن العادات والتقاليد والأعراف القبلية مازالت موجودة ودائما ما تظهر في بعض المناسبات الخاصة بالأعراف القبلية كالصلح بين أفراد القبيلة، حيث يتولاها أبوها السلطان نفسه، فهو يحكم حسب الأعراف القبلية ويحضر ويشارك في مناسبات الزواج ليس لأجل الوجاهة وتقديم الواجب وإنما من أجل توثيق النسب بالروابط إلى القبيلة والعزوة والمكانة الاجتماعية فيها، هي أشياء تعلمتها هند جيدا وتدرك أن أي علاقة مع أحمد هي علاقة فاشلة وخطرة جدا بالنسبة لها ولأحمد.
هند تركت هذا للزمن فهو الذي يداوي الجراح ويشفي وجع القلب، ويمكن للزمن أيضا أن يغير الحال إلى حال أفضل وهو شيء ليس ببعيد المنال أو صعب، الله قادر على كل شيء وهو بيده تغيير الأشياء. الرجاء والأمل في عطاء الله قد يبعث الأمل في نفس هند ويجعلها تعيش على الأمل، خاصة منذ انتقالهم إلى عدن وجدت في والدها السلطان حبا كبيرا لعدن وإعجابا بالنظام والقوانين التي تسري على الجميع، دون تمييز طبقي بين المواطنين، ولكن لا تعرف إلى أي مدى يستجيب لهذا التطور المدني والمجتمعي الذي نعيشه في عدن، لهذا هند تأمل أن يندمج ابوها السلطان ويستجيب للحياة المدنية ويتغير الحال بعيدا عن القبيلة وقوانينها القديمة والبالية التي لا تتوافق مع الحياة في عدن.
في كل مرة يأتي أحمد إليهم في المنزل تكون هند في سعادة ونشوة، وتظل تنتقل من غرفة إلى أخرى، ومن ثم تستكين في غرفتها وتنتظر لحظة خروجه حتى تطل بوجهها الفاتن وشعرها الأشقر المسدول على كتفيها وعينيها العسليتين، تنظر إليه من نافذة غرفتها دون أن يلحظ أخوها محسن، فتؤكد لنفسها أن أحمد رأى طلتها من النافذة وأن عينيه التقتا بعينيها وسط خوف وحذر من أن يراها أخوها محسن، من بعيد تلمح صفو السماء الزرقاء الصافية وسرباً من الطيور المهاجرة تحلق وكأنها تودع المكان، تبتسم هند حتى تلمع ثناياها، فتدعو الله أن يعينها في أمرها بصوت خافت في نفسها فيه مزيج من الحب والخوف والرجاء الخائب، رسائل صامتة بينها وبين أحمد تحمل في طياتها مغزى الحب والإعجاب والتجاوب معه، فهي تدرك تماما أن أحمد يفهم ويستحب هذا الحب الصامت من خلف الجدران.
