إسرائيل وإيران سباق السيطرة على المنطقة عبر حسابات الطرف المنفرد في القدرة العسكرية

- مراكز الدراسات والبحوث في إسرائيل قدمت تصورات حول الخطر الإيراني على أمنها
- إسرائيل ظلت ترى في الصعود النووي الإيراني تهديداً لوجودها ولا بد من توجيه ضربة عسكرية له
- البرنامج النووي لإيران يعد من ضمن صناعة الهيمنة على مصادر الثروات في الخليج العربي
- الغرب يدرك مقدرة إسرائيل على توجيه المعركة حسب نفوذ السلاح مع الامتداد الجغرافي
- تدمير المنشآت النووية في إيران هي عملية في إطار العقيدة العسكرية لأمن إسرائيل
عدن/14 أكتوبر/خاص:
نجمي عبدالمجيد:
قال ذوالفقار علي بوتو في عام 1979م: (نحن نعرف ان إسرائيل وجنوب أفريقيا لهما قدرة نووية كاملة، ومثل هذه القدرة تتوفر عليها الحضارات المسيحية واليهودية والهندوكية، وكذلك القوى الشيوعية. وحدها الحضارة الإسلامية تفتقر إلى هذه القدرة وهذا يجب ان يتغير).
لم تكن مثل هذه النظرة بعيدة عن الاستراتيجية العسكرية في إسرائيل حيث ظل مثل هذا الخطر من سواكن عقيدتها الأمنية وحفظ الوجود منذ قيامها في 14 مايو 1948م، وهي في عرف الراهن عند الدولة اليهودية سياسية الانفراد بالضربة القاتلة مع العدو.
ان العقيدة الصهيونية في هذا الجانب لن تسمح بتقدم الغرب أو غيرهم في المحيط من الدخول إلى عصر القدرة النووية، هنا يصبح أمن إسرائيل خارج سيطرتها وهذا يعني أنها في طريقها إلى الزوال.
لذلك لم تكن الضربة التي أقدمت عليها اسرائيل نحو ايران منطلقة من قصور في الحسابات العسكرية والسياسية في هذا الجانب.
لقد طرحت عدة دراسات وبحوث من المراكز العلمية في الشرق والغرب منذ عدة عقود تحذر من صعود قوة الردع النووي في ايران، وهي صاحبة مشروع النهوض بقوى النفوذ المذهبي ـ الشيعي ـ الشيعي والاذرع في المنطقة والتي اعلنت في خططها انها لن تكون خارج معادلات الحرب والسلم بل هي قوة فاعلة ولها المقدرة على خوض الحروب ليست عند حدودها بل هي واصلة عبر العقيدة والسلاح إلى ابعد مسافة في الشرق الأوسط، وهي اليوم في قياس آليات المواجهة قوة ليس من السهل اسقاطها.
في هذا الجانب يقول الباحث الأردني والخبير في القضايا الاستراتيجية خالد وليد محمود: (إلا أن التهديد المركزي الماثل في الأفق يتحقق إذا ما امتلكت ايران السلاح النووي. وهو تهديد كان مورد خلاف على مدى سنوات، وفي الثلاث الأخيرة تقلص الخلاف في هذا المجال إذ تكشف الكثير من المعلومات عن البرنامج النووي الايراني منذ عام 2003م وهي لا تترك مجالاً للشك في نيات ايران وسعيها إلى تطوير سلاح نووي.
حدة التهديدات المتبادلة بين ايران واسرائيل حول برنامج ايران النووي القت بظلالها على أهم وثيقة أمنية تصدر في اسرائيل وهي التي صدرت عن مؤتمر هرتسليا لعام 2006م والتي جاء فيها انه على مستوى السياسة الاقليمية يبدو ان اسرائيل لا ترى في أي من جيرانها مخاطر وجودية حقيقية بل العكس فان اسرائيل تقدر انها في أحسن مستويات الأمن الوجودي منذ عام 1948م إلا ان أهم المخاطر التي ستظهر في المرحلة المقبلة هي القوة الذرية العسكرية الايرانية فلم يسبق لاسرائيل ان واجهت تهديد قوة اقليمية تمتلك التكنولوجيا النووية وتدعم منظمات وقوى مقاومة تبعد مسافة صفر عن حدود اسرائيل مثل حماس وحزب الله ما سيشكل مظلة ذرية لهذه القوى وهذا يستدعي من اسرائيل العمل بغطاء دولي للقضاء على القوى المحيطة بها والتي تتشارك بأجندة الممانعة للمشروع الامريكي في المنطقة. كما ان مؤتمر هرتسليا لعام 2007م قد أكد هذه النقطة وهي ان أكبر تهديد يقف الآن امام اسرائيل هو البرنامج النووي الايراني).
هذه القراءات في آليات الصراع بين ايران وإسرائيل لن تتراجع إلا بسقوط أحد المشاريع في المنطقة. أما إسرائيل أو إيران.
وهذا لن يكون إلا عبر ضربة مدمرة وهي ما تعمل عليه إسرائيل في الراهن، هي مخاطر البرنامج النووي الايراني على الدولة العبرية حيث ترى في امتلاك السلاح النووي سوف يكون قوة ضاربة نحو إسرائيل لذلك على إسرائيل حماية المنطقة من هذا الخطر، وهنا تتراجع الحدود الاسرائيلية لتفتح مسائل سيادة دول اخرى تضعها إيران ضمن أهدافها التوسعية عبر هذا السلاح.
علينا الاّ نغفل العامل الديني ـ المذهبي في ايران وهو الدافع المحرك لها. ان الشحن الفكري لن يصل إلى مركزية التسلط إلا عبر قوة الردع النووية، هي من سوف تجعل من ايران المنطق المنفرد في ادارة الأزمات في المنطقة، ولن تكون اسرائيل من يصنع القرار بل هنا قوة نووية هي من تحدد مسارات المصالح، ولا نغفل دول مثل العراق واليمن وسوريا ولبنان تحولت إلى قواعد تدار من قبل ايران، وهذا يزرع الرعب في المنطقة في ان يصل السلاح النووي إلى يد هذه الجماعات المتطرفة ويستخدم في تدمير مصالح اقليمية ودولية كما يجري الآن عبر دفع شحنات من الاسلحة الايرانية لهذه الجماعات في اطار عمليات تجعل من أمن المنطقة موضع رهان في مفاوضات ايران مع الغرب حول برنامجها النووي؛ لان استراتيجية السياسة والسلاح من المحاور التي لعبت عليها ايران واسرائيل في المنطقة، وهنا علينا ان ندرك في حالة وصول ايران إلى صناعة السلاح النووي فإن المنطقة سوف تصبح مهددة في عمق وجودها. هنا يصل المشروع الفارسي ـ الشيعي إلى نقطة اللا عودة.
لقد وضعت خيارات مفتوحة أمام اسرائيل لمواجهة الخطر الايراني ومنها هذه الاطروحات:
1 ـ الضربة العسكرية: في اطار الضربة العسكرية الاسرائيلية للمنشآت والمواقع النووية الايرانية، هناك أصوات متصلة بالقرار الاسرائيلي يصدر عنها ما يفيد حضور الحسم العسكري للتعامل مع البرنامج النووي الايراني، إلا انه يجري ربط هذه الدعوات في سياق وصول الضغط الدولي على ايران إلى نقطة الفشل وفي اطار سيناريو الضربة العسكرية نفسها يمكن ملاحظة أصوات اسرائيلية تنطق بلسان الاسرائيليين بعامة تتمنى بل وترغب بأن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بعملية عسكرية ضد المنشآت النووية الايرانية. وعلى الرغم من عدم وجود مباشرة في الطرح لدى هؤلاء، إلا ان مثل هذه الاشارات تكثر وخصوصاً لدى الحديث عن المصاعب الميدانية التي تعترض اسرائيل في حال وصلت ايران إلى نقطة حاسمة بعد فشل الجهود الدبلوماسية المفعلة في وجهها حالياً، وكعينة على ذلك نورد ما قاله المعلق العسكري للقناة العاشرة في التلفزيون الاسرائيلي الون دافيد: هل تستطيع اسرائيل احباط سعي ايران للحصول على القنبلة النووية؟؟
من غير الواضح اصلاً ما إذا كانت تستطيع، وايضاً من غير الواضح ما إذا كانت تريد.
2 ـ اظهار المشكلة النووية والصاروخية الايرانية كمشكلة لمجموعة واسعة من الدول بهدف اشراك دول عربية وآسيوية وأوروبية ووضعهم في الجهة المقابلة لايران وإلى جانب اسرائيل كمتضررين ومهددين بدءاً من الدول العربية وخصوصاً دول الخليج وانتهاء بدول أوروبية.
3 ـ التركيز على ان نجاح ايران في امتلاك القدرة النووية يعني توجه المنطقة نحو سباق تسلح نووي، ويرشح الاسرائيليون كلاً من تركيا والسعودية ومصر.
4 ـ وصول الصواريخ إلى العمق الاسرائيلي كان ولايزال له تأثير جوهري في التفكير الاستراتيجي إذ استطاعت الصواريخ البالستية فرض معادلات جدية على الصراع الاسرائيلي بحيث لم يعد للعمق الجغرافي دور كبير في حماية أمن إسرائيل.
في هذا الجانب يقول بنيامين نتياهو: (ان التربية السياسية الحقيقية تعترف بحقيقة انه بين الحين والآخر يجب على الشعب ان يمارس ضغوطاً ويعبئ قوة لكي يحقق هدفه، وهذا الاجراء هو جزء طبيعي وحتمي من الصراع المستمر من أجل البقاء.
ان ظهور التعصب الديني بزعامة ايران يعيد إلى الاذهان إلى درجة كبيرة ظهور الشيوعية بزعامة الاتحاد السوفياتي في سنوات العشرينات والثلاثينات من القرن الحالي.
ايديولوجية قتالية تنشرها دولة تستخدم ملايين المؤيدين في دول مختلفة لديهم قناعة بأن هدفهم هو احتلال العالم ولكن هناك فرقاً واحداً اساسياً بين الحركتين:
ففي حين ان الشيوعيين اظهروا اسلوباً واقعياً تجاه امكانيات توسعهم مفضلين التعايش على تحقيق هدفهم الايديولوجي، نجد ان المتعصبين الاسلاميين يلجؤون إلى الأسلوب المعاكس بحيث ينمون لدى مؤيديهم الاستعداد للموت في سبيل تحقيق حلمهم الديني، وهكذا شهدنا ارهابيين انتحاريين وشباباً ارسلتهم امهاتهم للموت في سبيل الاسلام).
لم يغفل جهاز الموساد الإسرائيلي التحركات الإيرانية نحو آسيا الوسطى والقوقاز. وهي كانت في الماضي تدخل في حكم الملك الفارسي، وهو ما تسعى إيران في الحاضر للعودة إلى هذه المواقع التي لن تخرج عن توسع النفوذ الإسرائيلي.
وقد حددت الخريطة الجيوسياسية لآسيا الوسطى بما يلي:
1ـ بروز مجموعة مكونة من 7 دول مستقلة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، على الساحة الدولية، هي أذربيجان وأرمينيا وجورجيا وتركمانستان وأوزبكستان وكازاخستان وطاجيكستان دفعة واحدة وفي مجال جغرافي موحد، مما يعتبر حدثاً بارزاً في تاريخ العلاقات الدولية، إن لم يكن حدثاً فريداً يتجاوز في ابعاده المختلفة إطار المجال الإقليمي.
2ـ تقع هذه البلدان من الناحية الجغرافية في نقطة التقاء حضارات عريقة عدة، إذ تتوسط ما بين الشرق والغرب إحدى طرق التبادل التجاري التاريخية بين آسيا وأوروبا، وبالتالي تقع في قلب المجال الجغرافي الواسع المصطلح على تسميته أوراسيا، كما أنها تفصل بين روسيا شمالاً ومجال الشرق الأوسط وشبه القارة الهندية جنوباً. وهي بذلك تعتبر المنطقة الوسطية للأمبراطوريات والمتحكمة بقلب العالم.
3ـ عرقيا، تضم منطقة آسيا الوسطى والقوقاز قوميات عدة سواء على مستوى المنطقة ككل أو حتى على مستوى بعض الجمهوريات المكونة لهذا المجال الجغرافي، إلا أنها تتميز بتفوق العنصرين التركي والإيراني، وهذا سوف يصبح من اسباب تصاعد الصراع بين المذهب الشيعي والمذهب السني، لأن العقيدة هنا هي القوة الروحية المحركة للمشروع السياسي عند كل طرف. ويبرز ذلك في كل اللغات المتداولة في الغالب هي لغات تركية أو فارسية.
4ـ على المستوى الإيديولوجي تعرف المنطقة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي تجاذباً قوياً بين تيارين رئيسيين: التيار العلماني والتيار الاصولي الإسلامي، وفي هذا الإطار ورغم الغليان القومي والإيديولوجي في المنطقة بحثاً عن الهوية الوطنية والنموذج السياسي الأفضل تتركز أنظار مختلف الفاعليات السياسية على قطبين إقليميين، هما تركيا كنموذج علماني وإيران كنموذج إسلامي، وهي تشكل في الوقت نفسه ميداناً لتنافس حاد بين تركيا وإيران في إطار طموحات البلدين في البروز كقوى إقليمية مؤثرة.
من خلال هذه المحاور التي يقدمها لنا الباحث جفال عمار الأستاذ في جامعة الجزائر، ترتسم أمامنا جغرافية المشروع الإيراني، وفي هذا لن يكون السلاح النووي بعيداً عن توسع الخرائط الإيرانية، وإسرائيل لن تترك لها المجال الذي يعد في إطار مشروعها هي الأخرى.
لذلك لا تنظر إسرائيل إلى بناء الترسانة النووية الإيرانية مجرد تصنيع عسكري يصل إلى درجة المواجهة مع القوى الدولية. بل هو قوة تحرك سياسية ـ مذهبية، ترسخ في كل اتجاه، وهذا يعني سحب النفوذ الإقليمي من يد إسرائيل، وصعود قوة نفوذ منافسة، سوف تعمل على تحجيم منزلة الدولة الصهيوينة، وهو ما فيه كسر لهيبة الغرب في الشرق الأوسط.
ومن هذه القراءات والأطروحات ندرك أهمية قوة الردع للسلاح النووي عند إيران وإسرائيل هي حرب وجود وبقاء ولابد من انتصار قوة واحدة في هذه الساحة، حتى لو يكون الثمن تدمير دول وسحق شعوب.
كذلك تنظر إسرائيل لإيران في نطاق الأصولية الإسلامية التي تكونت منها إيران قواعد قتالية في المنطقة وخارجها، وفي الجانب الذي يعد الإستراتيجية المقلقة لإسرائيل، يقول الباحث خالد وليد محمود: (لاشك في ان الأصولية الإسلامية كظاهرة تشكل تهديداً لأمن إسرائيل، عملت الأخيرة على توظيفها لجني مكاسب سياسية وأخرى أمنية، حيث قامت إسرائيل بربط الفصائل الفلسطينية ذات التوجهات الإسلامية مثل حركة حماس والجهاد الإسلامي، بالإرهاب العالمي وخاصة ربطها بتنظيم القاعدة، فهذا الأخير أطلق تهديداته لإسرائيل عبر الأشرطة المصورة ومواقع الإنترنت الأمر الذي أثار هواجس الإسرائيليين باعتبار ان وجود القاعدة في الجوار وسهولة تسللها إلى الحدود الشرقية والشمالية لإسرائيل أمر في غاية الخطورة حيث لا تملك إسرائيل العمق الجغرافي الكافي لحماية مواطنيها من هجمات محتملة عبر الحدود، إلا أنه ليس الهاجس الأبرز لدى إسرائيل حيث يبدو الرعب الأكبر متمثلاً في إنشاء فرع لتنظيم القاعدة داخل الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة).
لن تقف هذه الأزمة عند مستوى تدمير سلاح إيران النووي لأن الحرب قادمة دون شك.
ولكن في إعادة هيكلة خارطة الشرق الأوسط، حيث تغيب دول عن الوجود، وتظهر كيانات حسب حدود الانقسامات الذاتية.
وعملية ضرب إيران، لن تجعل منطقة الخليج العربي بعيدة عن توجيه سلاحها نحو المصالح الغربية، وكذلك خليج عدن ومضيق باب المندب وجزيرة ميون والبحر الأحمر، كلها في هذا الإطار وحقول النفط والغاز لها من حسابات الصراع ما يرفع قوة التحدي إلى أعلى درجات المواجهة.
المراجع:
1ـ مذكرات بنيامين نتنياهو
مكان بين الأمم ـ اسرائيل والعالم
الناشر: دار الجليل في الأردن عام 1995م.
2ـ مجلة شؤون الأوسط ـ العدد 74 ـ 1998م
مركز الدراسات الإستراتيجية والبحوث، بيروت.
3ـ مجلة شؤون الأوسط ـ العدد 134 ـ 2010م
مركز الدراسات الإستراتيجية ـ بيروت