هناك بعض من المثقفين الذين لا يشتكون ولا يعبرون عن أنفسهم أمام المسؤولين في الدولة ، ولا يكشفون عن اوجاعهم ويتسترون على مرضهم ومعاناتهم، وهؤلاء هم المهملون من السلطة والنظام ، هم الذين لا يجيدون فن التطبيل ولم يكونوا يوما من أبواق السلطة والنظام ، في بلد تثير الشفقة وما وصل اليه المواطن من حالة البؤس والمعاناة وإلاهمال في شتى مجالات الحياة وخاصة هؤلاء القلة من المثقفين المسحوقين أصحاب الاقلام الشريفة ، وهم من اكثر فئات المجتمع إهمالا من الدولة والنظام .
ولا عجب أن فوجئنا قبل أيام قليلة مضت ، بمرض الاستاذ الاعلامي المثقف الأديب الكاتب في صحيفة ١٤ أكتوبر اليومية العزيز سالم الفراص وهو يسافر الى الهند بصمت قاهر بمعية ابنه للعلاج ، وهو يحمل في جنبات صدره المرارة و الخيبة وفقدان الامل ، من أصحاب المعالي والنفوذ في السلطة ، دون ان يعلم أحد عنه؟ ولم يسأل أحد عنه أين هو ؟ ولا عن احتجاب عموده اليومي من الصحيفة ؟ بعد سنوات طويلة من العمل مع صاحبة الجلالة والمقام العالي.. صحفي متمرس يحلل وينقد كل ما يعيب ويحلل الظواهر وكل ما يطرأ في المجتمع، واديب متمكن يكتب القصص ، الا انه لم يجد من يقف الى جانبه في محنته ومرضه أو من يسأل عنه او يقول له اذهب ونحن معك لتعود لنا بسلام وعافية .
ولكن الايام تمضي سراعا، ولم يتبق من الذكريات الكثير، وما بقي منها الا قليل من رماد تذرفه الرياح كل حين ، هي المرة الاولى والوحيدة التي التقي بها سالم الفراص ، كان في منتدى حسين سالم باصديق في الثمانينيات من القرن الفائت كان جالسا في صدر المجلس يتلو قصة قصيرة كتبها في الصحيفة الوحيدة في عدن ذلك الوقت ، كانت قصة مليئة بالخيالات والصور التى تسرق الاذهان في وصف طبيعة الانسان اليمني القادم من الريف الى عدن ، كان لديه أسلوب مميز لم آلفه من قبل في فن السرد وخيال خصب ، كان يبهرنا ويخطف اذهاننا ونحن نستمع اليه ، والشيء الذي لا شك فيه انه كان مميزا حتى في مقالاته في الصحيفة ، ومهما قلت عنه فلن أستطيع أن أتناول كل ما أشعر به ، كان هذا هو لقائي الوحيد به ، بعدها لم أره ابدا الا من خلال بعض كتاباته في هذه الصحيفة ، التي شغفني بها وقلمه الذي جعلني كلما رأيت الصحيفة أبحث عن عموده أو قصة قصيرة كتبها، كان متميزا عن غيره له أسلوب خاص به ، أسلوب يجعلك تتابعه على الدوام ، كان يعرف كيف يؤثر فيك ويجعلك تصغي اليه ويحدثك وكأنه يهمس الى نفسك فيما كتب ، قلم لم أعهد مثله من قبل فيه من الجرأة على النقد بأدب الكتابة وأسلوب البيان واللغة .
ودارت الايام وعدنا من حيث كنا ، تواصلت معه عبر الواتس في عام ٢٠٢٢ بعد ثلاثين عاما مضت ويمكن أكثر من ذلك ، سألته وقلت له لا زلت أذكر لك ذلك اليوم في منتدى الاديب الكبير حسين سالم باصديق، لم يقل شيئا ربما لم يتذكرني ولم يعرف وجهي الصغير ابن العشرين عاما ، الذي بدأ يحبو في رحاب الكتابة والادب، ذلك هو الكاتب سالم الفراص الذي فتح لي باب الكتابة في صفحته، مرت سنتان منذ عودة الصحيفة الى الاصدار وعودتي الى عدن.. الف سلامة لك والعودة بالصحة والعافية اخي العزيز الكاتب سالم الفراص.