عندما تقرأ أي قرار رئاسي أو برلماني أو حكومي يمني ستجد أنه قد صيغ صياغة عالية السبك والحبك والرصانة والبلاغة بحيث أنك لو قارنته مع قرار آخر لكان أفضل منه في الصياغة والروعة .
الكلام هذا ينطبق على القرار الذي أصدره رئيس مجلس الوزراء مؤخراً برقم (304) لسنة 2012م والمتعلق بإصدار المدونة الخاصة بإعمال مبادئ الحكم الرشيد في الخدمة العامة (الإصدار الأول) وتهدف تلك المدونة إلى إعلاء وتجسيد قيم ومعايير الحكم الرشيد في إطار نهج متكامل من المبادئ والإجراءات والممارسات لهذه القيم والمعايير على مستوى قيادة وإدارة مؤسسات الدولة وجهازها الإداري والتنفيذي وعلى مستوى علاقة الدولة بمؤسسات المجتمع وبالمؤسسات الإقليمية والدولية ، وتحسين البناء المؤسسي والتشريعي لبناء منظومة مكافحة الفساد وتجسيد مبادئ الشفافية والمساءلة وتكافؤ الفرص والأخذ بمعايير الكفاءة وإعمال الدور الرقابي والعمل مع المجتمع الدولي على مكافحة الإرهاب ومكافحة الجريمة المنظمة بجميع صورها وأشكالها..
فالذي يقرأ نص هذا القرار الحكومي سيقول لنفسه في تمن لو أن هذا القرار سيأخذ طريقه إلى التطبيق والتنفيذ الفعلي ويلمس الناس نتائجه في حياتهم ويلتزم به المعنيون لصار كل يوم في حياتنا عيداً سعيدا ولعم الخير كل شبر من بلادنا ولسادت العدالة الاجتماعية والمساواة ونعم الناس بالأمان والأمن الاقتصادي و المعيشي و السياسي والنفسي والاجتماعي وشعر الجميع بالاستقرار والعيش الرغيد إنك حين تقرأ فقرات وبنود هذا القرار المثالي والبليغ تشعر وكأنه قد اقتطف من دستور مدينة فاضلة أو من عالم مثالي آخر غير واقع الناس أو كأنه من عالم الأحلام والدليل أن واضع صياغة هذا القرار قد دعا في فقراته وبنوده إلى إدخال مادة الأخلاق ضمن المقررات التربوية والدراسية من أصغر معهد إلى أكبر كلية جامعية لشعور المشرع لهذا القرار بالفجوة الواسعة بين الأماني والتطلعات والأحلام وبين الواقع المؤلم وقيمة السلبية والتي من أبرزها الفساد والغش والخداع والمكر وعدم الشفافية وانعدام الوازع الديني والأخلاقي وشعور واضع هذا القرار بأننا نفتقد لمثل هذه الأخلاق الفاضلة التي جاءت أو وردت في القرار لكي تعالج ما وصلت إليه الأوضاع المتردية خاصة نظام الإدارة والوظيفة والخدمة المدنية من المحسوبية والمجاملات وإهدار المال العام واستغلال الوظيفة العامة لمصالح ضيقة وشخصية وللنفوذ والسيطرة ونهب الأموال والاستحواذ، وهدف القرار العودة بالمعنيين به إلى الأخذ بالقيم والمعايير الوظيفية والمبادئ والآداب المهنية وتعزيز الثقة بعدالة الإدارة في أوساط العاملين بوحدات الخدمة العامة (مركزياً - ومحلياً) ودفعهم إلى المزيد من الانضباط والالتزام بالقانون والتحلي بأعلى درجات الاستقامة والنزاهة.
إن هذا القرار يأتي من أجل التصدي للممارسات غير المشروعة وتصحيح المفاهيم والقناعات الخاطئة التي ترسخت لدى البعض نتيجة غياب القدوة والافتقار للشفافية وانعدام المساءلة وبفعل تمادي آخرين في خرق الدستور والقانون وفي إطار برنامج الحكومة الذي نالت بموجبه الثقة من مجلس النواب ووفاء منها بما تضمنته المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية وبهدف إرساء أسس ومداميك الدولة المدنية الحديثة دولة المؤسسات دولة الحق والقانون والمواطنة المتساوية وتصويب السلوكيات غير السوية وحماية الحقوق والممتلكات العامة والخاصة وصون حقوق وحريات المواطنين وكرامتهم الإنسانية والحفاظ على أمن الوطن واستقراره ووحدته، وهذه كلها تحديات صعبة أمام أي حكومة لأن تركة الماضي ثقيلة وجذور التخلف والمصالح والأهواء الفردية ضاربة في الأعماق، فما أسهل وأيسر التنظير وأصعب التنفيذ والتطبيق.
مبادئ الحكم الرشيد بين سهولة التنظير وتحديات التطبيق
أخبار متعلقة