لم يعد أمامنا من شيء نسمعه عن وزراء حكومة الوفاق الوطني في وسائل الإعلام خاصة الاليكترونية منها، سوى ما يتعلق باستقالاتهم، فمن يوم لآخر نقرأ عن استقالة الوزير الفلاني، ونية الوزير العلاني مغادرة مقعده المريح في وزارته المحترمة.. وسرعان ما ينتشر الخبر انتشار النار في الهشيم، ومع انتشاره تتألف إلى جواره مجموعة كبيرة من الشائعات عن الاستقالة المزعومة، فبعضها يربطها بفساده، والبعض الآخر بضعفه، وأخرى بقلة حيلته وهوانه على من كانوا سنداً في ترشيحه للوزارة.
وبالسرعة ذاتها تهب الأجهزة في الوزارات المعنية إلى الدفاع عن وزيرها نافية - جملة وتفصيلاً- أن يكون الوزير المبجل قد فكر أو يفكر أو حتى لديه نية التفكير، بمغادرة كرسيه المريح، وتربط الأخبار المتداولة بأنها حاسدة وحاقدة، وتريد تشويه السمعة الطيبة التي اكتسبها الوزير نظراً لانجازاته الباهرة في هذا الظرف العصيب.
ونحن المتابعين لا نملك بين بث الخبر من قبل وسائل الإعلام، وبين تكذيبه من قبل الجهات المعنية بالوزارات ، سوى القول: صدق نصف ما ترى ولا تصدق كل ما تقرأ.. البسطاء من الناس لا يهمهم استقال الوزير أم أُقيل، سافر أم رجع، استقل سيارة فخمة، أم ركب (دباب)... ما يهمهم كيف يسير هذا الوزير وزارته؟، وكيف تقضي وزارته مصالح الناس؟، وهل يجد الموطنون ضالتهم عندما يتوجهون لقضاء شؤونهم في الوزارات؟.
بلا ريب ذلك ما يهم العامة، أما غيره ففي ماذا سيفيدهم.. وعليه فإن الشائعات لا تخدم أحدا خلال هذه الفترة الحرجة، وان كان يراد منها زعزعة الوزير أو ابتزازه، فهذا يظل شأناً خاصاً بين المروِج والمروجِ عنه، لا قيمة له في الحياة العامة، ولكي تستطيع الوسائل الإعلامية التأثير على ايجابية القرار المتخذ من قبل أي وزير، فما عليها إلا الالتقاء بالمواطنين وتلمس همومهم ومصالحهم التي تتأثر من خلال تعامل الوزراء أو أي موظف في الوزارات معهم.
بالتأكيد أن الشائعة منبعها حزبي بامتياز، فكل حزب يريد أن يصور وزراء الطرف الآخر وكأنهم عاجزون، مما يجعلهم يقدمون استقالاتهم.. وهنا فقط تظهر مصداقية الحزب أو الطرف الإعلامي المساند له، فالحقيقة سرعان ما تنكشف، وعندها يعرف القارئ ما يدور حوله، ويبدأ بالتقييم السلبي، للجهات التي تتعمد استغفاله، والزج به في أتون مهاترات لا دخل له بها.
لكن ما يفضي إلى التفكير الجدي باستقالة الوزير هو إحساسه - إن كان مازال يملك الإحساس- بعدم قدرته على تنفيذ برنامجه، فالآن لنا ما يزيد على نصف العام، وهي فترة زمنية معتبرة - خاصة لوزراء الوفاق الوطني- كونها تمثل ربع مدة عملهم بحكم الفترة الانتقالية التي يشغلونها.. ولهذا فعلى الوزير الذي يشعر بأنه لن يستطيع أن يقدم خلال الفترة القادمة أكثر مما قدمه سابقاً، أن يتحلى بالشجاعة ويقدم استقالته، لأنه بذلك سيوفر الجهد وسيعطي الفرصة لغيره، وأكثر من هذا سيكسب رضا الناس، رغم أن رضاهم غاية لا تدرك.
على كل وزير أن يعي أن بقاءه ليس مرهوناً بالفترة الانتقالية - العامين- بل مرهون بحجم العمل المنجز في وزارته، فكل الوزارات جاءت في أعقاب فترة استثنائية تخرب فيها الشيء الكثير، خاصة تلك المرتبطة بالخدمات الأساسية، وبالتالي فإن حجم التقدم المنجز خلال الفترة الماضية مع مقارنتها بالعوائق هي فقط المحك الذي ينبغي أن يقيم الرئيس عبد ربه منصور هادي به وزراء دولة الأستاذ محمد سالم باسندوة.. والنتيجة الحتمية هي استبدال الوزير أو الوزراء المقصرين من المؤتمر وحلفائه أو المشترك وشركائه.
انتقاد حكومة الوفاق الوطني، ينبغي إلا يرتكز على أساس العرق أو اللون أو المنطقة أو الحزب، بل على أساس ما قدمه، بناء على ما يجب أن يقدمه، مع الأخذ بالاعتبار حجم العوائق والعراقيل الفعلية التي منعته من أداء مهامه.
دعونا ننطلق من حقيقة الوفاق الذي ينبغي أن نسير فيه، وان نشمر سواعدنا للعمل الجاد، وتحفيز كل فئات المجتمع على الانخراط في مؤتمر الحوار الوطني، لأنه السبيل الوحيد للخروج باليمن من الأزمة الخانقة التي عصفت به على مدى أكثر من عام، أما إذا ظللنا نتصيد الزلاّت فلن نتقدم.. ومن كان منا بلا خطيئة فليرمها بحجر.
لننطلق من حقيقة الوفاق
أخبار متعلقة