تشكل العلاقة بين الدين والسياسة قيمة مهمة في الفلسفة السياسية، على الرغم من اتفاق الآراء (بين المنظرين السياسيين والسياقات السياسية العملية، مثل منظمة الأمم المتحدة)،على حق حرية الرأي وعلى الحاجة إلى نوع من الفصل بين الدولة والمؤسسة الدينية، ومنع هيمنة احداهما على الأخرى. وتعد محاكمة سقراط من أشهر المحاكمات على مدى التاريخ، وقد سجل وقائعها تلميذا سقراط: أفلاطون وزينوفون. في عام 399 قبل الميلاد، اشتركت المؤسستان السياسية والدينية بإعدام أبرز فلاسفة أثينا، بعد أن وجهت السلطة السياسية الحاكمة تهمتين «دينيتين» هما (1) إفساد الشباب والمعصية. (2) احتقار آلهة أثينا وإدخال آلهة جديدة. ولإضفاء الشرعية على قرارات المحكمة، جمعت السلطة 500 من مواطني أثينا لينطقوا بالحكم، فامتثل هؤلاء لأوامر السلطة وحكموا على سقراط بتجرع كأس السم.والعلاقة بين المسجد أو الكنيسة والدولة ، أو الدين والسياسة، أو بين رجل الدين والدولة المدنية، تعكس التفاعل بين المؤسسات الدينية والحكومية في المجتمع، وتكون هذه العلاقة في التقاليد اليهودية المسيحية بين المسؤولين الدينيين والسلطات الحكومية، أما في الإسلام فتكون بين الإمام أو الخليفة وبين السلطان أو الحاكم. في الغرب، وضعت عدة صياغات لاهوتية وفلسفية لتحديد السلطة النسبية بين الكنيسة والدولة. وتأرجحت العلاقة بينهما بمرور الزمن، فتارة كانت الدولة تابعة للكنيسة، وتارة كانت الكنيسة تابعة للدولة وسلطتها روحية بحتة، وتوصلت المؤسستان في الكثير من الدول إلى تسوية تحصر مهمة الكنيسة بتقديم المشورة في القوانين المتعلقة بالأخلاق.والعلاقة بين الدين والدولة تمحورت في ثلاثة اتجاهات على مر العصور وهي:- الاتجاه الأول (علاقة خلط) (الثيوقراطية): ويقوم على الخلط بين الدين والدولة، ومن ممثليه الثيوقراطية والتي تعنى لغويا الحكم الالهي، ومن المذاهب الثيوقراطية نظريتا الحكم بالحق الالهي والعناية الالهية. وفي الفكر الإسلامي تقارب الثيوقراطية مذهب الاستخلاف الخاص اي القول بأن الحاكم ينفرد دون الجماعة. بالاستخلاف عن الله في الأرض، وهو مذهب قال به بعض الخلفاء الأمويين والعباسيين، وقال به الشيعة في حق الائمة من أحفاد علي (رضي الله عنه). غير أن هذا المذهب يخلط بين الاستخلاف الخاص المقصور على الأنبياء، والذي انتهى بختم النبوة ووفاة الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) ، والاستخلاف العام للبشر، كما انه يساوي بين الانبياء والحكام أو الائمة في الدرجة.- الاتجاه الثاني (علاقة فصل) (العلمانية): ويقوم على فصل الدين عن الدولة، واهم ممثل له «العلمانية» التي كانت في الأصل جزءاً من الديانة المسيحية، ثم تحول إلى تيار فكري معين ظهر في مرحلة معينة من مراحل التاريخ الاوروبي، ثم تحول إلى ثورة ضد تدخل الكنيسة في الحكم، وانتهى إلى إقامة نظام علماني في موقفه من الدين.- الاتجاه الثالث (علاقة وحدة وتمييز) (الحل الإسلامي): ويقوم على أن علاقة الدين بالدولة علاقة وحدة (لا خلط) وتمييز (لا فصل). فهي علاقة وحدة (لا خلط) لان السلطة في الإسلام مقيدة بالقواعد القانونية التي لا تخضع للتغير والتطور مكانا وزمانا وبالتالي لا يباح تجاوزها، والتي تسمى في علم القانون بـ «قواعد النظام العام» في حين تسمى باصطلاح القرآن «الحدود»، « تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ » (البقرة: 229) : « تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا » . (البقرة 187).وهنا استذكر الايجاز عند العالم الكبير البرت اينشتاين ووجهة نظره في الدين، وهو صاحب الرأي الشهير «العلم بلا دين أعرج، والدين بلا علم أعمى». فلسطين كانت ولا زالت تشارك الأطراف الأخرى في حركات التحرر العالمية بشأن المسائل الأخرى مثل اعتبار المسألة الفلسطينية قضية شعب يرنو الى نيل الحرية ويقرر مصيره السياسي في مواجهة العنصرية العدوانية الاسرائيلية وحلفائها من قوى الغرب الامبريالي - فهي قضية عادلة ومشروعة في عداد قضايا التحرر الوطني والتقدم الاجتماعي، ولكن بعد نمو وظهور جماعات الاسلام السياسي في الساحة الفلسطينية وسيطرة وتسلط حركة الاخوان المسلمين - حماس - على قطاع غزة بدعم ايراني وأوساط اخوانية. وإن جماعات الاسلام السياسي (السنية منها أو الشيعية لا فرق) جماعات تهدف الى أسلمة السياسة وأخونة وتشييع الدولة والمجتمع وبث الفرقة والانقسام بل الاحتراب بين صفوف الشعب الواحد لأسباب طائفية بغيضة.لذلك تعيش منطقتنا العربية والإسلامية حالات لم نكن نتوقع حدوثها، ونتيجة لهذه الظروف تمر قضية فلسطين التي تشكل جوهر الصراع في منطقتنا بأخطار على كافة الأصعدة:فعلى الصعيد العربي: نجد أن الوضع الراهن مفكك وغارق حتى أذنيه في همومه الداخلية، وفي السعي المرعوب للاحتماء من مخاطر عاصفة إعادة التشكيل المحتملة لجغرافية المنطقة ونظمها السياسية. وحالة القلق والإرتباك واللامبالاة قد بدلت سلوك البعض نحو قضية فلسطين، بحيث أصبحت الاتفاقات الفلسطينية - الإسرائيلية ذريعة للبعض من أجل التطبيع مع إسرائيل والتنصل من أية التزامات، بينما يقف آخرون موقف الحيرة والارتباك، وهناك من اتخذ موقف النقد والغضب، وحصيلة كل هذا أننا خسرنا وحدة الموقف العربي المؤيد لقضية فلسطين كقضية مركزية للأمة العربية.وعلى الصعيد الأوروبي: لم تقم أوروبا بممارسة أي ضغوط سياسية كانت أم اقتصادية على إسرائيل بالرغم من البيانات والتصريحات التي صدرت عن الاتحاد الأوروبي في حينه، بل اقتصر دورها على تقديم الدعم المالي المحدود للسلطة الفلسطينية.على الصعيد الأمريكي: فإن الانفتاح الذي أبدته الولايات المتحدة تجاه السلطة الفلسطينية لا زال محكوماً بمدى رضا اللوبي اليهودي الأمريكي وحكومة إسرائيل، ولا زالت منظمة التحرير الفلسطينية تخضع كل 6 أشهر للمحاسبة على سلوكها من قبل الكونغرس من خلال شهادة حسن سلوك يقدمها الرئيس الأمريكي للكونغرس - مما يبرهن على ان الولايات المتحدة لا تلعب دور الراعي النزيه والمحايد بل المنحاز بالمطلق للجانب الإسرائيلي.
|
مقالات
القضية الفلسطينية..والدور العربي الضعيف
أخبار متعلقة