تعمل الصحف المحلية غير الرسمية في بلادنا - وما أكثرها عدداً- ـباتجاه غريب ومتعرج ظناً منها أنها تقوم بواجبها الصحفي والإعلامي ذات التوجه الجهوي نحو الشعب المغلوب على أمره والذي وصلت نسبة الأمية فيه إلى 65 % للرجال و90 % للنساء والبقية لا يعولون على القراءة إلا في حدود ضيقة جداً بمعنى أن مسألة حب الاطلاع على الصحف نسبية لأنها ترتبط بالمستوى التعليمي والثقافي في المجتمع أما زيادة مساحة الإصدارات فلا تعني بالضرورة ان هناك قراء، بل على العكس ربما يكون لجانب استثماري بحت نشر مثل هذه النوعية من الصحف التي يمكن تسميتها بأقل من الصفراء أن جاز لنا التعبير كل همها هو نقل الأحداث بتصرف وعناية وحسب الرغبات النفسية اليمنية اشبه ما يكون بإعداد منشورات خاصة بالكفاح المسلح ابان فترة الاحتلال البريطاني لعدن.وبالمقارنة مع الصحف العربية تؤكد لنا الحقائق بجلاء إن هناك بوناً شاسعاً في أسلوب الصياغة الخبرية وتناولها بالتحليل السياسي لها بصورة عامة وتشعر إنك لا تحصل على مبتغاك أو ما يفيدك من متابعات بشغف ولهف عند القراءة وتعمل بالطريقة العشوائية كمن يحرث في البحر لانهم ببساطة يفتقرون إلى الممارسة السليمة لمهنة الصحافة الحرة، وعند إقدام القارئ الحصيف الذي يبحث دوماً عن ضالته بأمل وتفاؤل، يتضح انها تحتوي على مواضيع ركيكة المحتوى ليس إلا، وكلما حاولنا المطالعة على قدر الأمل سنجد أن كل واحدة تشبه الأخرى في إخراج المعلومات عبر أجهزة ومواقع الكترونية اخبارية وغيرها من المسميات المتعددة التي اخترعها الإنسان ولم يستفد منها أو يجد الأفضل من المواضيع الصادقة في التعبير أو الكتابات القيمة إلى جانب ممارسة النقد الموضوعي والهادف الذي يتناول القضايا ومناقشتها شعبياً أو الاشارة إلى ظواهر الفساد الموروث الذي أهلك الزرع والضرع، وكل ما تقوم به عن جدارة وهمة هو النقد الهدام والاستهداف المقصود على الدولة الوليدة وتشويه الحقائق أمام الشعب واستغلال النواقص اينما وجدت بهدف زعزعة النظام من اساسه خدمة لاسيادهم من مراكز النفوذ المشبوهة التي تتسم بالعمالة.وعلى هذا المنوال تصدح كل الصحف الفاقدة للطموحات بكل ما لديها من مضامين فارغة المحتوى ورخيصة الهوى بإصرار عجيب وعناد جاهل على قراءة ما هو موجود دون ان يحصل على ما يشبع رغباته في القراءة سوى توفير صحف عليلة الجسد وعديمة الجدوى تعمل على طريقة خذ ما يعجبك واترك الباقي لغيرك.إن وضع الصحف المحلية اليوم أشبه بشكل الدكاكين ولا تبشر بالتقدم والأمل وان كانت متوفرة بكل يسر وفي متناول الناس حيث نجدها عصية الاطلاع لاسباب عديدة ابرزها: إن بعض القائمين عليها لم يستوعبوا بعد طبيعة المرحلة التي تمر بها البلاد والجهود المبذولة في العمل الصحفي الذي يستمر حتى مطلع الفجر من اجل توفير صحيفة ذات قيمة يطلع عليها المواطن كل صباح في المكتبة ويجدها بعناوين مفبركة واخبار مشوشة غير دقيقة تصدم القارئ من أول وهلة عندما يرى بأم عينيه ما وصلت إليه الصحافة في بلادنا من انحطاط مهني واخلاقي فيتركها وهو كظيم النفس يملأ قلبه الغضب والحسرة، والنوع الآخر لا يمت إلى العمل الصحفي بصلة باي حال واتخذ من عملية الاصدار تجارة حرة رابحة وسهلة خاصة وان مسألة توفير مطابع حديثة وعمال بالأجر المغري وصحفيين مأجورين وما أكثرهم هذه الأيام من أبسط المسائل عند اصحاب المشاريع المشبوهة والطرق الملتوية وغير المسبوقة في النصب والاحتيال وحسب ما يكسب من المال بدون تعب أو عرق.حقيقة لا أدري إلى متى سيظل هذا الوضع المزري والمخيف في آن الذي يصر اصحابه على إجبار الاخرين على قراءة صحف مواضيعها هشة لا معنى لها سوى الاستثمار السريع بأبشع صوره مثل أي بضاعة باهرة ولا أحد أحسن من أحد دون استخدام العقل الرشيد وتقديم الأحسن وكل صحيفة تمثل اتجاهاً معيناً وتدعم بالمال دون محاولة الاقتراب من الوسطية، والحيادية تكون مفقودة ايضاَ لاعداد صحيفة واظهارها إلى حيز الوجود على أساس الولاء المطلق ولا غيره، والمهم انها تمثل وترعى مصالح حزبية ضيقة المعنى والهدف وأخرى تمارس العنصرية من أوسع أبوابها وتعبر عنها بكل الوسائل بما فيها الكفاية ثم تبدأ الصراعات السرية والعلنية بعضها ضد بعض من اجل البحث عن هويتها الضائعة في نشر الأكاذيب المضللة أو الحصول عليها بالطريقة المعهودة لها والمملة دائماً والتي تعجبها، ولديهم الاستعداد لإخراج أكثر من صحيفة في وقت واحد وإغراق البلاد بما تيسر من صفحات فاقعة الألوان وفاقدة التنوع خارجة عن الذوق العام والتي لا تغني ولا تسمن من جوع ولا تلبي في الوقت نفسه احتياجات السواد الأعظم من الشعب بما يعد لهم المختصون بتقديمه ولا تزال مواضيعها اقل من المستوى المطلوب ولا تنتج سوى خيبة الأمل حيث تبرز الخلافات بضراوة ولا تنتهي وهي السائدة على السطح دون منافس وتظل الرغبة الجامحة عند تناول الصحف تصاحب المواطن على الرغم من الشعور بالأمل لعل وعسى أن يحصل على الجديد اليوم أو غداً لكنه يفاجأ بالأسوأ ولا غير وكأن القائمين عليها قد جاؤوا على وجه الخصوص من اجل متاعب غيرهم مع سبق الاصرار والترصد ولم ينفع معهم المناخ الصحي في ممارسة الديمقراطية في نشر المواضيع التي تهم البلاد والعباد خاصة في الواقع الجديد بعد ثورة2011م، حيث يفترض أن يقدموا أفضل ما لديهم وممارسة النقد الموضوعي، وما أحوجنا إليه أكثر من أي وقت مضى لتصحيح الاعوجاج الحاصل في مسار المجتمع من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية واصبحنا ومعنا جيل الشباب حائرين بين فترتين زمنيتين الأولى في أواخر القرن العشرين سنوات الخمسينات التي تميزت بمناخ متفرد وعالي الجودة في العمل الصحفي المميز والذي افتقدناه بالفعل والثانية بعد الالفية الاولى من القرن (21) وهي سيئة الذكر ولا نملك سوى الحزن والأسى والندم عليها إلا ما تيسر لنا قراءته من زاوية الذكريات بالماضي الجميل على الأقل والذي نحلم بعودته وبقائه للتاريخ حتى يأتي جيل جديد من الشباب الواعي يتميز بروح العمل الصحفي النادر ويدرك قيمة المهنة الشاقة ويعيد لنا مملكة الصحافة المجيدة وما تتضمنه من جماليات الحرف والكلمة إلى مجدها التليد. إن كل ما جاء في السطور ما هو إلا غيض من فيض، فالصحافة هي السلطة الرابعة دون منافس والتي يفترض ان تعمل بجدية من أجل تصحيح مسار نشاط الدولة واتجاهاتها المختلفة لتعبر عن الواقع وتبرز السلبيات والنواقص في المؤسسات الحكومية وتصحيح الأخطاء من وقت لآخر وتعكس قضايا وهموم الناس وتطرح مشاكلهم أمام الجهات المختصة لمعالجتها في حينه كما ان الصحافة رسالة مجتمعية انسانية إضافة إلى انها توفر لنا دروساً تعليمية وثقافية لا تنضب نحصل عليها بأقل الاثمان هكذا كانت صحافة الأمس فهل من المعقول أن تظل صحافة اليوم هزيلة إلى هذه الدرجة ولا تحمل أي مسؤولة وتظل تحوم على نفسها دون فائدة تذكر ثم ما ذنب الأجيال الجديدة التي اصبحت تبحث عن هويتها في أجواء من الصراعات المحلية والاقليمية والدولية التي لم تتوقف رحاها حتى يومنا هذا ولا تجد أمامها سوى صفحات رمادية المحتوى والمضمون عن الحوادث والقتل وتفتقر إلى ابسط ابجديات العمل الصحفي ولا أدري إلى اين تتجه بنا تلك الصحف في مشوارها الطويل.سؤال يطرح نفسه بجرأة وبحاجة إلى اجابة شجاعة ودراسة عميقة تساعد على تطويرها بما هو مفيد واخراجها من بوتقة الاحتكار المهيمن على الثقافة العامة في الوطن إلى مستوى قيام الدولة المدنية الحديثة (الاتحاد الفيدرالي) التي ينتظرها الشعب بعد نضال طويل وشاق وتضحيات جسام ومن غير المعقول أن تظل الجهات المختصة في السلطة وعلى رأسهم وزارة الإعلام تاركة الحبل على الغارب ولا بد ان تعمل بواجبها وتسهم بتطبيق قانون الصحافة وشروط العمل فيها والوقوف بحزم أمام كل من يتجاوز حدود النشر والإعلام واخلاقيات المهنة بصورة عامة.
|
آراء
الصحف المحلية إلى أين؟!!
أخبار متعلقة