يبدو أن الوفد الفلسطيني الموحد إلى مباحثات القاهرة، لم يأخذ بالتصريحات والتهديدات الإسرائيلية في اليوم الأخير لهدنة الخمسة أيام، على محمل الجد، تصريحات اعتبرت تراجعاً إسرائيلياً واضحاً عن كل ما قيل حول تفاؤل بالتوقيع على اتفاق مع نهاية تلك الهدنة، إذ كان واضحاً من تلك التهديدات أن حكومة نتنياهو قد تراجعت فعلاً عن بعض نقاط التفاهم الأولية، وعززت هذه التراجعات بفتح ملف جديد لم يطرح سابقاً إلاّ في وسائل الإعلام، خاصة تلك المتعلقة بضرورة نزع سلاح المقاومة كشرط أساسي للتوقيع على أي اتفاق، لم يسبق للوفد الإسرائيلي المفاوض أن طرح هذا الملف في المباحثات السابقة، الأمر الذي يشير بوضوح إلى أن الجانب الإسرائيلي، اتخذ موقفاً متصلباً من ناحية، وان طرح ملفاًَ يعلم تماماً أنه خارج إطار النقاش ومرفوض من حيث المبدأ، ما يشير إلى أن إسرائيل تسعى إلى انهيار المفاوضات، وتحميل الوفد الفلسطيني الموحد مسؤولية هذا الانهيار، وذلك ترجمة واضحة لمقترحات نفتالي بينيت وزير الاقتصاد في حكومة نتنياهو، الداعية إلى إعلان إسرائيلي بوقف الحرب من جانب واحد مع منح الفلسطينيين تسهيلات في المعابر، تقررها إسرائيل حسب رغبتها ومصالحها، وعدم انتظار "حماس" لكي تقرر نهاية هذه الحرب أو توسيعها، وهي أيضاً ترجمة لشعار إسرائيلي ساد في بداية الحرب الثالثة على قطاع غزة، من أن نهاية الحرب، هي بداية لهدوء مقابل هدوء!ومثلما فرض "بينيت" مع "ليبرمان" على نتنياهو التدحرج نحو الحرب البرية، يقوم هذان مع غيرهما من الأكثر تشدداً في حزب الليكود، للضغط على نتنياهو في ميدان العملية التفاوضية في القاهرة، المرونة التي أبداها ولو نسبياً الوفد الإسرائيلي المفاوض في الجولات الثلاث، ثم التراجع عنها لصالح المزيد من التشدد، تحت ضغط القوى الأكثر تطرفاً في الليكود وحكومة نتنياهو، وهدنة اليوم الواحد الأخيرة، هي تعبير واضح عن هذا التراجع الإسرائيلي، الذي يؤكد أن من بات يمسك بخيوط هذا الملف، هو الجناح الأكثر تشدداً في إسرائيل، وترجمة ذلك واضحة: الكابينيت هو الذي يرسم معالم المرحلة القادمة بصرف النظر عن الوفد الفلسطيني الموحد، أو حتى المبادرة المصرية التي سبق أن وافق نتنياهو عليها ثم سحبها مؤخراً، معيداً العملية التفاوضية إلى المربع الأول!وإسرائيل بهذا "الانقلاب التفاوضي" لا تتهرب فحسب من التزاماتها كدولة احتلال وضرورة الاستجابة لمتطلبات الاستحقاقات الإنسانية الفلسطينية في قطاع غزة، وإنما تريد أن تظهر بمظهر المنتصر في حربها الثالثة، الأمر الذي يجعلها قادرة وبمفردها على حسم تداعيات هذه الحرب لصالحها، وانصياع نتنياهو للجناح الأكثر تطرفاً لديه، ليس فقط نتيجة لضغوط هذا الجناح، ولكن لأن ذلك في المحصلة النهائية، ينتشله من الاتهام بالفشل السياسي والعسكري، فنتائج هذه الحرب متعلقة تماماً بإمكانية استمراره في العمل السياسي، وتحديداً واضحاً لمستقبله، ليس فقط في الانتخابات التشريعية القادمة، ولكن قد يؤدي هذا الاتهام بالفشل، إلى مغادرته الحياة السياسية والحزبية نهائياً، وطي صفحة نتنياهو السياسي المحنك المخادع والذكي إلى الأبد!إن أحد الخيارات التي قد تفرضها تداعيات المباحثات في العاصمة المصرية، تتعلق بتهدئة غير موقعة، يفترض معها أن الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي بحاجة إلى هدوء على جانبي الحدود، لأسباب متباينة بطبيعة الحال، غير أن هناك مخاطر الانزلاق إلى حرب استنزاف نفسية وعسكرية وتداعيات اقتصادية على الجانب الإسرائيلي، وعراقيل أمام إعادة إعمار ما دمرته الحرب الإسرائيلية الثالثة على قطاع غزة، استنزاف نفسي على الجانبين، حالة من القلق والخوف والتوتر، بالترافق مع إمكانية انعدام السيطرة على اختراقات عسكرية تعيد تفجير الوضع على الرغم من إرادة الطرفين، ذلك أن "مبدأ لا حرب ولا سلام" قد يشير إلى مرحلة ربما أكثر إيلاماً من الحرب نفسها، كونها تجعل المتحاربين في حالة استنفار نفسي وعسكري، في حين ان الجمهور، على الجانبين سيظل في حالة انتظار وترقب للمخاطر المحتملة وهي كثيرة!تحاول إسرائيل من خلال عملية التفاوض الجارية الآن في القاهرة، أن تشير إلى أنها تسعى فعلاً للتوصل إلى اتفاق، مع أنها في الواقع غير معنية تماماً إلاّ باتفاق يظهرها كمنتصرة تماماً في هذه الحرب، وإذا لم يتم ذلك، فإن استعدادها الظاهري للتفاوض، يمنحها إمكانية تحميل الجانب الفلسطيني مسؤولية انهيار المفاوضات، ما يجعل يدها طليقة بالتعامل العسكر.الأمني مع قطاع غزة، من دون أن يلومها الحلفاء والأصدقاء، الذين أعربوا في لحظات سابقة عن قلقهم إزاء الرد الإسرائيلي على عمليات المقاومة، لذلك فإن الوفد الإسرائيلي سيظل يناور للوصول إلى مرحلة يبدو فيها الجانب الفلسطيني غير مكترث بدماء الفلسطينيين، من خلال ما تقول إسرائيل إن الوفد يطالب باستحقاقات تؤثر على أمنها القومي، وبالتالي فهي معنية بعدم الالتزام بأي مطلب لا يوفر الأمن لمستوطنيها، وهو الأمر الذي درجت الدول الكبرى على اعتبارة حقاً إسرائيلياً لا جدال فيه.جولات المباحثات الأخيرة في القاهرة، تشير إلى حقيقة معروفة، لكن البعض يتجاهلها، وهي ان الحرب السياسية التفاوضية، أشد ضراوة من الحرب الميدانية العسكرية!
مباحثات القاهرة: انقلاب تفاوضي إسرائيلي!!
أخبار متعلقة