نوري المالكي، رئيس الحكومة العراقية المقال، كان بمقدوره أن يصبح بطلا تاريخيا ليس للعراقيين فقط، بل للمسلمين والعرب.. ولكن قعدت به همته، وخذلته بصيرته، وحجزته أفكاره الحزبية الريفية الضيقة.هناك ساسة وزعماء ينقلون التاريخ من حال إلى حال، ويتقدمون شعوبهم إلى الفلاح، ويتحملون الجراح، وهؤلاء هم القلة التي غيرت وجه التاريخ. وهناك من يفلت اللحظة من قبضته ويفلت معها مقود القيادة، لتنحرف المركبة ذات اليمين وذات الشمال.انفضّ عن نوري، عضو حزب الدعوة العراقي الشيعي، إخوة الحزب وقياداته، وتخلى عنه حلفاؤه في التحالف الشيعي العراقي، وقبل ذلك في ائتلاف دولة القانون، والأهم من هذا راعيته إيران، ومعينته أميركا، وطبعا الأكراد الذين كانوا تاريخيا رفاق المظلومية السياسية مع شيعة العراق، وأكيد طبعا سنة العراق، من عرب وغيرهم.الحاج أبو إسراء وحيد الآن، مهما أحاط نفسه بثلة من المعاندين مثله، أو الجاهلين، أو الطامعين، لكن سفينته جنحت وارتطمت بصخور السياسة ومصالح العالم العليا.ربما أن القشة التي قصمت ظهر المالكي هي دخول «داعش» إلى الساحة العراقية، بهذه السهولة، وانهيار جيشه في الموصل. وحين تأمل العالم، خاصة واشنطن، في سبب هذه الفضيحة، تبين أن السبب الرئيس أن العراقيين يكرهون المالكي، الكرد والسنة وشطر من الشيعة ربما، فكيف يستقيم شأن العراق؟.. وكيف يهب جيشه لمقاتلة «إيبولا» العصر العقائدي، وهو «داعش»؟!بعناد تراجيدي، رفض نوري المالكي رؤية المشهد:«يقضى على المرء في أيام محنته.. حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن».في يناير (كانون الثاني) 2013 كان المالكي قد وصل إلى نقطة الانفصال التام مع السنة وإلى حد ما مع الكرد، وتعامل مع انتفاضة الأنبار على أساس طائفي، وأخرج أنصاره في بغداد لتمجيده، وكان من أخطر ما فعله حينها التوسل بالعواطف الدينية الشيعية. وأذكر حينها صورة للمالكي رأيتها مرفوعة بين جماهيره في بغداد، ردا على جماهير الأنبار والموصل، وبجانبها عبارة «انصروا مختار العصر»، ثم صورة أخرى عليها أيضا صورة المالكي، وصورة أخرى، متخيلة طبعا، للمختار الثقفي، في مقارنة واضحة المغزى.اختار المالكي أن يسلك سبيل شخصية المختار، وهي شخصية مثيرة تكسبت بعواطف محبة آل البيت، لتصفية الخصوم، من ثبتت أو لم تثبت عليه قطرة من دماء العلويين، للحصول على السلطة، على صهوة التهييج الطائفي الدموي.المختار كان، كغيره، نهاز فرص سياسية، وحسبما نقل شيخ المؤرخين ابن جرير فإن المختار ذكر لأحد أصحابه أنه رأى أن ابن الزبير قد أخذ الحجاز، ونجدة بن عامر على اليمامة، ومروان على الشام، فلِمَ لا يكون له نصيبه في العراق؟لكن العراق كان وما زال موضعا خطرا على المغامرين السياسيين، فقد قتل المختار على يد مصعب بن الزبير، وتبخرت سلطته، وبقي مصدر إلهام للراكبين على أمواج العواطف الشيعية لمغنم الحكم.هل انتهت موجة المختار الجديد، نوري المالكي.. أم ثمة مختار آخر؟
نهاية «المختار» المالكي
أخبار متعلقة