للمرة الثانية وأنا في مقهى « سوق الواحة» بقلب الخرطوم، ألتفت يمينا وشمالا وابتسامة موظفة المقهى الشابة تباغت المارة ذهابًا وإيابًا كنوع من الجلب وإتيكيت عملها ومهنتها ,جالت بخاطري هذه الصورة الجديدة للمرأة السودانية، حيث خاطبني صديق يساري أمس من غزة سائلًا هل يوجد جَلد للمرأة في شوارع السودان؟ وظُلم للمرأة واضطهاد لها ؟أجابتني البديهية التلقائية .كانت حسب مشاهداتي للحالة الظاهرية الّتي شاهدتها في الخرطوم، وخاصة المتعلقة بالمرأة السودانية، أو بالمرأة عامة، مجيبًا ما أراه أن المرأة السودانية تتمتع بحرية ربما أكبر من حرية المرأة الغزاوية، هذا على صعيد الحرية الشخصية فأنا ومنذ عشرة أيام في الخرطوم أرى أن المرأة السودانية تتمتع بحريات عامة من حيث حرية الحركة، العمل، الملبس، فكل مكان تجد العنصر النسوي يعمل، وله دور مؤثر بالحياة العامة، كما أن هناك حريات في الملبس، حتى الأحاديث الّتي نقلها لي أصدقائي القدامى هنا تؤكد على أن المرأة السودانية تتمتع بسلطة في بيتها، هذه السلطة تمتد للتقرير أو اتخاذ القرار، وهو أحد أهم المؤشرات على أن المرأة السودانية تمتلك حريات عامة، هذه الحريات الّتي لا أعلم لماذا لم يُسلط الإعلام العربي الصورة عليها، وكذلك لماذا هذا الظلم البائن إعلاميًا على السودان وشعبه؟ فالصورة الّتي أشاهدها وألمسها هي صورة مغايرة تمامًا للواقع الذي أراه وأعيشه الآن، فلم أتوقع للحظة واحدة أن السودان بهذه الحالة نظرًا لما كنت أسمع عن السودان، أو الصورة الّتي كانت تُنقل لنا عن السودان، وهي تعمق الفكرة الّتي أؤمن بها قطعًا أن العولمة الاقتصادية لا يمكن لها في القرن الحادي والعشرين أن تستنكف عن غزو أيّ بقعة جغرافية على سطح المعمورة دون أن تغزوها لاستحلاب جيوب الفقراء واستهلاك الشعوب، وخاصة شعوب العالم الثالث، تحت عنوان التطور والتقدم والازدهار خاصة في ظّل الثورة المهولة في عالم الاتصالات والتكنولوجيا، فلم تعد مظاهر للتصحر، والتخلف إلَّا بقبائل معزولة عن العالم لم يتم اكتشافها بعد، حتى وجود هذه القبائل أمر مشكوك فيه في ظّل هذه الثورة الكبيرة في عالم الاتصال والتواصل والتكنولوجيا والاكتشافات والأقمار الصناعية .إذن هي الحقيقة الماثلة أمامي بمشاهداتها بأن المرأة السودانية هي مضطهدة فعلًا، ولكن اضطهادها من الإعلام العربي الذي لم ينقل الصورة الحقيقية لحال المرأة السودانية والسودان عامة، فالمرأة السودانية تغزو سوق العمل، والعلم، في كلَّ مناحي الحياة هنا بالسودان، بل يمكن لي أن أُجزم بأنها تمتلك حريات لا تمتلكها المرأة الفلسطينية في بعض المظاهر، والدليل أن السياسيين وبعض المثقفين الفلسطينيين منهم علمانيون قد عهروا المرأة الفلسطينية قبل عدة أشهر لأنّها خرجت تعبّر عن رأيها ضمن حقوقها السياسية، وهناك من أتهمها مباشرة بأنّها عاهرة، ومن رواد بيوت الدعارة «بيت أنيسة» ليشبعوا حقدهم الحزبي في كرامة امرأة خرجت لتعبر عن نفسها، وتناسوا كل شعارات الحرية للمرأة تحت أحذية حزبيتهم لينالوا من كرامة الفلسطينية الّتي ندعي كذبًا أنّها صاحبة حقوق، وتأخذ حقوقها في ظّل هاجس خطير يسيطر على تفكيرنا بأنّها لا زالت عورة، وأنّها لا يجوز لها الخروج عن طوع « سي السيد» حتى هذا السيد الذي يدعي الانفتاح والثقافة والتطور الفكري، والموقع السياسي، وعلينا أن نتخيل سياسياً يلتقط الصور مع فنانات عربيات أشبه بالعري أمام الكاميرات مبتسمًا مفتخرًا ويعتز بهذه الصور، وفي نفس الوقت يُعهر المرأة الفلسطينية لأنّها خرجت تعبّر عن رأيها.إذن فهل تمتلك المرأة الفلسطينية حرية عامة؟ في حال المقاربة والمقارنة مع مشاهداتي للمرأة في مصر والسودان أكاد أن أجزم أن المرأة الفلسطينية تحتاج لثورة لكي تتحرر من عقول تعاني من زكام وانفصام في رؤيتها للمرأة.كما وأُجزم أن المرأة السودانية تحتاج لثورة ضد الإعلام العربي الذي يشوه حقيقة الواقع الذي تعيشه، فهي تمتلك حريات يمكن لي أن أوصفها بأنها الأكبر في منطقتنا العربية.
|
ومجتمع
المرأة السودانية وقهر الإعلام
أخبار متعلقة