خربشات التشكيلية آمنة النصيري..
كتبت/ دنيا هانيكانت أمنيتها أن تصبح صحفية، وقد بدأت خطوط الرسم تظهر لديها وهي في عمر أربع سنوات، فقد حولت جدار بيتها الأبيض في محافظتي رداع وصنعاء الذي كانت تشخبط فيه إلى لوحات مليئة بالشخابيط ما جعل حلم الصحافة يصبح مجرد حلم حققت جزءاً منه في مجال النقد والكتابة.. فكان أول معرض لها وهي في الثالث ثانوي، وافتتحه آنذاك الأستاذ حسن اللوزي في المركز الثقافي، وكان عبارة عن صور للشخصيات التي تحبها، ولها في نفسها مكانة كبيرة أمثال «غاندي ولوركا وعبد العزيز المقالح، مرسيل خليفة ومكسيم غورغي». وفي لوحاتها يتداخل الخيال مع الواقع وأحياناً يطغى عنصر على آخر.وبرغم تعدد الاتجاهات التي تتبعها نجدها حاولت في كثير من أعمالها الخروج عن النطاق التقليدي باحثة عن أساليب جديدة ومتفردة. فأعمالها تنوعت مابين التطرق إلى التراث والحالات الإنسانية والطبيعة المحلية بألوان زاهية تحاكي جميع الأذواق كما أنها درست فلسفة الفن وعلم الجمال وجمعت العديد من المسميات في مشوار حياتها.. أطروحة الماجستير خاصتها كانت حول (البعد الفلسفي في زخرفة واجهات العمارة التقليدية في اليمن)، وتحديداً في صنعاء القديمة. ورسالتها في الدكتوراه كانت عن (البُعد الفلسفي والعقائدي في فنون التصوير، مقارنة بين المنمنمات الإسلامية والإيقونات المسيحية، وكيفية تأثير العقيدة في ظهور الفن وتطوره). وغالباً ما تتصور أن الإسلام قام على الروح الإبداعية، وأن الحضارة الإسلامية في أوج ازدهارها أنتجت أجمل الصور والمخطوطات والجداريات المصورة، ولكن عندما بدأت تنهار الدولة الإسلامية وبدأت عصور الانحطاط، ظهرت أفكار التطرف وبدا معظم الفن على أنه محرم ومخالف للشريعة، مع أن الفن يحمل في جواره الحق والخير والجمال، وهي سمات أساسية للبحث الفلسفي، فكيف يكون التصور على أن الفنان الذي يتأمل في إبداع الله يمكن أن يخطئ ويتصور أشياء يمكن أن تسيء أو تتعارض مع مفاهيم الدين. والفلسفة بنظرها مدخل مهم لفهم الوجود، وهي رؤية كلية للأشياء ترتفع من مستوى العاديات والمحدود إلى مستوى أعم وأسمى، وهي تصوغ رؤى لكل قضايا البشرية، تضع الأسئلة وتثير علامات الاستفهام!؟.هي التي تقول إن معاناة المبدع لا تنحصر في عد النقود وإنما في البحث عن الذات.. بمعنى أن الفن هو نتاج الدهشة ونتاج الفرح ونتاج المعاناة والألم أكثر، ولا تقصد المعاناة الفقر، فمعاناة المبدع لا تنحصر في عد النقود، وإنما معاناته في البحث عن ذاته.فهي إذاً الفنانة التشكيلية والناقدة اليمنية المبدعة آمنة النصيري.. التي تمتلك روح النقد التشكيلي والجمالي والبساطة في التعامل مع متذوقي الفن بكل أنواعه، فهي لا تجد أي تناقض بين تلك المجالات، لأن دراستها للفلسفة والنقد الفني مكنتها من فهم علاقتها بالثقافة والفن والنظرة العميقة إلى العالم. وبين أعمالها الفنية الماضية وأعمال الواقع الحاضر يعتبر الفن التشكيلي عالماً شاسعاً بالنسبة لها يمتد من مشارق الأرض وينتهي بمغاربها فالفن والتصوير التشكيلي يختلف من بيئة لأخرى ومن فنان لآخر.. فما هو إلا عبارة عن فكر وثقافة سواء أكانت تتبع المنطق والمحسوس، أو تساير اللا واقع.. من خلال تصورات اللا شعور، والتي عادة ما تكون نتاجاً لمخزون فكري إلى ما قبل الوعي..[c1]وصف لوحة ثائرة[/c]الشارع العربي اليوم بحاجة ماسة لمثل هذه القيم الجميلة، كي تصحح مساره، وتعيد بناء الوعي لديه، بعد أن نجحت الأنظمة العربية إلى حد مخيف في نقل عدوى الفساد إليه.اليد الثائرة التي تريد أن تخرج من اللوحة هي نفسها جزء من هذا الجسد المغيب تماماً بالنسبة للنصيري التي تريد القول من خلال ذلك أن التغييب المادي هو موت بطيء للكائن.[c1]مقتطفات من لسان حالها..[/c]تجد النصيري أن حضور الفن اليمني خارج الحدود محدود جداً وهزيل، مع أن التجربة التشكيلية اليمنية جديرة بالاهتمام، ولا تجدها أقل من مستوى التجارب العربية الجادة، ولكن المبدع اليمني عموماً لا يعرف كيف يقدم نفسه، فهناك موهبة طاغية وثقافة محدودة، ولكي تقدم نفسك وفنك بشكل مشرف يجب أن تمتلك ثقافة عالية، وتكون لديك لغة أخرى.وتصف هنا قائلة: «نحن اليوم في عصر الصورة، لكننا في اليمن لا زلنا متخلفين. فنحن بلد تقليدي في اتجاهاته الثقافية الأخرى، باستثناء الكتابة والشعر، بمعنى لا يوجد مسرح، وإذا وُجد فهو هزيل جداً، ولا توجد سينما، ونحن نحكي اليوم عن سينما عُمانية وسينما إماراتية وسينما سعودية، لكن لا أستطيع أن أحكي عن سينما يمنية، فالصورة غير موجودة بكل تفاصيلها وتنظيراتها، وهذا هو السبب الذي يجعل الكثير عند ما يأتون إلى المعرض لا يستطيعون استيعاب لوحاته، ولا يستطيعون فهم أهمية اللوحة التجريدية، وماذا يريد الفنان قوله».وتتحدث عن أن ما يرسم في اللوحة يعكس الواقع المعاش للمرأة العربية عموماً، فعندما نحلـل اللوحة نجدها مليئة بالإحباط والحـزن والمعاناة والانطواء،لأن هذا هو واقع المرأة العربية في ظل منظومات تقليدية، بعضها رجعية للأسف وبعضها آخر أصولية متطرفة.* أعجبني تشبيهها وأتوافق معها تماماً لما فيه من واقع نلمسه في حياتنا وكما قيل أن هناك بعض الأمور والتشبيهات لا يمكن أن يتطرق لها الفنان بلوحته ولكن يستطيع التعبير عن فكرته وتصوره من خلال استخدامه الترميز والتجريد والإشارات البعيدة فهذا هو السبيل الوحيد للوصول لدواخلنا ولمس كل ما نحتاج إليه..وهنا تقول النصيري: كان الفنان يعتبر إفناء حياته في الرسم نعمة من الله، لأنه أفنى عُمره وهو يسبح في هذا الملكوت الجميل. وأن الفن نتاج للعقل أكثر مما هو نتاج للعاطفة، ولهذا السبب اتخذ الفن الإسلامي هذا الشكل التجريدي العالي. والفن هو عصارة الروح، أياً كان هذا الفن.ونحن بدورنا نقول إن الفنانة التشكيلية والناقدة المبدعة آمنة النصيري تستحق التقدير والمتابعة لكل مهتم وذواق للفنون الجميلة فمعها تبقى اللوحة مسلوبة الهوية حتى تتضح معالم الصورة كاملة.وكما سبق تطرقنا إلى إن للإعلام دوراً كبيراً ومهماً للفنان وغيره من المبدعين، فبدونه لا يستطيع الفنان أن يوصل أفكاره وتصوراته ومعاناته.نحن إلى الآن لم نصل إلى الحد الذي نقول فيه أن الإعلام أعطى للفن كل ما لديه، ونتمنى المزيد من الاهتمام وتسليط الضوء على الفنانين بأنواعهم. ويبقى الأمل والتفاؤل بالقادم هو المفتاح لكل الأبواب المغلقة في الحياة..