من المحال أن يرضى عاقل ببقاء طفله، فلذة كبده عرضةً للإصابة بفيروس شلل الأطفال ليهدده بالإعاقة الحركية أو الوفاة!الأمر أشبه بمن يلقي ثمرة فؤاده إلى شفير هاوية توقعه في إعاقة تلازمه مدى الحياة، بدلاً من صونه ودرء داء الشلل عنه، لكونه أقدر على تجنيبه الإصابة بفيروس الشلل وويلاته، فقد يسر الله لذلك الأسباب بأن ألهم العلماء الباحثين وأوصلهم- بحوله وعظمته- إلى معرفة لقاح وقائي متعدد الجرعات يحمي الطفولة ويجنبها هذا الداء المروع. هذه هي الحقيقة الناصعة ليس فيها تهويل أو مبالغة، فمرض فيروسي سريع العدوى كشلل الأطفال لا يُؤمن خطره على الأطفال المحرومين من التحصين، وحتى على الذين لم يحصلوا على جرعات متعددة تكفي لحمايتهم وتجنبهم الإصابة.فلماذا الإمعان في الباطل والتردد؟ أم أن الأفضل تحطيم آمال الطفولة وترك أحبائنا الصغار يواجهون مصيراً حالكاً نعلم ما سيؤول إليه وهو الإعاقة الحركية والتي إذا ما حلت رماها الحارم لطفله من حقه في التحصين إلى كف القدر، متنكراً للمسؤولية الملقاة على عاتقه! فهل من مفرٍ يوم الحساب؟رحم الله الفاروق عمر عندما أطلق مقولته الشهيرة:«بل نفر من قدر الله إلى قدر الله” رداً على ناقديه الذين أنكروا عليه عدم دخول الشام بعدما علم بأن وباء الطاعون حل بها.ولنا في رسول الله الأسوة الحسنة حيث قال: “ تداووا عباد الله فإن الله ما أنزل من داء إلا وجعل له دواء، إلا السام- أي الموت”.بالتالي، فالمانعون أطفالهم من التطعيم بمن فيهم الحارمون أبناءهم وبناتهم من تلقي المزيد من جرعات التطعيم في المرافق الصحية وخلال الحملات، ليسوا جناةً فقط على أطفالهم - بتركهم دون حماية منالاً للإعاقة أو الوفاة - بل يجنون- أيضاً- على مستقبل وطنٍ عاشوا بين أحضانه وترعرعوا في أرجائه، ليردوا له الإحسان بالإساءة؛ مُلقين عليه وعلى مجتمعهم ومستقبل أجيال وطنهم العبء الثقيل، لأنهم يسهمون- بمنعهم أطفالهم من التحصين- في عودة فيروس شلل الأطفال إلى أرض اليمن بعدما تخلصت منه تماماً منذ عام 2006م ولم يعد لفيروس الشلل من تلك السنة وإلى اليوم أي وجود فيها على الإطلاق، وهذا بفضل الله ثم بفضل استمرار الآباء والأمهات الغيورين على وطنهم في تحصين فلذات أكبادهم بجرعات اللقاحات الروتينية المعتادة بالمرافق الصحية ضد أمراض الطفولة العشرة القاتلة وكذا في سائر حملات التطعيم ضد شلل الأطفال، ولم يكن سهلاً حصد هذا النجاح فقد بنته وعمدته جهود مضنية وسنوات كفاح ما انفكت إلى اليوم في التوقف عن العمل المضني في سبيل الحفاظ على الإنجاز الصحي الكبير. غير أن مشكلة هذا المرض قائمة وتهديده باقٍ طالما لم يُستأصل تماماً من العالم أجمع، إذ لا تزال بلدان موبوءة بفيروسه البري الرخو.. منها البعيد عن حدود اليمن كأفغانستان وباكستان، ومنها القريب جداً من حدوده كالصومال وكينيا وأثيوبيا وجنوب السودان في الجوار الأفريقي، ومؤخراً في سوريا التي تجابه حالياً موجه انتشار الفيروس.الأمر الذي يثير موجة قلق كبير مشوباً بالحذر- في الوقت ذاته- مخافة تمدد انتشار الفيروس وبلوغه بلدان الجوار والتي من بينها اليمن، وهو ما حذرت منه منظمة الصحة العالمية؛ مُطلقة تحذيرها ومجددة دعوتها لليمن لإقامة حملة تحصين في المحافظات التي تشهد إقبالاً متدنياً على تطعيم الأطفال دون العام والنصف من العمر بلقاحات التحصين الروتيني بالمرافق الصحية وكذا في الإقبال على تطعيم من هم دون سن الخامسة أثناء الحملات، لاسيما وقد خرج وباء فيروس الشلل عن حدود السيطرة في الصومال فتسلل إلى كينيا وأثيوبيا ثم إلى جنوب السودان، وظهوره مؤخراً بشكلٍ مقلق في سوريا ؛ مُسجلاً حتى منتصف نوفمبر 2013م موجة انتشارٍ واسع أفضى إلى ما يزيد على (214) حالة إصابة مؤكدة بالفيروس في تلك البلدان- بحسب آخر إحصاءات منظمة الصحة العالمية.ووجه تهديده لليمن يكمن في استمرار تزايد عدد اللاجئين المتسللين من القرن الأفريقي إلى داخل أراضيه والذي وصفته منظمة الصحة العالمية بالتهديد الذي قد ينذر بعودة فيروس شلل الأطفال إلى البلد مجدداً مع أنه - كما أسلفنا- لم يشهد مطلقاً أي إصابات جديدة بهذا الفيروس منذ عام 2006م، ونال شهادة من منظمة الصحة العالمية بخلوه تماماً من الفيروس عام 2009م. فيما تقف وزارة الصحة حالياً متأهبة لصد ظهور وانتشار فيروس شلل الأطفال في البلاد - بحسب ما أكدته الدكتورة/غادة شوقي الهبوب- مدير البرنامج الوطني للتحصين الموسع- فقد عززت الوزارة التطعيمات الصحية على المنافذ الحدودية ومخيمات لاجئي القرن الأفريقي، ولا تزال مستمرة في تقديم خدمات إيصالية لتحصين الأطفال دون العام والنصف بجميع اللقاحات الروتينية في الأرياف البعيدة والنائية.بيد أن المخاوف تبقى على أشدها مع استمرار تدفق بعض لاجئي القرن الأفريقي بطريقة غير رسمية بتسللهم إلى اليمن بعيداً عن أعين السلطات وإجراءات السلامة المتبعة والتطعيمات الصحية التي تقدمها وزارة الصحة، في ظل ما تشهده بعض محافظات الجمهورية من ضعفٍ في مستوى الإقبال على استكمال المستهدفين من الأطفال للقاحات التطعيم الروتيني بالمرافق الصحية بما في ذلك التطعيم باللقاح المضاد لفيروس الشلل خلال حملات التحصين، وما يقابله من معاناة شريحة كبيرة من الأطفال دون سن الخامسة من سوء التغذية الذي يُعد أحد أبرز مسببات تدني المناعة المكتسبة عند الأطفال على وجه الخصوص.لذلك فإن إقامة الحملة الوطنية للتحصين اعتباراً من (16 حتى18ديسمبر2013م) يبدو أمراً ملحاً في جميع محافظات الجمهورية لاسيما وأن هناك محافظات تصنف من قبل برنامج التحصين الموسع بأنها الأدنى بين المحافظات في مستوى الإقبال على استكمال التطعيمات الروتينية ضد أمراض الطفولة القاتلة وعلى التحصين في الحملات.على الآباء والأمهات- إذن- أن يعوا هذه الحقائق جيداً، وان يثقوا بأن التطعيم ضد داء الشلل السبيل الوحيد لحماية وصون جميع الأطفال تحت سن الخامسة من ويلات مرض الشلل، فلا عذر سيقبل إذا ما فات الأوان ووقع من لم يُحصن أسير الإعاقة الحركية مدى الحياة.
|
تقارير
امنحوهم الأمل..حصنوهم ضد شلل الأطفال
أخبار متعلقة