كتب/ ولاء عبدالله كان الدكتور زكي مبارك أحد المجايلين لأمير الشعراء، التقاه وتعرف إليه عن قرب حتى قال في وصفه (هو مجنون جديد من مجانين ليلى.. وليلاه الشعر، وهو بالشعر مجنون لا مغرم ولا مفتون، وهو يهرب من الناس حين يشرع في النظم فلا تراه إلا هائما على وجهه من طريق إلى طريق وفي حال تنذر بالجنون)، فهذا هو أمير الشعراء كما رآه د.زكي مبارك الذي كان أول ناقد ينصف شوقي في حياته حتى أنه قال (إن نفسي لتطيب كلما ذكرت أني كنت أول ناقد أنصف شوقي في حياته).ويرى مبارك أن ذلك الرجل الصامت الخشن الملابس استطاع أن يكون أشعر الناس في زمانه، لأن العبقرية سر مكنون، ويضيف:”لا تسأل عن السر في عظمة شوقي، لأن الشعر في أكثر الأحيان من النفحات الإلهية”.[c1]لقاءاته بشوقي[/c]وقد انشغلت “كريمة زكي مبارك” على مدار سنوات طويلة بجمع تراث والدها من المقالات في الجرائد والمجلات، حتى أخرجت كتاب (أحمد شوقي) متحملة بذلك عناء جمعه وإعداده ليخرج عن دار الجيل اللبنانية في 1988، وفي تقديمها للكتاب تشير كريمة مبارك إلى أنه وخلال بحثها في مقالات والدها لفت نظرها انشغال الأديب والناقد زكي مبارك بالشاعر “أحمد شوقي” لتستحضر الأوقات التي التقى فيها زكي مبارك بأحمد شوقي، ويأتي أول لقاء مباشر لهما في 1921، وكان مبارك وقتها رئيسا لتحرير جريدة الأفكار، فالتقاه في منزل الشيخ عبداللطيف الصوفاني ورآه رجلا خاليا من الآبه والوجاهة في ملبسه وهندامه، قليل الكلام كثير الصمت، لا يدل مظهره على شيء وان طبقت شهرته الآفاق.وتستمر كريمة مبارك في سرد ذكريات توطد العلاقة بين الأديب الناقد والشاعر، بالإشارة إلى أن شوقي وبعد العودة من منفاه كان لا ينشر قصائده الجياد إلا في جريدة الأهرام وكانت الجريدة تسميه أمير الشعراء غير منازع ولا مدافع، حتى ينتقل إلى جريدة السياسة عندما تعلن أنها ستقدم 50 جنيها إلى الجمعية الخيرية الإسلامية في كل مرة تنشر فيها قصيدة من قصائد شوقي، ومع هذه الحيلة البارعة من الجريدة رأى الشاعر الكبير أنه لا مفر من أن يختصها بأشعاره، وكما انتقل شوقي من الأهرام إلى السياسة تنتقل الأهرام في وصفها له فلم تعد تسميه “أمير الشعراء غير منازع ولا مدافع” في كل مناسبة يذكر فيها وبدأت تسميه صاحب العزة أحمد بك شوقي، وقد تنبه إلى ذلك مبارك مع صديق له د.سعيد عبده وكان طالبا في مدرسة الطب فكتبا لوما لجريدة الأهرام نشر في جريدة الصباح ليقرأه شوقي ويطرب به ويرسل ابنه في دعوتهم للغداء بكرمة ابن هانئ في المطرية، وكان اليوم هو بداية صداقة حقيقية بين شوقي وزكي مبارك، ثم توثقت الصلة بعد ذلك.ولمبارك اهتمام كبير بشوقي يظهر جليا في عدد من مؤلفاته،ومقالاته، وبرغم ان صداقتهما لم تدم طويلا إلا أن د.زكي مبارك ظل منصفا لشوقي، وكانت الشوقيات سببا في التباعد، فيشير د.مبارك إلى ان اعتذاره عن عدم كتابة مقدمة للشوقيات كان سببا في الانقطاع بينهما.[c1]من يخلفه في إمارة الشعر؟[/c]وقد ظل لقب (أمير الشعراء) هاجسا لدى الكثير من الشعراء، وحتى الآن شعراء كثر ينظرون لهذا اللقب، وشعراء آخرون استحدثت لهم ألقاب وهم يضعون نصب أعينهم (أمير الشعراء) أحمد شوقي وهذا اللقب الذي ناله آملين تدوير اللقب بوفاته، لكن شوقي بشعره وإبداعه أبى إلا أن تظل الإمارة قائمة له على مدار العقود والأجيال.وقد أثيرت قضية إمارة الشعر ومن يخلف شوقي باكرا حيث أثيرت هذه القضية التي ظلت فيما بعد طويلا شغل الشعراء في 1932 بدار الأوبرا في الاحتفال الذي أقيم لتأبينه، ويشير مبارك إلى أن الشاعر فؤاد باشا الخطيب سأل عمن سيخلف شوقي في إمارة الشعر.ويؤكد مبارك أن حياة شوقي كانت من أسباب خمول الشعراء المعاصرين، فقد فعل ما فعله أبو تمام الذي أخمل 300 شاعر في حياته، معتبرا أن الخلافة في الشعر صارت سنة لا تلائم سنن العصر الحديث طالبا أن يظل كل شاعر خليفة نفسه أن شاء.. إلا أن يوجد بينهم من يملك ما كان يملك شوقي من المال والفراغ والعبقرية معتبرا أن هذه الأمور الثلاثة مجتمعة هي التي تمكن الشاعر من الإمارة.. أما الشعراء الصعاليك الذين يجمعون بين الفقر والشرف ليس لهم أن يتساموا إلى إمارة الشعر، لأن غنى القلوب أضعف من فقر الجيوب.. فكيف تنتظر أن يصير الشاعر أميرا في أمته وهو ليس أميرا في بيته.وإن كان طه حسين يرى شوقي “أعظم شاعر عرفته العربية بعد المتنبي” إلا أن زكي مبارك كان يرى أنه أشعر من المتنبي.[c1]المسرح الشعري عند شوقي[/c]وكان شوقي رائدا في كتابة المسرح الشعري في 1893 كانت البداية حيث وضع أول عمل مسرحي في شعره، ليقدم مسرحيات مصرع كليوباترا، مجنون ليلى، قمبيز، علي بك الكبير،أميرة الأندلس،عنترة،الست هدى، شريعة الغاب، وحول المسرح الشعري لدى شوقي يشير زكي مبارك في كلمته في تأبين أمير الشعراء في 1932 إلى أن شوقي أبدع في القص المسرحي الشعري لأول مرة في تاريخ العربية، ولم يكن أول من أقدم على المحاولة، لكنه نجح نجاحا يذكر ويؤثر، وسينسى التاريخ المحاولات الأولية. وبذلك يبقى شوقي رائد المسرح الشعري في العالم العربي، فهو أول من شغل المسارح بأعماله الشعرية وطاف بشعره الممثلون في مختلف الأقطار العربية.
|
ثقافة
زكي مبارك.. أول ناقد ينصف شوقي في حياته
أخبار متعلقة