المناضل الوطني الشيخ صالح أحمد اليافعي:
الوالد المناضل الوطني الكبير الشيخ صالح أحمد اليافعي، حكيم الأسنان الكبير والمشهور في تعز منذ عشرات السنين، هو حكيم لأنه لا يتكلم كثيراً وإذا تكلم أخرج الدرر والجواهر وحديثه هذا معنا لأكبر دليل على ذلك.مندوب لشريحة عمال مرفأ عدنبداية كيف سارت علاقتك بالعمل الوطني في عدن؟ـ البداية كانت في عام 1961م عندما التحقت بالمؤتمر العمالي في عدن كمندوب لشريحة عمال المرفأ وكنت أمثلهم في نقابة المؤتمر العمالي ومن خلال المؤتمر العمالي استمريت في تقديم بعض الجهود الوطنية سواء من خلال تنظيم المسيرات والإضرابات أو من خلال العمل على تجنيد المناضلين في عدن وترحيلهم إلى تعز للمشاركة في الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر 62م وكانت هذه الجهود تتم بالتنسيق مع قيادة المؤتمر العمالي التي كان يمثلها عبدالله الاصنج ومحمد سالم باسندوة وعبده خليل سليمان وسعيد الحكيمي ومجموعة كبيرة أخرى كانوا على رأس قيادة المؤتمر العمالي ولهم دور كبير ولا أحد يستطيع أن ينكره مهما بلغت أوجه الاختلاف في الرأي.. وذلك حق من حقوقهم يجب أن يقال للتاريخ.مرحلة جعاروماذا حصل لكم بعد ذلك؟ـ بعد ذلك انتقلت إلى مدينة جعار في أبين حيث عملت هناك كاتباً في إدارة السكرتارية عام 1964م.. وفي جعار بدأنا نكون جمعية خيرية أسميناها (جمعية يافع الساحل) وتحت ستار هذه الجمعية مارسنا العمل التنظيمي وشكلنا قيادة محلية للمنطقة وبدأنا نتواصل مع المناضلين في مدينة تعز، حيث كان اتصالنا الأول بالقائد العسكري في مدينة تعز وبالتنسيق مع قائد منطقة يافع الشيخ هيثم السعدي.. كما كان هناك تواصل في تعز الذي كان يمثلها المناضل علي احمد السلامي وكذلك ممثلو القيادة العربية المصريون الذين كان لهم إشراف كامل ومباشر سواء على الشؤون التنظيمية أو السياسية والعسكرية، وذلك كان يتم بالاتفاق والتنسيق مع قيادة ثورة 26 سبتمبر في صنعاء.دور مدينة تعزوماذا عن الدور الذي لعبته مدينة تعز في فترة نضالكم ضد الاستعمار؟ـ كانت مدينة تعز في 1964م عبارة عن معسكر سياسي وعسكري للتدريبات.. حيث تم فتح منطقة صالة ليقام فيها معسكر لتدريب الفدائيين ومختلف المقاتلين الذين كانوا يخوضون المعارك في جبهات قتال عدن ضد الاستعمار البريطاني.كذلك كانت منطقة الحوبان معسكراً لجيش التحرير في عدن، وكانت إذاعة تعز بمثابة المركز الإعلامي لإذاعة البيانات والبلاغات والأناشيد الوطنية حتى تحولت تعز إلى معسكر متكامل لثوار ثورة (14 أكتوبر) بكل ما كانت تعنيه الكلمة في تلك المرحلة، وفتح أبناء تعز بيوتهم وقلوبهم للجميع فأصبحنا جزءاً منهم وأصبحوا جزءاً منا، حيث تحولت هذه المدينة الوفية إلى ملاذ للمناضلين بمختلف توجهاتهم الفكرية والسياسية وكانت تستقبل الوافدين من المناطق الجنوبية وبالذات من عدن حيث كان الاستعمار البريطاني يلاحق كافة الثوار.المشاركة الوطنيةما هي ذكرياتكم خلال فترة الكفاح المسلح؟ـ كنا في الجبهات الداخلية حيث كنا نشكل التنظيمات السرية، لكن ذلك لم يمنعنا من أن نذهب إلى مدينة تعز بصورة سرية للاجتماع ببعض الإخوة المسؤولين عن الكفاح المسلح، وكذلك مع الإخوة المصريين لتلقي التعليمات ومن ثم نعود إلى مناطق الجنوب لتنفيذ ما كلفنا به من مهام نضالية وقد كنت (همزة الوصل) للقيادة المحلية لجبهة يافع الساحل وبين القيادة الفدائية للكفاح المسلح، حتى سجنت في جعار أيام الكفاح المسلح من قبل البريطانيين مع مجموعة من زملائي المناضلين ولم يطلقوا سراحنا إلا بعد ان عذبنا كثيراً وأخذوا علينا ضمانات وقد نصحني الضابط القيادي البريطاني بمغادرة جعار وبعدها تواصلت مع القيادة في تعز واستمريت بعد ذلك همزهةوصل بين قيادة جبهة يافع الساحل المحلية والقيادة الفدائية في تعز.مرحلة الدمجماذا عن التطورات بعد ذلك؟ـ ما حصل بعد ذلك من تطورات هو أنه تم دمج الجبهة القومية ومنظمة التحرير في جبهة واحدة، سميت جبهة التحرير بينما قام المصريون بتشكيل تنظيم داخل جبهة التحرير أسموه (التنظيم الشعبي للقوى الثورية) وهو تنظيم كان له طابع قيادي وعسكري وكان له قيادات وفرق مستقلة، و كان لكل فرقه قيادتها ومجاميعها فالتحقت بالتنظيم الشعبي منذ تأسيسه، ويومها كلف الإخوة المصريون المناضل المرحوم عبدالله محفوظ بالجلوس معي ومع المناضل المرحوم السيد مختار وهو كان مناضلاً معروفاً ... فاجتمعنا الثلاثة لمناقشة بعض الأمور وبحكم علاقتي بالتنظيم اتفقنا مع المناضل السيد مختار، الذي كان له مجاميع في عدن على الربط بين كل المجاميع في أبين وعدن حيث شكلنا منهم فرقة أسميناها فرقة (سند ورسول) حيث استمرينا نعمل في إطار التنظيم الشعبي من خلال هذه الفرقة والتي كان قائدها الشهيد محمد ناصر مختار وأنا كنت نائبه، وكانت معنا مجموعة أخرى كان على رأسها الأخ المناضل علي قاسم الخالدي وهو ما يزال حياً يرزق في عدن.ولي الشرف في فترة الكفاح المسلح ومن خلال مهامي كنائب لفرقة (سند ورسول) الفدائية أن قمت بجوانب سياسية وتنظيمية وإعلامية في تلك المرحلة.ذكريات عشية الاستقلالكيف كانت الأوضاع قبيل عشية الاستقلال؟ـ الأوضاع الأخيرة حتى قبيل عشية الاستقلال كانت ساخنة خاصة بعد أن قرر البريطانيون الخروج من عدن، حيث فكروا في البحث عن الجبهة لكي تتسلم منهم الاستقلال، وعلى ما أذكر أن وزيراً بريطانياً وصل إلى تعز وجلس مع عبدالله الاصنج خلال تواجده في مدينة تعز واستمر النقاش بينهما لمدة ثلاثة أيام حول موضوع الاستقلال حيث قدم ذلك الوزير مقترحاً مفاده أن تسلم بريطانيا الاستقلال لجبهة التحرير بنسبة 50 من مقاعد الحكومة الجديدة والـ 50 الأخرى توزع على الرابطة والجبهة القومية وعلى السلاطين والقوى الأخرى، حيث رفض الاصنج هذا المقترح، وعاد الوزير البريطاني بمقترح آخر وهو أن يسلم لجبهة التحرير 80 لها و20 توزع على الآخرين، لكن الاصنج أصر على الحصول على النسبة الكاملة على اعتبار أن جبهة التحرير تضم كل القوى، أما الذين انفصلوا عنها هم مجموعة قليلة بقيادة قحطان الشعبي وفيصل عبداللطيف.ورغم ذلك استمرت المباحثات مع عبدالله الاصنج في تعز حول الاستقلال، وظل عبدالله الاصنج مصراً على طلبه بصدد شروطه ورؤيته للاستقلال، حيث قال عبدالله الاصنج للوزير البريطاني: إن أول الشروط أن على بريطانيا أن تعترف بأن جبهة التحرير هي (الممثل الوحيد) لتسلم الاستقلال والحكومة الجديدة، وثانيها أن تسحب بريطانيا جنودها بملابسهم فقط وتترك كل المعدات، ثم على بريطانيا أن تدفع (60) مليون جنيه استرليني مقابل ما دمرته في ردفان وأن تدفع مرتبات الجيش والأمن وبقية الموظفين لمدة ثلاث سنوات.لكن الوزير البريطاني رد على ذلك (أنكم ستكونون حكومة ضعيفة بعد الاستقلال واقترح ان تنضموا بعد الاستقلال إلى مجموعة دول الكومنولتs)، ورد عليه عبدالله الاصنج (أننا لن نكون حكومة ضعيفة ولكن سنكون حكومة كبيرة وبعد الاستقلال مباشرة سنعلن الوحدة اليمنية)، ومع هذا لم يقتنع الوزير البريطاني (المفاوض) مع عبدالله الاصنج بشأن الاستقلال حيث عاد إلى عدن مثلما خرج منها باتجاه تعز.الحربان الأهليتانماهي النتائج التي برزت بعد فترة فشل مباحثات الوزير البريطاني وعبدالله الاصنج في تعز؟ـ النتائج هي أن الوجود البريطاني في عدن وجد ضالته في الجبهة القومية وهنا بدأت المشاحنات بين جبهة التحرير وبين جماعة الجبهة القومية المستندة إلى دعم الوجود البريطاني وجيش الجنوب العربي.. وهما اللذان حسما المواجهة لصالح الجبهة القومية حيث اندلعت بعد ذلك (الحربان الاهليتان) وسقط خلالهما المئات من الضحايا، رغم جهود وانتقادات الشيخ المرحوم محمد سالم البيحاني، وكذلك جهود الأشقاء المصريين بوقف الحربين الأهليتين.. لكن العملية تطورت حيث تدخل وقتها الطيران البريطاني وجيش الجنوب العربي وحسمت المعركة لصالح الجبهة القومية، لأن جيش الجنوب العربي انحاز إليها ورجح كفة الجبهة القومية بالإضافة إلى أن الطيران الحربي البريطاني قام بملاحقة أفراد جبهة التحرير حتى منطقة كرش، وكان ذلك دليل على وجود تنسيق وتعاون بين الجبهة القومية وبريطانيا!! وعليه انسحبت عناصر جبهة التحرير إلى المناطق الشمالية تجنباً لسقوط المزيد من الضحايا.. وكانت مدينة تعز هي الحاضنة مرة أخرى لكل أبناء اليمن.