د.زينب حزامذهبت إلى أحد المطاعم لتناول وجبة الغداء مع ابني، وطلبت من الجرسون أن يحضر لنا وجبة رئيسية، وكانت المفاجأة أن الجرسون طفل لم يتجاوز سن الخامسة عشرة ،نحيل وقصير القامة ،يعمل مع مجموعة من الرجال أعمارهم بين الخمسين سنة والثلاثين ، ومعهم يعمل بعض الأطفال في سن السادسة عشرة ،فتملكنا الشعور بالأسف على حال هذا الطفل الصغير الذي هو في سن ابني ،سألته: ما الذي أجبرك على العمل في هذا المطعم ،بدلا من الذهاب إلى المدرسة؟!أجاب الطفل :أسرتي فقيرة ووالدي مريض ووالدتي لا تعمل ولي تسعة إخوة،وأخي الكبير يعمل في ورشة للسيارات وعمره ثماني عشرة سنة ، وهكذا نقوم بإعالة أسرتنا الفقيرة .انتشرت ظاهرة عمل الأطفال في بلادنا بشكل مخيف ،وهنا يبرز السؤال:لماذا يعمل الأطفال ؟لماذا يذهبون إلى العمل بدلا من الذهاب إلى المدرسة ،والتمتع بدفء الأسرة ،وقضاء فراغهم في اللهو البريء،وارتياد الأندية وملاعب الكرة؟ لماذا يحظى طفل باللعب على الكمبيوتر و ينعم بأدوات التزحلق على الماء،بينما يستيقظ طفل آخر في الخامسة صباحا ليلحق بفريق عمل في مطعم أو ورشة سيارات أو محل تجاري ،أو يذهب إلى الفرن يقدم الخبز في الصباح ؟وفي مثل هذه الظروف الاقتصادية والاجتماعية لابد أن ندرك أن فرص العمل للطفل الفقير تزداد وتحرمه من التعليم والعناية الجسدية، والترفيه والتثقيف والسياحة. البيئة الأسرية ومستقبل الطفل
الأسرة تحكم مستقبل الطفل،والمجتمع يحكم مستقبل الأسرة ،ولكن ولان الأمور تترابط وتتكامل فإن الطفل يتحول من كائن بشري تحت التكوين وتحت الرعاية إلى عنصر منتج ،في وقت مبكر.فالطفل في معظم الدول النامية مصدر دخل ،وسواء كان عمله قانونيا أو غير قانوني ،فهو يعمل وأصحاب العمل يرحبون به ،لأنه يتقاضى أجرا زهيدا .وتشير الدراسات إلى أن بعض الأطفال في بلادنا يعملون في المهن الخطيرة،مثل الوقوف أمام الأفران ،والعمل في ظروف خطيرة في ورش السيارات ،وكثيرا ما يتعرض هؤلاء الأطفال للتحرش الجنسي من قبل الكبار في السن ،والأخطر في الموضوع هو ما تشهده الساحة في بلادنا ، من ظهور شبكات تقوم بتجارة الأطفال، وبيعهم أو إعدادهم للعمل في الحقول والمنازل .. لماذا الأطفال؟ليس لأنهم اقل أجرا ،أو أسهل نيلا ،ولكن لأنهم كثيرا ما يكونون خارج المسؤولية القانونية ،فضبط طفل يحمل طنا من المخدرات قد يحمل آثارا قانونية اقل من ضبط رجل يحمل نصف كيلوجرام من المخدرات.
وفي كل الأحوال فالأسرة التي تبيع أبناءها أو تجعلهم يعملون في سن صغيرة من اجل كسب المال هي من يتحمل المسؤولية، ويكمن دور الدولة في الرقابة على أحوال الأطفال .كما نجد أن الزواج في سن مبكرة للفتيات ، سببه الفقر في الأسرة والحاجة إلى المال ،وكثيرا مانجد في الريف اليمني تزويج الفتاة الصغيرة في عمر الثانية عشرة لتظل تتساءل لماذا لا الهو مع زميلاتي في المدرسة بدلا من أن أتحمل عبء طفل لا يفصله في العمر عني سوى ثلاث عشرة سنة .المصير المأساوي للأطفالأخبار المستقبل تنبئنا بمصير أسوأ للأطفال والوضع المأساوي للأطفال سببه ظاهرة الفقر وغلاء المعيشة ،ويبدو أن الآفة - رغم جهود أخرى لمحاربة الفقر - سوف تستمر.إن انتشار البطالة ،وعلى نطاق واسع ، يزيد من حال الفقر والعوز ويقلل القدرة على استهلاك السلع والخدمات التي سيفوز بها قلة أيضا ،سواء كانت صحية أو تعليمية أو ترفيهية ولكن ،والبطالة تتفاقم :هل يزداد تشغيل الأطفال، أم تنحسر هذه الظاهرة ليحظى الكبار أولا بفرص العمل ؟في سوق حرة للعمل ورأس المال ليست الافضليات الاجتماعية هي السائدة ،ولكن ما يفيد رأس المال هو ما يسود ، ومن ثم فان عمالة الأطفال التي تنافس عمالة الكبار -سوف تستمر وسوف يتلاقى عنصر العرض والطلب :عائلات تريد تشغيل أطفالها لتجني دخلا إضافيا ..وأصحاب عمل يريدون عمالة رخيصة فيلتقطون الفرصة ،وهذا يتطلب بناء مجتمع تستطيع الطفولة فيه أن تزدهر، وتحتضن ظاهرة الطفل الذي يشقى ،والطفل الذي يعمل مبكرا ،والطفل الذي يعمل بالبغاء ولا يفهم معناه.هناك مشكلةوهنا يجب الاعتراف بشجاعة أن هناك مشاكل في رعاية الأطفال في بلادنا،ابتداء من الأسرة التي تهمل العناية الصحية والبدنية للطفل ما يجعله عرضة للأخطار، وتنتهي بالمدرسة ،حيث يعاني الأطفال من ممارسة العنف ،ويضرب الأطفال في المدارس الابتدائية وإهمال السلطات المحلية ،حيث أصبحت الملاهي تكلف ثمناً باهظاً في شراء التذاكر للدخول ،وعدم وجود الملاعب للأطفال والحدائق العامة والمكتبات الخاصة بالأطفال ويتعرض الأطفال للعديد من الحوادث المرورية ،فيصبحون معاقين أو تتعرض حياتهم للخطر. تجارب مفيدةوفي هذه الحالة لا يوجد أمامنا حل سوى تشجيع الأطفال على القراءة وهذه التجربة تعتبر اقل إثارة ،ولكنها أغنى وأكثر فائدة، فبها يستطيع الطفل تطوير مداركه وتساعده في الحياة العامة والعملية في المستقبل ،فالبراءة تمنح الطفل صورة ذهنية عن كل كلمة يقرؤها فتحفز عنده الإبداع والتخيل وكذلك تفعل الكتابة،وكذلك علينا إتاحة الفرصة لمساعدة الطفل في قضاء وقت فراغه في مشاهدة برامج الأطفال عبر التلفزيون ،لان الطفل يحاول اكتشاف البيئة والواقع المحيطين به ،وتستهويه الأنشطة التي يختبر فيها إمكاناته الجسدية وتحريك عضلاته وهو بهذا يمارس شيئا طبيعيا فطر عليه ،والمشاهدة التلفزيونية تستحوذ مساحات الأنشطة الأخرى في حياة الطفل ومنها اللعب ،ويتميز اللعب عن المشاهدة بأنه يمنح الطفل الفرصة للتعرف على الواقع بنفسه،وبالتالي إضافة خبرات جديدة إلى مخزونه ناتجة عن التعامل الملموس والنشاط التجريبي الحسي ،وهذه الخبرات تشكل مع الزمن الكنز المعرفي لهذا الطفل الذي يتراكم ويزداد كما وكيفا .ولا يسعنا إلا أن نشير إلى إمكان توجيه هذه الطاقة الموجودة عند الطفل والحاجة إلى الحركة والانطلاق للاتجاه الصحيح المفيد ،كأن يقوم بالمساعدة في أعمال البيت أو انجاز أشياء مفيدة له أو للأسرة ،وهذا يكسب الطفل الشعور بالأهمية وبالدور الذي يقوم به داخل المجتمع الصغير ،مما يمنحه احترام الذات وتقديرها خصوصا إذا وجد التشجيع المناسب والتوجيه المفيد ،في حين أن معظم الأطفال يقضون ساعات طويلة في المشاهدة من البداية نتيجة عدم الحركة والرياضة.واللعب يفيد الطفل في بث روح الجماعة وغرس معنى الاجتماع والمشاركة الجماعية ،وهذا يمنحه الخبرة اللازمة للتعامل مع الآخرين والانخراط في مجتمعات جديدة عندما يدخلها للمرة الأولى دون عناء.