خالدأبوالدهبالمعالجة الدرامية الزمان :العقد الأخير من حكم الدولة المملوكيةسنة 1501 م : سنة 1517 مالمكان :إقطاعية مملوكية بالقاهرةالأحداث (8) -لا يعرف قيمة الأكرمية إلا أكرمي وكرامة الأكرمي لا تصونها إلا أكرمية.. -ابن العم لبنت العم.. وبنت الخال لابن الخال.. -إناثنا لسن سبايا كي نمنحهن لأغراب.لم يفعلوا بنا ذلك حفاظا على النسب الشريف وإنما خوفا من انفضاح الأمر بين رجال العائلات الأخرى.. حتى منديل العرض.. الحمامة البيضاء التي كانت ترفرف ساقطة من شباك غرفة العريس بعدما يلتصق بجناحيها ورقة وردة حمراء.. حبسوها في قفصها.. لم يسمحوا لأجنحتها أن ترفرف على مدار أجيال ثلاثة.. حتى لا تطير وتفضحهم .. وليس لان منديل العرض عادة جاهلية كما يزعم مشايخ الفتنة .. والفتة.-آآآآآآآآآآآآآآه يا أرض العار والكذب والخنوعخرجت منه مثل زفرة مهمومة وهو يقترب من ربع منازل عائلة العطار.. كانت علياء أول من قابل.. وأول من مسح عن عينيها نظرة العار و المذلة-أرفعي عينيك يا حبيبتي.. فأنت شريفة.. وإن كان هناك عار.. فهو عاري أنا .. لا عارك أنتشق قلب صمت الليل صوته الهادر.. الذي أيقظ أسرته وأسرة عمه وكل من في الربع من أعمام وأخوال وأقارب-العار عار رجالك يا أكرمية.. دماء بكارات نسائك قد حقنها جبن رجالك في عروق وأوردة المماليك .. لا عذارى هنا.. لا أحرار هنا.. لا رجال هنا .. لا حياة هنا .. لا شيء غير الموت و الصمت والمقت والكبت والنفاق والانبطاح .. فألف لعنة ولعنة عليك يا أرض الخوف والعار والعفن.-أسكتوه-اضربوه حتى يفيق من سكره-لقد سحره عنبر-لقد مسه جانمناوشات عديدة تعرض لها خلال ساعة.. تعنيف وسب وتطاول بالأيدي.. لكن ما آلمه أكثر هو موقف علي.. شقيق الزوجة وزوج الشقيقة وتوأم الروح.. وقف علي من خلف شباك غرفته يتابع ما يحدث له.. مثلما كانا يتابعان في السابق ما يحدث لعنبر.. شيء آخر أدمى قلبه في نهاية تلك الساعة.. وهي الصفعة التي نالها من يد والده.. الذي بعد نفاد صبره طالبه بان يصمت فواجهه أمام الحشد كله وقال صارخاً-هل كانت أمي عذراء يا أبي. (9) في نفس الليلة عاد يحيى إلى الجبل.. محافظاً على صدق وعده للحكيم قصي.. فقد كانت علياء معه.. هي التي اختارت ذلك.. وتحدت إرادة الجميع خاصة شقيقها عليا وهي تهرول من خلف يحيى .شهور مضت عليه هناك.. قضى معظمها في التدريب وما تبقى منها في القيام بعمليات انتقامية ضد جنود المماليك .. حتى كانت الليلة التي تمكن فيها من قتل مملوك سكران هاجم بيت أرملة عجوز.. غمس يده في دم المملوك قبل أن يلتقط خوذته وسيفه ويصعد مع أفراد المجموعة إلى الجبل وهو يمتطي جواد المملوك.هناك قابله قصي بسعادة لم يكن يتخيل أن يحمل تعبيراتها وجه كوجه قصي القاسي والمحتد التعبيرات دائماً.-اذهب وقابل زوجتك.. ثم أشار قصي نحو يد يحيى التي لازالت دماء المملوك الطرية تلمع عليها-لا تغسل هذه اليد إلا بعد الانتهاء من لقاء زوجتكفعل يحيى كما أمره قصي.. التقى بعلياء.. ومع أن لقاءاته معها لم تنقطع منذ أن صعدت معه إلى الجبل.. إلا انه قد شعر بأنه اللقاء الأول.. إذ انه وجدها قد أصبحت عذراء.(10) برغم اعتراض قصي وتحذيره من اصطياد المماليك له.. هبط يحيى إلى الأكرمية ممتطيا جواد المملوك.. كان يريد أن يمنح الإكرامية وخاصة عليا فرصة أخيرة.. فلما وصل إليها هتف-أموت مقتولاً وأشوف فيك يا بلد راجلثم دخل بيت عليا..وأطلعه على أمره.. طالبه أن يحذو حذوه وان يثأر لهند.. حتى يعيد البكارة إلى جسدها وجسد أمه ومن قبلهما يعيد البكارة إلى روحه التي اغتصبتها مذلة وهوان حكم المماليك.. ثم أشار نحو هند.. وقال انه مستعد لان يقتل ألف مملوك من أجلها.. لكن ذلك لن يجدي.. لأنها في عصمة رجل هو أولى بحقها من غيره.. حتى لو كان أخاها.. طالبه بان يحذو حذوه أو يطلق هنداً.. ثم امتطى جواده وعاد إلى الجبل.. وهو يصرخ في كل من يقابله-الرجل فيكم يرني منديله(11) تلاحقت الضربات التي وجهها أهل الجبل إلى عسكر المماليك وأذنابهم.. كان ليحيى دور مهم في ذلك عندما استحدث طرقاً جديدة للهجوم وللإغارة على معسكرات المماليك .عشرات المماليك قتلهم يحيى.. وفي كل مرة كان يعود إلى الجبل ويرفع يديه المخضبتين بالدماء أمام وجه قصي-ألا تطهر هذه الدماء عرض أمي وعرض أختي ؟-للبيت رب يحميه كما قال جد رسولنا الكريم.. ولعرض أمك وعرض أختك رجال هم أولى بحماية إعراضهم والذود عنها-لكنهم جبنوا-من أجل هذا استحقوا حياة العار-إلى متى يا سيدي ؟قالها يحيى صارخا في وجه قصي الذي بدا سعيدا بحماسته .. فقال له وهو يشير للأرض من تحت قدميه-إلى أن يسكر تراب الأرض بدماء آخر مملوك تلوث قدماه أرضنا.. عندها ستعود بكارة الروح إلى رجال الأكرمية وبكارة الجسد إلى نسائها.. حتى اللاتي سقطت أسنانهن وامتص العجز عودهن .. سيعدن عذراوات مثل حور الجنة.-إذا.. لنجعلن من أرض الأكرمية ناراً.-نعم.. لتكن أرض الاكرمية نارا تشوي لحم الطغاة وتطهر أرواح وأجساد أهلها من نجاسات الخزي والمذلة والعار.-(12) كان لكلمات قصي فعل السحر في يحيى وباقي الرجال.. الذين شددوا ضرباتهم بصورة أطارت النوم من عيني أمير الأكرمية.. الذي عقد مجلسه في حضور أعوانه من المماليك وأذنابهم من المصريين( محتسبين وملتزمين ونظار) وعدد من مشايخ الأفك يتزعمهم الشيخ عكاشة الذي عرض على الأمير خطة التصدي.فرض ضرائب ومكوث جديدة وسحب بعض السلع الأساسية من الأسواق ورفع أسعار ما تبقى منها تحت مبرر تعويض الخسائر التي تسبب فيها الهجوم والاضطرابات التي أثارها حرافيش وزعار الجبل .. وكذلك حشد المدجنين وأشباه الرجال من حرافيش الاكرمية في ما يشبه ثورة مضادة تنادي بالتصدي لممارسات أهل الجبل غير المسئولة التي تنال من أمن وأمان واستقرار الأكرمية.لم يعر قصي مخطط أمير الأكرمية أدنى اهتمام .. خاصة بعدما سرى التعاطف مع رجال الجبل بين أهل الأكرمية.. فصعد عدد كبير منهم مع زوجاتهم ومن بينهم علي وهند وزاد عدد المتطوعين في عمليات تستهدف ضرب دعائم سلطة المماليك .. مما حدا بقصي أن يخطط لعملية كبيرة تستهدف قتل محتسب الأكرمية واختطاف شيخ مشايخ الأفك والضلال المسمى بالشيخ عكاشة.(13) انكشف نجاح مخطط الأمير بعد تصدي عدد من رجال الأكرمية لرجال الجبل.. ففشل الجزء الأول من العملية وأفلت محتسب الأكرمية .. فعاد رجال الجبل إلى الجبل مع جثث ثلاثة من الرجال بينهم المغبوب .. وجوال يضم جسد الشيخ عكاشة..الذي لم يشف قلب قصي وضعه فوق الخازوق على أعلى سنة من الجبل.. فبكى وهو يتأمل أجساد الشهداء الثلاثة .. واعتصر قلبه الحزن مع باقي رجاله الذين هالهم أن يقتل الأكرمي بيد أكرمي دفاعا عن المماليك وأذنابهم.. عندها استدار قصي ببطء لييمم وجهه شطر الأكرمية وهو يطلق صرخة ارتجت لها جدران الجبل وأجساد من فيه من رجال-نزعت بكوريتكم كما نزعت بكارة إناثكم يا أهل المذلة والخيانة والانبطاح .(14) حتى الغطاء الذي كان ينكفئ على عار أهل الأكرمية قد انكشف.. لا مولود ذكر يمتص عار أنثى غير عذراء.. ابنة عم كانت أو ابنة خال أو ذات قربى.. على مدار ثلاثة أعوام لم تحبل امرأة أكرمية بولد.. فقبع عنبر في مكانه أعلى الجبل.. بعدما شعر أن مهمته قد انتهت.. فأهل الأكرمية لم يصبحوا في حاجة إلى من يستفزهم بالتحقير من رجولتهم.. بعدما أصبحت الرجولة والكرامة والشرف محض ذكرى.. محض سراب.. وسط جيل كامل من الإناث والعار والفضيحة.عدد من الرجال والنساء حملوا إناثهم وصعدوا باكين إلى الجبل.. عفروا وجوههم بالتراب تحت أقدام قصي ورجاله.. خيروه بين أن يدعو الله أن يرفع بلاءه عنهم أو أنهم يئدون إناثهم في سفح الجبل.. حتى يواري ترابه عارهم الذي ما بعده عار.-لا منجاة لكم اليوم من غضب الله.. ارتدوا إلى جاهليتكم الأولى حتى يتلاشى وجودكم.. أو ثوروا.-لا عاصم لكم من طوفان العار والمسخ إلا بالغضب والثورة والثأر.. انتفضوا.. اقتصوا ممن ظلموكم ومسخوكم وأهدروا آدميتكم حتى تستحقوا أن تحيوا كراما يا رعاع.-بكارة إناثكم هناك.. بكورية نسلكم هناك.. ما فقدتموه من كرامة ومن حقوق ومن خير ومن حب ومن حرية هناك.. مصلوب هناك.. مسجون هناك.. في عروق وأوردة الأمير الفاسد وكبار مماليكه ومحاسبيه وأغواته وخصيانه وكلابه الناهشة في لحمكم .قال قصي ما قاله وهو يشير نحو الأكرمية.. وبالتحديد.. نحو قصر أمير الأكرمية.. والى هناك.. إلى حيث أشار قصي.. توجهت الجموع الغاضبة(15) - هذه من أجل أمي-هذه من أجل طفلي الذي قتله الطاعون-هذه من اجل حبيبة وزوجة عاشت دهرا بين ذراعي دون أن ترى رجلا-هذه من أجل أبي الذي مات مظلوما-هذه من أجل وليد سوف يولد -هذه من أجل شمس سوف تشرق-هذه من أجل غد سوف يأتي- هذه من اجل نبتة سوف تنبت.. وثمرة سوف تثمر وسماء سوف تمطر وأرض سوف تحبل بالعطاء-هذه من أجل الحياة-هذه من أجل الموت.. تقدس سر الموت حين يحصد أروح الكلاب-هذه من أجل لا شيء.. فلأنكم لم تتركوا لي شيئاً.. أصبحت لا شيئاً.. إنها ضربة يسددها العدم إلى العدم والمقت إلى المقت والخواء إلى الخواء.في هذا النهار.. كان لكل رجل ليلى.. يبكي عليها .. ويبكي من أجلها.. يسكب دم المملوك الذي يقتله على جسدها .. ويغسل به جلدها حتى يمحو بصمات عصر من المذلة والهوان والتردي .نهارا أحمرا .. نهارا بلون الدم عاشته الأكرمية.. قاتل فيه الثوار وقتلوا .. تحت ظلال الكرامة والشرف والكبرياء.. حتى خلت الإكرامية من المماليك.. فمن لم يقتل فيهم قد لاذ بالفرار.وعندما أسبل الليل سدوله.. طاف قصي من فوق جواده بالثوار وقد ارتفعت أصواتهم بالتكبيرات.-أذهبوا وقابلوا زوجاتكم قبل أن تغتسلوا-وماذا يفعل من ماتت زوجته يا بني؟التفتت أعناق الرجال المحتشدين نحو مصدر الصوت.. وعلت وجوههم تعبيرات التعجب قبل أن تقع أعينهم على صاحب الصوت الذي نادى قصي وهو اكبر من فيهم سنا قائلا “يا بني “رجل طاعن في السن على مشارف العقد التاسع يقف ممسكا بسكين يقطر الدم من نصله وقد سكنت عيناه نظرة حزن عميقة-أذهب إلى قبرها.. واسألها أن تسامحك يا عماهمضى العجوز في طريقه ومن حوله تفرق الرجال نحو منازلهم .. التي انفتحت شبابيكها على مدار ساعات الليل .. ليطلق كل شباك حمامة.. و الحمامة لونها أبيض.. ترفرف ساقطة وعلى جناحيها ورقة وردة حمراء.. بعدما عادت إلى نساء الأكرمية بكارة الجسد والى أجساد رجالها.. بكارة الروح .
|
ثقافة
لا عذارى هنا (الجزءالثاني)
أخبار متعلقة