قصة قصيرة
فاطمة الزهراء العلوياصطدمت بها عيناي وأنا أعانق في أحد المتاحف ، لحظة إبداع الإنسان وتوادده مع الطبيعة ، حيث من مخياله تتدفق إسراءات العطاء ، ومنها يتدفق الإستيلاد دون انقطاع...كان الوقت صيفا ، والحرارة في الخارج - خارج المتحف - تفوق الأربعين...لذلك تعمدت أن أمتد مساحة زمنية طويلة في بصماتهم… هؤلاء الفنانين ... تصاحب خطواتي في الرواق سيمفونية رقيقة هادئة من أنامل بتهوفن..حين ...اصطدمت بها عيناي...إنها لوحة الجامع (الكتاب).تتوسط مجموعة كبيرة ونادرة من اللوحات ولأشهر الفنانين. يتماوج فيها اللون الرمادي الفاتح والبني الغامق. الصلصال من عليها يبدو باهتا...لكن (سورة الفاتحة) يتوهج ضوؤها ألقاً، يسقط كل الألوان ، في إبداع فريد لا يعرف كنهه إلا الرحمن.لوحة الجامع..وتتدفق الذاكرة..تسقط كـ(جلمود صخر)...يتراءى لي الشيخ - عبدالرحمن- بجلبابه الأبيض الذي يتوسل آلية اللون أن تبقي ذرة فيه، وبطربوشه الأحمر القاتم، وبعصاه الرقيقة التي ترجف الأعين الصغيرة إذا ما امتدت في الهواء.كان يأمرنا بمسح الصلصال من على الالواح ، إذا نحن لغونا..وبشدة وبصوت مبحوح يأمرنا بحفظ (سورة الرحمن وسورة الواقعة )...وبجملة قاسية ينهي عقوبته (إن لم تفعلوا سأنشركم على الحائط بدلا من الألواح)اللغط كبير... يغالط القراءة أحيانا. ونحن نتسرب تحت بعضنا البعض هروبا من العصا الرقيقة.الشيخ - با عبد الرحمن- لم يغير مكانه أكثر من أربعين سنة. يحادي كرسيه الباب وتحادي عينه مسامات الحارة. يعرف كل شيء عنها.ولذلك اعتمد عليه السكان في تقريرات الزواج والنسب فيما بينهم. والإتيان بكل التفاصيل الصغيرة والكبيرة فيما يخص العروس المرتقبة مستقبلا .. كل خاطب يتوجه إليه - إذا كان غريباً عن الحي - بداية ليتعرف على العائلة وتفاصيلها ..ظل " الشيخ عبد الرحمن " يناديني باسم غير اسمي. وكلما مررت بجانبه وأنا في سن تخطت الطفولة بكثير ، أنحني أقبل يديه وألمس العصا بحنانطرقت بابه هذا الصيف ، فوجدتها...اللوحة تتصدر بيته المتواضع.ومن صوتها المليء بالحشرجة، عرفت من ابنته بأنه قد ودع الحياة.تاركا اللوحة...هديةوباسمي الحقيقي..