إعداد / د. محمد أحمد الدبعيالصحة نعمة متجددة،غالية لا تقدر بثمن، فلا يحسن معرفة العافية إلا من عانى الأمرين وذاق الألم ومرارته لعلة أصابته أو لمرض أذاقه صنوف الأوجاع، فيالها من نعمة عظيمة تستوجب منا الحمد والثناء للمولى عز وجل.إنها بحق تاج على رؤوس الأصحاء، وكذلك التحصين ضد شلل الأطفال في كل حملة تطعيم، والتحصين الروتيني الذي يتخذ نسقاً منتظماً ليس فيه إخلال بمواعيد أو إقصاء أو تحييد لأي جرعة من لقاحاته، فهما يشكلان معاً عامل قوة لجهاز المناعة بالجسم يتوج صحة الطفل المحصن بالوقاية الكاملة من اعتلالات وخيمة تهدد صحته، بل وحتى حياته.هذا شأن مرض شلل الأطفال وغيره من أمراض الطفولة التي يعد التطعيم واقياً أساسياً يجنب الأطفال الإصابة بأيٍ منها، ذلك لأن داء شلل الأطفال ليس بأقلها خطورة، بل أسوأها تهديداً وإلحاقاً للضرر بما يسببه من إعاقة تلازم الإنسان الذي أصيب بالمرض مدى الحياة، وأحياناً- إذا ما طال عضلات معينة أعلى الصدر فأصابها تكون النتيجة وخيمة ومؤلمة للغاية، حيث يعطل مرونتها ويتسبب بضمورها، ما يؤدي إلى عجز الطفل المصاب عن التنفس ومن ثم وفاته، على أثر ذلك.لقد أدرج عن استحقاق في أولويات منظمة الصحة العالمية لاستئصاله من العالم أجمع على غرار استئصال مرض الجدري قبل عقود، حتى تضع نهاية لعبث هذا الداء الوخيم المستمر في تدميره لعافية الأجيال. وقد تبنت دول العالم قراراً باستئصاله عام 1988م خلال اجتماع الجمعية العمومية لمنظمة الصحة العالمية من أجل احتواء خطره والقضاء عليه باستئصاله تماماً، لتطوى صفحات ماضٍ أليم كبل فيه المرض بالإعاقة الكثيرٍ من الأطفال، ويصير- بالتحصين- أثراً بعد عين بعد أن كان في عداد الأمراض القاتلة.. فحتى العام 1988م كانت تستوطن فيروسات شلل الأطفال (125) دولة، وكان العالم يشهد في كل عام حتى ذلك التأريخ نحو(350ألف) حالة إصابة بالشلل. وبمرور السنوات أثمر الاهتمام بالتحصين الروتيني ورفع التغطية بجرعاته الكاملة للمستهدفين من الأطفال، وكذلك حملات التطعيم التي نفذت مراراً، أثمرت في الحد من انتشار الفيروسات المسببة للمرض، والنتيجة.. أن كان لها وقاية ( 8 ملايين) إنسان من الإصابة بإعاقة مستديمة.غير أنه لا تزال حتى اليوم بلدان حول العالم ترزح تحت وطأة المرض في أفريقيا، ومن أبرزها- بسبب الوبائية العالية للمرض- (نيجيريا)، وفي آسيا مثل(أفغانستان، الهند، باكستان).تليها بمستوياتٍ أدنى بلدان أخرى أفريقية مثل ( تشاد، الكونجو الديمقراطية، أنجولا..). واليمن والحمد لله تجاوزت مشكلتها الكبيرة مع مرض شلل الأطفال، إذ أنها منذ ست سنوات تشهد حالة من المعافاة، وخالية تماماً من انتشار فيروسات شلل الأطفال البرية، والعمل دؤوب في برنامج الترصد الوبائي بوزارة الصحة العامة والسكان وفق المعايير العالمية وفيه استقصاء وفحص جميع الحالات المشتبه والمحتمل أنها ربما تكون حالات إصابة جديدة، ثم إرسال عينات منها للتأكيد القاطع للإصابة أو عدمها وذلك إلى المختبرات المرجعية في(اطلنطا) بالولايات المتحدة الأمريكية، وبفضل الله، تبين حتى الآن أن كل الحالات المشتبه والمحتملة ليست لمرض شلل الأطفال، مما يؤكد عدم وجود فيروسات شلل الأطفال البرية في البيئة اليمنية وخلوها تماماً منها..ولم يكن هذا الإنجاز الذي حققته البلاد، ليترك دون الاستمرار في المحافظة عليه- حتى لا يذهب سدى أدراج الرياح - لذلك دأبت وزارة الصحة العامة والسكان وبرنامجها الوطني للتحصين على رفع وتيرة التحصين سواءً الروتيني عبر المرافق الصحية والذي شهد على مدى أعوام متتالية إنعاشاً برفع نسبة التغطية بجرعاته للأطفال المستهدفين دون العام والنصف من العمر، أملاً في الوصول إلى النسبة المناسبة في شمول المستهدفين بالتحصين والتي تجعل اليمن آمنة من أمراض الطفولة التسعة القاتلة وذلك ببلوغ نسبةٍ أعلى من (90 %) في عموم البلاد، وليس في مناطق دون أخرى- كما هو حاصل الآن نتيجة ضعف وعي بعض المواطنين- فبتلك النسبة للتحصين الروتيني يمكن للحد من اختراق داء الشلل الحدود وتسلله إلى أراضينا قادماً - عبر حركات السفر المتواصلة حول العالم- من البلدان الموبوءة أو حتى الأقل وبائية، فينتشر من خلال حاملي عدوى المرض إلى بلدان وبيئات قد تخلصت من هذا الداء مسبقاً ليحل المرض وتحل الكارثة بالأطفال ضعيفي المناعة بسبب عوز الغذاء، أو على الذين لم يحصلوا على كفايتهم من جرعات التحصين ضد شلل الأطفال، سواءً من خلال ما نفذ من حملات التطعيم التي تستهدف الأطفال دون سن الخامسة، أو لعدم استكمال من هم دون العام والنصف من العمر لجميع جرعات التحصين الروتيني. هذا - إذن- المشهد الحقيقي في اليمن، وهو لا يخلو من التعقيد طالما قلة من الناس يحرمون أطفالهم من التحصين الروتيني أو لا يواصلون إعطائهم كامل الجرعات حتى آخر جرعة، بدءاً من تحصينهم بعد الولادة ولو حتى من اليوم الأول على ولادتهم، ثم الانضباط في زيارات وجلسات التطعيم بحسب الموعد، ومواصلتها ولو تأخرت قليلاً عن موعدها. بالتالي لا بد من تواصل تنفيذ حملات وطنية للتحصين لتكون داعمةً للتحصين الروتيني، وهي ليست- كما يظن البعض- بديلة عنه بل أنها تعزز مناعة أطفال اليمن، كي لا يقعوا فريسة الإصابة بالمرض. وقد بدأ تنفيذ هذه الحملات في اليمن منذ عام 1996م بوتيرة عالية إلى أن أوشكت بعد سنوات على الخلو من فيروس شلل الأطفال، لولا أن استجدت أوضاع جديدة أواخر العام 2004م لم تكن بالحسبان، لدى وفود فيروساته البرية الوخيمة من بلدان موبؤة، انطلاقاً من(نيجيرياً) بأفريقيا التي يستوطنها المرض وما جاورها من بلدان موبوءة وامتدت رقعة الانتشار لها بوتيرة عالية فحلت بأرض السودان التي شهدت وبائية عالية للمرض خلال العام 2004م، ومنها تسللت فيروسات شلل الأطفال إلى السعودية واليمن عبر الحدود وتحديداً مع موسم الحج من خلال بعض الحجيج الحاملين للعدوى وقد قصدوا بيت الله الحرام بالمملكة العربية السعودية لأداء هذه الفريضة ، فشهدت اليمن نهاية العام 2004م وخلال العام 2005م، ظهوراً وزيادةً في حالات الإصابة بشلل الأطفال حتى تعدت(450) حالة إصابة ؛ ولم يكن فيروس الشلل من النوع المعهود، بل من النوع الأول الأشد ضراوة ووبائية بين الأنواع الثلاثة للمرض، والأكثر تسبباً في إحداث الشلل والإعاقة ، ما استدعى دخول البلاد مرحلة جديدة لاحتواء المشكلة فنفذت وكثفت فيها حملات تحصين وطنية على فترات، أثمرت بعد ذلك في انحسار خطر المرض وعدم ظهور إصابات جديدة منذ فبراير 2006م.وباستمرار اليمن خالية من المرض لأكثر من ثلاث سنوات واستيفائها للمعايير والشروط المطلوبة والمحددة التي تؤكد خلوها من سريان فيروسات الشلل البرية، نالت بذلك استحقاقاً من منظمة الصحة العالمية بخلوها من فيروس شلل الأطفال عام 2009م، وذلك بعد بحث وتمحيص وتحققٍ من لجنة الإشهاد على ذلك، ما أوصلها- في نهاية المطاف- إلى نيل هذا الاعتراف.وإذ بنا على أعتاب تنفيذ حملة التحصين الوطنية ضد شلل الأطفال في الفترة من (13-11 يونيو2012م) من منزلٍ إلى منزل في عموم محافظات الجمهورية، نجدها- دون مبالغة- رافد بناء يعزز مناعة الأطفال دون سن الخامسة بعد أن سبق حصولهم على جرعاتٍ مماثلة في الحملات وجولاتها التي توالت منذ نوفمبر 2011م وحتى مطلع أبريل 2012م.فالواجب على الآباء والأمهات تحصين أطفالهم المستهدفين دون سن الخامسة بلا استثناء، بغض النظر عن التطعيمات السابقة مهما تعددت أو تكررت جرعات التحصين. [c1]* المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكاني بوزارة الصحة العامة والسكان[/c]
|
ءات
التحصين ضد شلل الأطفال .. لحيــاة صحيــة واعـــدة
أخبار متعلقة