كتبت/ دنيا هانيعلينا أن نمنح المعاق فرصة إثبات الذات حتى يثبت لنفسه أولاً أنه قادر على العطاء والتفوق على إعاقته أياً كان نوعها وهذا يتم إذا منحت له الفرصة لذلك ولكي يثبت للناس أنه قادر على مواجهة هذا التحدي إذا ما تم دمجه مع المجتمع وتلقى الدعم والمساندة.فالمعاق معاق العقل والقيم وليس معاق الجسد, وهو في الأول والآخر إنسان منحه الله الحق في الحياة.. ولحكمة منه أراد أن يختبر المعاق أو أسرته بخلقه وهو فاقد لإحدى حواسه..فالمعاقون لا يمكن تجاهلهم فهم موجودون في كل زمان ومكان وبالماضي كان أكثر فئات الإعاقة الحائزة على الاهتمام هم المكفوفون والصم، وفي القرن التاسع عشر بدأ الاهتمام بالمعاقين عقلياً بينما قبل ذلك وأعني في القرن الثامن عشر لم يكن لهذه الفئة أي اهتمام أو عناية، ومن ابرز الخدمات التي قدمت بعد ذلك هي إنشاء ملاجئ لحمايتهم من المجتمع, الذي كان ينظر للمعاقين بأنهم أناس لا يستحقون الحياة وبأنهم غير موجودين أصلاً. والمعروف أنه من أبرز العلماء الذين كان لهم جهود رائعة في مجال التربية الخاصة: «ايتارد وسيجان من فرنسا، هوي، هيلين كلير، لورا برجمان، جالديت، الفرد ستراوس، وليام كروكشانك، هيلمر مايكل بست في أمريكا».وهنا نتعرف على نموذج رائع للمعجزة الإنسانية هيلين كلير (عمياء، صماء، بكماء) ولكنها أديبة ومحاضرة وناشطة أمريكية وتعتبر أحد رموز الإرادة الإنسانية، حيث إنها كانت فاقدة السمع والبصر، واستطاعت أن تتغلب على إعاقتها وتم تلقيبها بمعجزة الإنسانية لمقاومتها تلك الظروف التي كانت بمثابة معجزة. والتي عاشت خلال الفترة (27 يونيو 1880م - 1 يونيو 1968م) وحكاية هيلين أنها قبل أن تبلغ الثانية من عمرها أصيبت بمرض أفقدها السمع والبصر، ومعنى ذلك عجزها عن الكلام لانعدام حاسة السمع.وفي السادسة من عمرها تعلمت هيلين كتابة الحروف الأبجدية بأصابعها على كفها من معلمتها سوليفان التي كانت هي الأخرى فاقدة لبصرها ولكنها استرجعته رويداً رويداً حينما كانت في معهد للعميان. وبعد ذلك وتحديداً في سن العاشرة أصبح بإمكانها الاتصال بالآخرين عن طريق تعلمها قراءة الأبجدية الخاصة بالمكفوفين. وبعدها تعلمت الكلام على يد معلمة تدعى سارة فولر تعمل رئيسة لمعهد (هوارس مان) للصم في بوسطن وذلك بوضع يديها على فمها أثناء حديثها لتحس بدقة طريقة تأليف الكلمات باللسان والشفتين.وبالعزيمة والتحدي الذي كانت تمتلكه وبعد مرور فترة طويلة استطاعت أن تحسن من نطقها للحروف والكلمات التي تعلمتها وبعد انقضاء أعوام في مجال تربية وتأهيل المعاقين أصبحت قادرة على تحسين نطقها وخطها أثناء الكتابة.تخرجت من الجامعة عام 1904م وتحصلت على بكالوريوس علوم في سن الرابعة والعشرين. بعد أن التحقت بمعهد كمبردج للفتيات وبمساعدة الآنسة سوليفان التي كانت ترافقها وتنقل لها المحاضرات.وذاعت شهرة هيلين كيلر فراحت تنهال عليها الطلبات لإلقاء المحاضرات وكتابة المقالات في الصحف والمجلات. وبعد تخرجها من الجامعة عزمت هيلين على تكريس كل جهودها للعمل من أجل المكفوفين، وشاركت في التعليم وكتابة الكتب ومحاولة مساعدة هؤلاء المعاقين قدر الإمكان. وفي أوقات فراغها كانت هيلين تخيط وتطرز وتقرأ كثيراً، وأمكنها أن تتعلم السباحة والغوص وقيادة المركبة ذات الحصانين. ثم دخلت في كلية (رد كليف) لدراسة العلوم العليا فدرست النحو وآداب اللغة الانجليزية، كما درست اللغات الألمانية والفرنسية واللاتينية واليونانية، ثم قفزت قفزة هائلة بحصولها على شهادة الدكتوراه في العلوم والدكتوراه في الفلسفة.كما شاركت هيلين في الثلاثينات من القرن الماضي بعدة أنشطة سياسية وقامت بجولات متكررة في مختلف أرجاء العالم في رحلة دعائية لصالح المعوقين للحديث عنهم وجمع الأموال اللازمة لمساعدتهم، كما عملت على إنشاء كلية لتعليم المعوقين وتأهيلهم، وراحت الدرجات الفخرية والأوسمة تتدفق عليها من مختلف البلدان، وألفت كتابين ووفاتها كانت عام 1968م عن ثمانية وثمانين عاماً.هذا كان موجزاً بسيطاً لحياة هيلين كيلر التي لم يمنعها فقدانها البصر ولا الصمم عن تأليف كتابين وتعلم ثلاث لغات والحصول على شهادتي دكتوراه.ما زال هناك أمل* مثال يحتذى به ليس في عالم المعاق فقط ولكن في عالمنا نحن الأصحاء الذين أنعم الله علينا بالكثير من النعم ونحن غافلون عنها ولا نعرف قيمتها إلا إذا فقدنا شيئاً منها.. ماذا قدمنا في حياتنا وماذا نتمنى من الحياة لكونها منحتنا عمراً آخر نعيشه؟ فلنتعلم كيف نتحدى إعاقتنا بإرادتنا فما زال هناك أمل.
عـــالم لايخلو من الأمــــل
أخبار متعلقة