عندما فتحت عيني تفتحت على رؤية سيل وادي تبن والغيل الذي كان يسيل فيه كل سنوات الشتاء.. أما الذهاب من قرية الشضيف (قريتي) إلى المدرسة المحسنية بلحج الحوطة صباحا فكانت والله العظيم لوحة جميلة فما أن تلامس ارجلنا ذلك الماء الذي يترقرق من تحت الأحجار الملونة بصفائه ونقائه ونحن نسير باتجاه المدرسة أنا وزملائي .. كانت عيناي تقولان يا سلام يا سلام .. انظر إلى أشجار النخيل أنظر إلى المزارع من حولك ذات اليمين وذات الشمال وعيدان الذرة تتمايل مع نسائم الصباح والطل يتبدى من أوراق عيدان الذرة والقطن وبانجناه والعصافير والبلابل والحمام تعزف سيمفونية جميلة.. حتى الهدهد كان يظل أمامنا ويطير ثم يقف. أما أصوات تلك الطيور الصغيرة وهي تنقم حبوب الذرة في كل صباحاتنا فإنها اصوات لا يستطيع أن يبدع مثلها لا بتهوفن ولا موزارت ولا باخ حتى القمندان استمد منها روحه الفنية والحانه الجميلة رغم ذلك لن يستطيعوا أن يغردوا مثل اصواتها وهي تنساب إلى آذاننا ونحن ذاهبون إلى المدرسة فتشعرنا بالنشوة والجمال. ونحن في الطريق يقابلنا عبر فالج وهو أيضا نراه مملوءاً “بالدفر” إنها أرضي ووطني ونشيدي الذي قاله أمير شعراء الجنوب القمندان .. بلادنا نحبها .. لحج وواديها تبن .. فيها الجناحان بيزج وفالج .. لحج الهناء تبن الرخا .. رب اسقها حتى عدن .. وهل لك أيها الوادي ثمن .. لله درك يا وطن .. هذا الوطن لوحة عظيم ومدرستنا المحسنية من أروع اللوحات هي والمدرسون الذين فيها من اروع وأجمل وأرقى أبناء الجنوب : علي عبد العليم وعلي ناصر محمد وحسن عطا وعبد القيوم والهونطق وعبدالله عباد وآل عباد الحسيني وأمراء دار عبد الله ومدرسو الحمراء أسماء كثيرة كثيرة .. أما الشارع فقد كانت فيه دور مسارح وسينما وفرق موسيقية على رأسها فرقة تبن والجنوب وعبد الله هادي سبيت وفضل اللحجي وحسن عطا.. أما بيت القمندان الذي كان محكمة ومحاكم عادلة وقضاة كالشيخ كامل عبد الله صلاح ومرافق شرطة وضباطها اصحاب البدلات الأنيقة أما فرقة الجيش للقرب الموسيقية فكان صوتها يصل إلى اسماعنا ونحن بالصفوف وهم يتدربون كل صباح بملعب الشهيد معاوية حاليا فقد كان لنا جيش وشرطة ودستور وفنانون وشعراء كصالح نصيب والسلامي وسالم حجيري واحمد عباد الحسيني قدموا لنا الحوطة كاملة ومكتملة في كل شيء كأنها نسخة من الجمهورية العربية المتحدة. أما القادمون من المعاشيق ومن عدن .. فقد كنا نرى السيارات التي تمر أمام المدرسة .. حاملة العائلات يوم الأحد ذاهبين إلى الحسيني في نهاية كل أسبوع وفي آخر ربيعين في صفر كنا نرى السيارات لوحات جميلة من الآيات الربانية في الجمال والأناقة نقلت إلي مشاعر وأحاسيس نحوك يا عدن الجميلة والتواهي وفعلا عشت فيك ودخلت إلى توأم المستعمرات توأم جبل طارق وسكنت بالقرب من ذلك الأفق الذي يشدك إلى المحيط الهندي وبحر العرب وتصلك نسائم الهند وسيلان بالقرب من دار الرئاسة دار المندوب السامي القومي سابقا (القصر المدور حاليا) وفوق دار الرئاسة كان يرفرف علم جمهوريتنا وهو يستقبل ويودع كل السفن القادمة من أوروبا والذاهبة من آسيا إلى كافة أنحاء العالم .. عدن برج المراقبة الذي يطل على كل حركة الحياة في العالم .. أما الحياة فيك يا عدن فهي نسائم البحار والجبال الجميلة.. وسبحنا في مياهك الساحرة وتمتعت عيناي برؤية حتى تلك الحيتان التي تظهر في البحر كل صباح ثم تغوص ثم تظهر ثم تغوص وكأنها تستمتع بتلك المياه بجولد مور .. أما معاشيق فلن ننساها أبدا فهي ملكنا وملك أولادنا لابد أن يستمتعوا بها ويعيشوا بداخلها إنها ليست ملكية خاصة وليس لأي كائن كان أن يحرمنا ويمنعنا من الدخول إليها بعد أن عشنا أحلى أيام عمرنا وحياتنا التي احتضنتها سواحل المعاشيق ومسبحها وسينما بلقيس وأبو الوادي ونحن فوق رمالها الجميلة الناعمة والبحر قربنا والقمر يرسل ضوءه الجميل على قبة الولي أبو الوادي والعائلات من عدن الجميلة وضواحيها سامرون سعداء في أمن وأمان تنساب إلى الآذان الأغاني العربية وأم كلثوم وأحمد قاسم والهندية والغربية وكأننا فوق بساط الأحلام التي لا تراها بل تحس بها إحساسا .هذه الأحاسيس جعلتنا نقول افتحوا طريق معاشيق وافتحوا الجبال والسواحل لأبناء عدن ولأبناء الجنوب جميعا .. لكي يعيشوا ذلك الحلم الذي عشناه ولا زلنا نعيش فيه ولا زلنا نطلب أن نعيش فيه .
|
آراء
من لحج الخضيرة .. افتحوا طريق المعاشيق
أخبار متعلقة