ظاهرة انحراف الأطفال ..الأسباب والحلول
إعداد/ محمد فؤادتعد ظاهرة انحراف الأطفال من المشكلات الاجتماعية التي لها خطورتها على المجتمعات الحديثة كما أنها تتزايد نتيجة للتقدم الحضاري والصناعي.والطفل صغير السن يقوم بأفعال وتصرفات تخالف أنماط السلوك العادي ويرجع سبب انحرافه إلى تفكك الأسرة وفقرها وهي اللبنة الأولى في المجتمع التي ينشأ فيها الطفل، وحرمان الطفل من حاجاته الضرورية مثل المأكل الجيد والملبس والمسكن المناسب والوضع الاجتماعي المناسب الذي تكون عليه الأسرة. وكثرة النزاعات الأسرية والمشكلات التي تنشأ بين الوالدين يفقده إحساسه بالأمن والثقة والطمأنينة كما أن اللين الزائد والقسوة الزائدة والإهمال من جانب الوالدين يساهم في انحراف الأطفال وتشردهم وضياعهم إضافة إلى التفكك الأسري. الذي يؤدي إلى هرب الطفل من المدرسة ومصاحبة أصدقاء السوء الذين يدفعونه إلى الفساد والعادات السيئة مثل التدخين أو السرقة ما يؤدي إلى التصرفات السيئة الأخرى وسلسلة من الانحرافات تنتهي بإيداع الطفل المنحرف في احدى الإصلاحيات. يتمثل دور الأسرة في احتضان أبنائها والعطف عليهم وتوفير الحماية لهم والاهتمام بغرس الأخلاقيات الطيبة في نفوسهم وتعليمهم الصلاة والصيام والعبادات وحفظ القرآن الكريم الذي ينير لهم طرق الاستقامة والرشاد والصلاح.[c1]أهمية الأسرة[/c]إن الأسرة لها اثر ذاتي في التكوين النفسي في تقويم سلوك الفرد وبعث الحياة والطمأنينة في نفس الطفل فمنها يتعلم اللغة ويكتسب بعض القيم والاتجاهات وقد ساهمت الأسرة في طريق مباشر في بناء الحضارة الإنسانية وإقامة العلاقات التعاونية بين الناس ولها يرجع الفضل في تعليم الإنسان لأصول الاجتماع وقواعد الآداب والأخلاق كما هي السبب في حفظ كثير من الحرف والصناعات التي توارثها الأبناء عن آبائهم .[c1]واجبات الأسرة تجاه الأبناء[/c]إن الأسرة مسئولة عن نشأة أطفالها نشأة سليمة متسمة بالاتزان والبعد عن الانحراف, وعليها واجبات ملزمة برعايتها هي:* أولا: أن تشيع في البيت الاستقرار والود والطمأنينة وان تبتعد عن جميع ألوان العنف والكراهية والبغض فإن اغلب الأطفال المنحرفين الذين تعودوا على الأجرام في كبرهم كان ناشئاً ذلك- غالباً من عدم الاستقرار العائلي الذي فنيت به الأسرة. يقول بعض المربين :(( نحن لو عدنا إلى مجتمعنا الذي نعيش فيه فزرنا السجون والشوارع ومستشفيات الأمراض العقلية. ثم دخلنا المدارس وأحصينا الراسبين من الطلاب, والمشاكسين منهم والمتطرفين في السياسة, والذاهبين إلى ابعد الحدود, ثم درسنا من نعرفهم من هؤلاء لوجدنا أن غالبيتهم حرموا من الاستقرار العائلي ولم يجد معظمهم بيتا هادئا فيه أب يقسو عليهم, وأم لم تدرك معنى الشفقة ولذلك فلا تفرط في الدلال ولا تفرط في القسوة. وفساد البيت أوجد هذه الحالة من الفوضى الاجتماعية واوجد هذا الجيل الحائر الذي لا يعرف هدفا ولا يعرف له مستقراً)) .إن إشاعة الود والعطف بين الأبناء له اثر بالغ في تكوينهم تكوينا سليما, فإذا لم يرع الآباء ذلك فإن أبناءهم يصابون بعقد نفسية تسبب لهم كثيرا من المشاكل في حياتهم ولا تثمر وسائل النصح والإرشاد التي يسدونها لأبنائهم ما لم تكن هناك مودة صادقة بين أفراد الأسرة وقد ثبت في علم النفس أن اشد العقد خطورة وأكثرها تمهيداً للاضطرابات الشخصية هي التي تتكون في مرحلة الطفولة الباكرة خاصة من صلة الطفل بوالديه كما أن تفاهم الأسرة وشيوع المودة فيما بينهم يساعد على نموه الفكري وازدهار شخصيته.* ثانياً : أن تشرف الأسرة على تربية أولادها وقد نص علماء الاجتماع على ضرورة ذلك وأكدوا أن الأسرة مسئولة عن عمليات التنشئة الاجتماعية التي يتعلم الطفل من خلالها خبرات الثقافة وقواعدها في صورة تؤهله فيما بعد لمزيد من الاكتساب وتمكنه من المشاركة التفاعلية مع غيرة من أعضاء المجتمع كما أكد علماء التربية أهمية تعاهد الآباء لأبنائهم بالعطف والحنان والحب عليهم والرأفة بهم حفظاً وصيانة لهم من الكآبة والقلق وقد ذكرت مؤسسة اليونسكو في هيئة الأمم المتحدة تقريرا مهما عن المؤثرات التي تحدث للطفل من حرمانه من عطف أبويه جاء فيه :(( إن حرمان الطفل من أبيه وقتيا كان أم مستداماً- يثير فيه كآبة وقلقا مقرونين بشعور بالإثم والضغينة ومزاجا عاتيا ومتمرداً وخورا في النفس وفقداً لحس العطف العائلي فالأطفال المنكوبون من حرمانهم من آبائهم ينزعون إلى البحث في عالم الخيال عن شيء يستعيضون به عما فقدوه في عالم الحقيقة وكثيرا ما يكونون في مخيلتهم صورة الأب مغوارا أو ألام من الحور.... وقد لوحظ في معاهد الأطفال انه كانت صحة الطفل البدنية ونموه العضلي وضبط دوافعه الإرادية تتفتح وتزدهر بصورة متناسقة في تلك المعاهد فإن انفصاله عن والديه قد يؤدي من جهة أخرى إلى ظهور بعض المعايب كصعوبة النطق وتمكن العادات السيئة منه وصعوبة نمو حسه العاطفي))إن أفضل طريقة لحفظ الأبناء مصاحبتهم ومراقبتهم ويرى المربون المحدثون(أن أفضل ميراث يتركه الآباء إلى أبنائهم هو بضع دقائق من وقته كل يوم ) ويرى بعض علماء الاجتماع والباحثون في إجرام الأحداث ( أن أفضل السبل للقضاء على انحراف الأحداث هو أن يلقط الآباء الأطفال من الشوارع ليلا) وإذا قام الأب بواجبه في مراقبة أبنائه ومصاحبتهم فإنه من دون شك يجد ابنه صورة جديدة منه فيها كل خصائصه ومميزاته وانطباعاته وعلى الآباء أن يتركوا مجالس اللهو والمقيل ويعكفوا على مراقبة أبنائهم حتى لا يدب فيهم التسيب والانحلال ويقول شوقي:اليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلفاه ذليلاإن اليتيم هو الذي تلقى له أما تخلت أو أبا مشغولا * ثالثاً : يرى بعض المربين إن من واجبات الآباء والأمهات تجاه أطفالهم تطبيق ما يلي:يجب أن يتفق الأم والأب على معايير السلوك وان يؤيد كل منها الآخر فيما يتخذاه من قرارات نحو أولادهما.ينبغي أن يكون وجود الأطفال مع الأب بعد عودته من العمل جزءاً من نظام حياته اليومي؛ فالأطفال الصغار يكونون بحاجة إلى الشعور بالانتماء وهم يكسبون هذا الشعور من مساهمتهم في حياة الأسرة.ينبغي أن يعلم الأطفال أن الأب يحتاج إلى بعض الوقت ليخلو منه إلى نفسه كي يقرأ أو يستريح أو يمارس هوايته.تحتاج البنت إلى أب يجعلها تشعر بأنوثتها وأنها من الخير أن تكون امرأة تتمتع بالفضيلة والعفاف.يحتاج الأبناء إلى أب ذي رجولة وقوة على أن يكون في الوقت نفسه عطوفاً حسن الإدراك فالأب المسرف في الصلابة والتزمت يدفع ابنه إلى الارتماء في حضن أمه طالباً الحماية والى التقليد بأساليبها النسائية .[c1]وظائف الأسرة[/c]وللأسرة وظائف حيوية مسئولة عن رعايتها والقيام بها وهذه بعضها : أن تنتج الأطفال وتمدهم بالبيئة الصالحة لتحقيق حاجاتهم البيولوجية والاجتماعية وليست وظيفة الأسرة مقتصرة على إنتاج الأطفال فان الاقتصار عليها يمحو الفوارق الطبيعية بين الإنسان والحيوان.أن تعدهم للمشاركة في حياة المجتمع, والتعرف على قيمهم وعاداتهم. أن تمدهم بالوسائل التي تهيئ لهم تكوين ذواتهم داخل المجتمع. مسؤوليتها عن توفير الاستقرار والحماية والأمن والحنو على أطفالهم مدة طفولتهم فإنها اقدر الهيئات في المجتمع على القيام بذلك لأنها تلقي الطفل في حال صغره ولا تستطيع مؤسسة عامة أن تسد مسد الأسرة في هذه الشؤون.على الأسرة أن تقطع جزءاً كبيراً من واجب التربية الخلقية والوجدانية والدينية في جميع مراحل الطفولة...ففي الأمم التي تحارب مدارسها الرسمية الدين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة كذلك الأمم التي تسير معاهدها على نظام الحياد في شؤون الدين والأخلاق كفرنسا وغيرها فيقع العبء الديني على الأسرة ... فبفضل الحياة الأسرة تتكون لدى الفرد الروح الدينية وسائر العواطف الأسرية التي تؤهله للحياة في المجتمع والبيت. إن فترة الطفولة تحتاج إلى مزيد من العناية والإمداد بجميع الوسائل التي تؤدي إلى نموه الجسمي والنفسي وان اغلب الآراء تقول إن الوظيفة الوحيدة للأسرة إمدادها للأبناء بالمال اللازم لهم فإن هذا القول قد تجاهل العوامل النفسية المختلفة التي لابد منها لتكوين الفرد الإنساني كالحنان والعطف والأمن والطمأنينة فأنها لازمة لنمو الطفل نفسياً ويجب أن تتوفر له قبل كل شيء.لقد أكد علماء النفس والتربية أن للأسرة اكبر اثر في تشكيل شخصية الطفل أما المبدأ البيولوجي الذي ينص على ازدياد قابلية للتشكيل وازدياد المطاوعة كلما كان الكائن صغيرا، فيمكن تعميمه على القدرات السيكولوجية في المستويات المتطورة المختلفة.إن ما يواجهه الطفل من مؤثرات في سنه المبكرة يستند إلى الأسرة فهي العامل الرئيسي في حياته والمصدر الأول لخبراته كما أنها المظهر الأصيل لاستقراره وعلى هذا فان استقراره شخصية الطفل وارتقائه يعتمد كل الاعتماد على ما يسود الأسرة من علاقات مختلفة كماً ونوعاً..... إن اكتشافات علم التحليل أن قيم الأولاد الدينية والخلقية إنما تنمو في محيط العائلة.[c1]الأسرة في الإسلام[/c] لقد أقام الإسلام نظام الأسرة على أسس سليمة تتفق مع ضرورة الحياة وتتفق مع حاجات الناس واعتبر الغريزة العائلية من الغرائز الذاتية التي منحها الله للإنسان وقال الله تعالى ((ومن آَياتهِ أَنْ خلَقَ لَكُمْ منْ أَنفُسِكُمْ أَزواجا لتسكُنوا إِلَيها وجعلَ بينكُم مودةً ورحمةً)) فهذه الظاهرة التي فطر عليها الإنسان منذ بدء تكوينه من آيات الله ومن نعمه الكبرى على عباده.إن الإسلام يسعى إلى جعل الأسرة المسلمة قدوة حسنة طيبة تتوفر بها عناصر القيادة الرشيدة قال تعالى عن عباده الصالحين ((والَّذينَ يقُولُونَ ربنا هب لَنا منْ أَزواجِنا وَذُرِّياتنا قُرةَ أَعينٍ وَاجعلنا للْمتقينَ إِماما )) واهم قاعدة من قواعد التربية أن توجد عملياتها التربوية القدوة الحسنة والمثل الأعلى للخير والصلاح. وعلى أي حال فان نظام الأسرة الذي سنه الإسلام يقوم على أساس من الوعي والعمق لما تسعد به الأسرة ويؤدي إلى تماسكها وترابطها من الناحية الفسيولوجية والنفسية والاجتماعية بحيث ينعم كل فرد منها ويجد من ظلالها الرأفة والحنان والدعة والاستقرار. إن الإسلام يحرص كل الحرص على أن تقوم الرابطة الزوجية - التي هي النواة الأولى للأسرة- على المحبة والتفاهم والانسجاموهو الزواج المثالي الذي ينشده الإسلام في الرابطة الجنسية أن تكون مثالية وتقوم على أساس وثيق من الحب والتفاهم حتى تؤدي العمليات التربوية الناجحة في تكوين المجتمع السليم. إذا ما منيت الأسرة بعدم الانسجام والاضطراب فان أفرادها يصابون بآلام نفسية واضطرابات عصبية خصوصا الأطفال فإنهم يمنون بفقدان السلوك والانحراف وقد أظهرت الدراسات والبحوث التربوية الحديثة أن من أهم الأسباب التي تؤدي إلى الانحراف هو اضطراب الأسرة وعدم استقرارها فتنشأ منه الأزمات التي تؤدي إلى انحرافهم لذا من اللازم الحفاظ على استقرار الأسرة وإبعادها عن العوامل القلق والاضطراب حفاظاً على الطفل وصيانة له من الشذوذ والانحراف.