د.تيسير حسون تحفل الأغاني العربية وحتى الغربية بالتذمر من جرح الحبيب و التلذذ به أحياناً. كيف يمكن لنا أن نحب ونؤذي الشخص نفسه؟ قد يبدو السؤال متناقضاً، لكني سأحاول إزالة هذا التناقض الظاهري في النقاش التالي.يمكن للعشاق أن يجرحوا من يحبون دون أن يتعمدوا ذلك. لأن هؤلاء مهمون لبعضهم، يمكن لأي إشارة بريئة أو فعل غير مقصود، أن يفسر بطريقة لم يقصدها الشخص الآخر ومن هنا قد يكون جارحاً. مثلاً، قد يكرس شخص ما الكثير من الوقت لعمله، وبذلك يهمل ويؤذي بشكل غير مقصود شريكه. وكلما قضى شخصان المزيد من الوقت سوياً، كلما زاد احتمال أن يحدث ذلك.يندر أن نختبر خيبة الأمل في الأوضاع التي لا نخشى فيها خسارة شيء قيم. أما في الحب، الذي يتضمن سعادتنا و كذلك العديد من معظم تجاربنا النفسية، فهناك أمورعظيمة لنخسرها. ولذلك يشيع الإحباط و الخيبة وتاليا الأذى.لقد قيل إن الحب المفضي إلى السعادة لم يوجد. في الحقيقة يفترض الكثير من المحبين أن الحب هو مزيج من الحلاوة و المرارة. وعلى نحو مماثل، وُجد بأن لدى الأشخاص الأدنى دفاعية خبرات عن الحب أكثر من الأشخاص الأعلى دفاعية. يقترح هذا الربط بأنه لكي نحب علينا أن نكون هشين بطرق تعزز احتمال الألم.هذه الاعتبارات مع أمور أخرى تشير إلى سهولة أن نجرح من نحب دون أن نقصد ذلك. بيد أن شرح الجرح المتعمد للمحبوب، أمر أعقد بكثير. ومن غير ريب، فإن العامل الرئيس في الجرح المتعمد لمن نحب، ذو صلة بالدور المركزي الذي تلعبه الاعتمادية المتبادلة في الحب.قد توجد الاعتمادية المتبادلة بنسب غير ملائمة: يمكن للعشاق أن يعتبروا اعتماديتهم على الشريك كبيرة جدا أو صغيرة جدا. قد يكون جرح المحبوب أحد الملاذات، وعادة الملاذ الأخير الذي يلجأ له المحب لكي يضع الاعتمادية في تناسبها الملائم. وللاعتمادية المتبادلة العديد من الأفضليات التي تنبع من حقيقة أنه ينضم شخصان إلى بعضهما في علاقة محاولين زيادة إسعاد كل منهما للآخر.غير أن حس الاستقلالية أمر هام أيضاً لتقدير الذات عند الناس. ودلت إحدى الدراسات على أن الباعث الأشيع لتوليد الغضب هو توكيد السلطة أو الاستقلالية، أو تحسين صورة الذات. وقد اعتبر الغضب وسيلة مفيدة لتقوية العلاقة أو إعادة تعديلها.ويتكرر هذا النمط من السلوك في علاقة الطفل والوالد: غالباً ما يجرح الأطفال والديهم لكي يعبروا عن استقلاليتهم. وهو أيضا جزء من الحب الرومانسي الذي قد تهدد الاعتمادية المتبادلة فيه استقلالية كل من شريكي العلاقة. أحياناً يجرح المحبون أحبتهم لكي يظهروا استقلاليتهم.في أحيان أخرى، قد يعبر ذلك عن رغبة نقيض رغبة المحب لمزيد من الاعتمادية والانتباه.في الواقع هناك شكوى شائعة لدى المتزوجات أكثر بكثير من المتزوجين، وهي أن شركاءهن لا يقضون وقتاً كافياً معهن.بجرح المحبوب، يرغب المحب في أن يبعث بإشارة مفادها بأن علاقتهما التبادلية وبالأخص اعتماديتهما المتبادلة يجب تعديلها. وجرح المحبوب قد يكون جرس الإنذار الأخير عن مصاعب المحب. إنه إجراء ملح متطرف.إذا كانت العلاقة بقوة كافية، كما يرغب المحب، فإنها ستصمد أمام هذا الإجراء. الإجراء المستخدم الأقل شدة والأكثر شيوعاً، هو المزاجية أو النكد. المزاجية التي قد تفرض كلفة بسيطة على العلاقة، قد تعمل كجرس إنذار وكوسيلة تقييم لاختبار قوة الرابط بين الشريكين. ينطوي الحب على عملية ديناميكية من المواءمة المتبادلة، بيد أنها ليست جميعها ناعمة وممتعة، وجرح المحبوب مثال على ذلك.ثمة اعتبار آخر لجرح المحب لحبيبه أحياناً، وهو غياب اللامبالاة أو ما أفضل تسميته «التطنيش» في الحب. وهذا قد يقود المحب إلى القيام بإجراءات تجرح الآخر حين ينظر إليها من زاوية جزئية، ولكن يمكن رؤية فائدتها أو خيرها من زاوية شاملة. وهذا هو الجانب المؤلم للاهتمام: علاقة لصيقة بين شخصين تساعدهما وتؤذيهما أيضاً. إن تحسين نوعية حياة المحبوب وسعادته قد تتطلب مثل هذه المعاناة.بالنسبة للشخص الذي يحبنا ولكنا لا نكن له الحب، قد نكون لامبالين أو على الأقل لن يكون لدينا هماً عميقاً وشاملاً. ولذلك، قد لا نزعج أنفسنا لمساعدتهم من خلال جرحهم. ومن هنا يفضل المحبون أن يتعرضوا للانجراح من المحبوب (ضرب الحبيب زبيب !) على أن يعاملوا بلامبالاة منه.لا أريد القول كما قال أوسكار وايلد ذات مرة «إن كل إنسان يقتل الشيء الذي يحب»، لكن جرح المحبوب يحدث كثيراً ، وعلى اعتبار أن المحبوب هو مصدر أساسي للسعادة، فإن هذا الشخص هو كذلك تهديد رئيس لسعادتنا: فهو أكثر من أي شخص آخر يمكنه أن يدمر هذه السعادة.وبطريقة مماثلة، فإن الأمان المنطوي في الحب يسير سويا مع الخوف من فقد ذلك الأمان. غالبا ما يرتبط الشعور بالسعادة بالخوف من فقدان تلك السعادة. وأحياناً، الاهتمام بالمحبوب يسير سويا مع جرحه.أخيراً، يرتبط الحب ارتباطاً وثيقاً بالهشاشة: القدرة على جرح الآخر وتلقي الجراح. رغم أن بعض أنواع الأذى مقصودة، فإن معظمها ليس كذلك .[c1]* طبيب وكاتب سوري في الشؤون النفسية[/c]
|
المجتمع
لماذا نسعى إلى جرح أحبائنا؟
أخبار متعلقة