صنعاء / سبأ:اقترنت الوحدة اليمنية منذ استعادتها في الثاني والعشرين من مايو 1990م بالتجربة الديمقراطية ومؤسساتها المختلفة التشريعية والتنفيذية، مؤكدة عدم التراجع عن نهج الديمقراطية قيد أنملة.وبعد مضي فترة انتقالية امتدت ثلاثة أعوام (1990-1993م) تحدد عقد الدورات الانتخابية البرلمانية في السابع والعشرين من أبريل الذي يصادف تاريخ اليوم، ويستدعي تذكر سلسلة انتخابات تلتها في تواريخ مختلفة كالانتخابات الرئاسية (سبتمبر 1999، 2006م) والمحلية (فبراير 2001م، سبتمبر 2006م)، ما جعل الجمهورية اليمنية محط انتباه العالم ومثار الاهتمام الإقليمي والدولي لاسيما وقد انتظمت مواعيد إجراء تلك الانتخابات التي احتكمت فيها القوى السياسية إلى إرادة الشعب، تحقيقاً لهدف الديمقراطية، بتمكين الشعب من حكم نفسه بنفسه عبر وسائل كفلها الدستور وحددها القانون وضماناً للمشاركة السياسية الواعية في صوغ الحياة اليمنية الجديدة.ولم يكن تعزيز التجربة اليمنية رهناً بحزب أو تنظيم بعينه، أو ببقائه حصراً أو حكراً على تيار ما أو جماعة واحدة، بل شارك في تعزيزها وتهيئة مناخ استمرارها خروج كافة القوى السياسية من جحور ومخابئ العمل السري إلى رحاب وفضاء العمل العلني.. فتسربت الأحزاب في مسام الديمقراطية بمختلف اتجاهاتها: يميناً ويساراً ووسطاً، وبتنوع مدارسها: إسلامية واشتراكية وناصرية وبعثية، وغيرها من الإيديولوجيات.. وذلك بعد أن ظل بعض مؤسسي وقادة تلكم الأحزاب منضوين طيلة عقد كامل في المؤتمر الشعبي العام، قبل أن تفسح ديمقراطية الوحدة في عهد الرئيس علي عبدالله صالح مجال التعددية الحزبية لتعزيز التجربة الديمقراطية وصون الوحدة اليمنية بتنوع أطياف وأفكار أبناء اليمن.. إنما لخدمة اليمن.وبمثل ما نشأت الأحزاب في ظل الديمقراطية والوحدة تكاثرت منظمات المجتمع المدني والصحافة المستقلة وخاضت معظمها للتجربة وراقبت الإجراءات الانتخابية وابتكرت مشاريع ديمقراطية جديدة هيأت أجيالاً يمنية جديدة.وتبعاً للتنوع السياسي والفكري والاجتماعي والتعدد الحزبي والمدني انخرط الساسة والوجاهات اليمنية منذ أول انتخابات برلمانية في الجمهورية اليمنية 27 أبريل 1993م، لتسفر عن تدافع اليمنيين صوب تجديد المجد وتأكيد الحضور والإعراب عن التنوع، فمنحوا أصواتهم لمستحقي تمثيل الشعب اليمني في رحاب البرلمان، بقدر فاعليتهم الاجتماعية والسياسية، وهو المقياس البديهي لتعاطي المواطنين مع مرشحيهم على مر الدورات الانتخابية المتتالية في 27 أبريل من أعوام 1993م، 1997م و2003م.ولا غرو في استمرار قول القوى السياسية -التي خسرت ثقة الناخبين- بعد إعلان نتائج كل عملية انتخابية بتزوير النتائج لصالح من اكتسب ثقة الناخبين وحاز شرعية وجوده، حتى اهتدت مؤخراً إلى المطالبة بتأجيل الانتخابات البرلمانية بحجة الحوار حول سبل تهيئة مناخ الانتخاب وإصلاح النظام الانتخابي وتعديله من القائمة الفردية إلى القائمة النسبية حقناً لجماهيريتها بمخارج قانونية وسياسية، فأبرمت اتفاق فبراير 2009م الذي قضى بتأجيل الانتخابات لمدة عامين لم يستغل على النحو الأمثل لتهيئة المناخ السياسي.وعلى الرغم من القبول الرسمي بالتأجيل للمرة الأولى ثم الموافقة على التأجيل ثانية 2011م لتهيئة مناخ الانتخاب، وبحكم نشوء التجربة التي لم تنق من الغوغائية تماماً، لجأت بعض القوى السياسية إلى اتخاذ مواقف تصعيدية كاد جموحها أن يحبط مساعي التهدئة الواردة من الأشقاء والأصدقاء فاتجهت صوب إعداد وجبة صراع جديد وتهيئة مناخ «انتحاب» والتسبب في تعطيل حياة المواطنين من خلال اعتصامات واحتجاجات تندرج تلقائياً في إطار الدستور ضمن مظاهر حرية التعبير والإعراب عن الرأي، لكنهم تصوروا أن استمرار الاعتصام والمعارضة ينزعان الشرعية عن السلطة المنتخبة، فيما أتت بعكس ما يحسبون ويرمون إذ عززت شرعية السلطة واتسامها بالديمقراطية!.إذاً.. لا غضاضة من احتساب التفاعل الحاصل في مختلف الساحات اليمنية تأييداً ومعارضة لصالح التجربة الديمقراطية سواءٌ غلبها الخطأ أو غاب عنها الرشد، إلا أنها ثمرة ديمقراطية ستقطفها الجماهير اليمنية العريضة التي توحد خطاها على مدى ثلاث دورات انتخابية سابقة، وينبغي استمرار توحد خطاها على مدى دورات انتخابية قادمة- صوب صندوق الاقتراع.. وفي مجمل الدورات المقبلة ستحدد الأغلبية غداً، كما حددت بالأمس، أي القوى السياسية أجدر بتمثيل كل الشعب اليمني في البرلمان أبقي النظام الانتخابي بالقائمة الفردية أم تحول إلى القائمة النسبية!لقد وضعت الديمقراطية -منذ نشأت- اليمنيين على طريقهم الصحيح لاختيار ممثليهم ورئيسهم بالانتخابات على مدى عقدين من الزمن تخللتهما عدة تحولات محلية وإقليمية ودولية، اقتصادية وأمنية وتنموية وثقافية وسياسية، وأضاءت سبل النهوض بالوطن مستمداً بنشاط أبنائه عون أشقائه وتشجيع أصدقائه، وهو ما يستلزم تغليب المصلحة الوطنية على أي مصلحة أخرى إزاءه استباقاً لأي خطىً من خطى المغامرة والمقامرة والمخاطرة بمستقبل ومقدرات ومصير البلد.ويزيد التأكيد على أن تأجيل الانتخابات البرلمانية مرتين 2009 ثم 2011م وانقطاع سير انتظامها بفعل ظروف طارئة ستنتهي عاجلاً أم آجلاً، متى حل الحس الوطني الصادق الذي يسهم في تعزيز التجربة الديمقراطية وتعويض ما فات وترميم ما شرِخ، لا يعني شذوذاً عن قاعدة الديمقراطية بل يتم احتسابها ضمن نواقص تثري التجربة بدون شك وتغذيها بالنقد لأسلوب عمل كل أطراف المعادلة السياسية مضاف عليها شباب متقد يشكل رافداً مهماً للتجربة الديمقراطية، وينبغي له الاهتداء إلى السبل المثلى في المشاركة السياسية بما يكفل استمرار التجربة الديمقراطية على نحو واعٍ ومطمئن ومعبر عن طموحات الشعب كل الشعب اليمني (لا أحزابه فقط) في مستقبله الأفضل ويمنه الجديد.ولا مناص من التذكير بأن للديمقراطية حدوداً واضحة -لا أنياباً يسهل بروزها- بينها الدستور بما نص عليه من حقوق وواجبات ينبغي احترامها والالتزام بها وعدم تعديها وتجاوزها من أي كان، فالدستور عماد ومنار الديمقراطية ينير لكافة اليمنيين ذكوراً وإناثاً، شباباً وشيوخاً، مدنيين وقبليين، شماليين وجنوبيين كيفية استيعاب بعضهم بعضاً بدون إقصاء لأيٍ طرف أو تعمد لحظر نشاط أي كان طالما استند إلى ذاك العماد الأساس والعقد الأصيل في الحياة السياسية الديمقراطية، وليتذكر جميع اليمنيين من هذه اللحظة وفي كل لحظة أن احترام الدستور والقانون النافذ هو معيار المدنية وسلوك المدنيين في الأساس الذي يكفل نجاح أي تجربة ويضمن استمرار النضال في سبيل المدنية والتحديث المرجوين.وبدون وعي حقيقي بالديمقراطية واحترام عماده أي: الدستور والقانون، لن تلقى المشاريع الوليدة القائلة بالمدنية والتحديث أي استجابة أو ترحيب أو قبول.