أنور غلام
أنور أستاذ غلام !! علم من أعلام الحركة الفنية التشكيلية في محافظة حضرموت عموماً، وأحد المؤسسين لها في حاضرة المكلا بوجه خاص منذ ما قبل الاستقلال الوطني لجنوب اليمن .. ومن المؤسف حقاً أنه لم يلق اهتمام الدولة ممثلة بوزارة الثقافة لفنه وتجربته التي قاربت نصف قرن من العطاء فناً وإبداعاً. أقول من المؤسف لأن مسؤولية الدولة ممثلة بوزارة الثقافة هي أن تولي رعايتها ودعمها لكل المبدعين أينما وجدوا، وأن تبحث عنهم، وتهتم لحاجاتهم وشؤونهم أينما حلوا لا أن يظل اهتمامها ورعايتها لبؤر محددة ربما لا تتجاوز مدناً ثلاثاً أو أربعاً في كل الوطن.أنور غلام سليل أسرة فنية عريقة في مدينة المكلا والده هو الفنان أستاذ غلام، رسام القصر السلطاني للدولة القعيطية والمصور الفوتوغرافي لسلاطينها الذين منحوه الكثير من الامتيازات والألقاب لإبداعه وفنه.زاملت أنور في أثناء الدراسة المتوسطة منذ عام 1959م تقريباً في المدرسة المتوسطة بمدينة الشيخ عثمان (بمستعمرة عدن) التي جاء إليها قادماً من حضرموت ضمن ما كان يعرف بالتلاميذ الوافدين من محميات عدن، فقد كنت حينها من المعجبين برسمه ومعي زملاء آخرون، أذكر منهم نصر صالح المخرج الصحفي الكبير وأرسلان صالح شمسان المهندس الإلكتروني والفنان ايضاً. فحين كانت تتاح لنا الفرصة نذهب الى فصل أنور الدراسي لنراقبه حين يرسم وكلنا إعجاب بما يرسمه وما عرف به أنه كان قليل الكلام، دمث الخلق، انيقاً في ملبسه ومظهره رغم صغر سنه وهو لم يكن حينها يتجاوز الثالثة عشرة. كنا نقف امامه بإجلال وهو يرسم في حصة الرسم التي كان في معظم مواضيعها الرسم الحر وبقيت مخزونة في الذاكرة صور عديدة كان يرسمها ومنها لزعيم الأمة العربية الراحل الرئيس جمال عبدالناصر رافعاً قبضته امام الميكروفون يخاطب العرب ويهز مشاعرهم، وكانت رسومه في غاية الإتقان.هذه الإيماءة إنما هي من فيض خاطر وردت بعد حديث ذي شجون مع الأخ العزيز الأديب سعيد بامكريد نائب رئيس تحرير المجلة الثقافية الحضرمية المتميزة (المكلا) في إحدى زياراته السابقة لمدينة عدن وقد امتد بنا الحديث عن رواد الأدب والفن بحضرموت إلى أن حطت بنا رحال الذكريات أمام إبداع الفنان الكبير أنور غلام وقد فاضت ذكريات تلك الأيام الخوالي وزمان التلمذة، ولقاءات قليلة في أثناء زياراتي المتقطعة لمدينة المكلا في الثمانينات من القرن المنصرم، إلى أن أنقطع بنا التواصل حتى يومنا هذا. ومما عهد بوفاء بامكريد انه نقل للفنان والصديق أنور بعضاً من أطراف الحديث الذي تناولنا فيه أيام الصبا والدراسة وإبداع أنور غلام المبكر، فتذكر ذلك الزمان الجميل وبدايات إرهاصات مشواره مع فن الرسم فما كان منه إلا أن بعث لي مجموعة من لوحاته ومنها المطبوعة بأناقة في بطاقات بريدية صور فيها جمال حضرموت بوديانها وشطآنها وبداوتها وحواضرها يتنفس منها جمال يسر الناظرين ويجد فيها السائح تذكارات يتراسل بها إلى ذويه بمعظم بلاد الله.اليوم يبرز السؤال .. هل وجد هذا الفنان العصامي العملاق الذي اعتمد على ذاته وجهده ليصل إلى ما وصل إليه؟ هل دعي يوماً لمشاركات رسمية ليقدم فنه محلياً وخارجياً، خاصة إذا علم أهل الأمر من المعنيين في رعاية الفنون والثقافة ان أعمال هذا المبدع ترقى الى مستوى معظم الفنانين العرب وربما تجاوزهم . تحية أوجهها الى هذا الفنان المبدع قليل الثرثرة الذي جبل على احترام الذات وعزة النفس وكبريائها البعيد عن مزادات التدليس والنفاق.