كتب / أحمد فاضللم نكن لنتذكر المصور والفنان الأمريكي (ريتشارد أفيدون ) لولا أن مزاد (دار كريستيز ) في باريس بدأ ببيع مجموعة نادرة من الصور التي التقطها أفيدون لشخصيات شهيرة وأخرى من عامة الناس لتشكل لحظات مهمة لواحد من أفضل المصورين في العالم .مجموعة الصور هذه شكلت أعماله لفترة الخمسينيات وصولاً إلى سبعينيات القرن الماضي منها تغطيته لحرب فيتنام عندما كان يعمل مصوراً صحفياً لمجلة (فوغ ) الشهيرة، وتنقلت كاميرته كذلك في دور الأزياء الكبيرة حتى بيعت إحدى لوحاته بما يقرب من مليوني دولار، وكانت (مارلين مونرو ) و ( بريجيت باردو ) و ( البيتلز ) و ( صمويل بيكت ) من أهم الشخصيات التي حضرت صورهم المزاد . الطريف في الأمر أن واحدة من الصور الأربع التي ألتقطها أفيدون لفريق البيتلز عام 1967 بيعت بمليون دولار وهو مبلغ كان سيساوم عليه الفريق لو كان يعلم بتلك الصفقة ، حتى الآن بيعت أغلى صورة لأفيدون قبل عامين بـ 800 ألف دولار وهي لمارلين مونرو في المزاد نفسه لكن الكاتب المسرحي الشهير صمويل بيكت لم تحظ صورته لدى بيعها سوى بمائتي ألف دولار وقد علق أحد الصحفيين على هذا الموضوع قائلا : ( إن السينما أغلى من المسرح أو أن الجمال ربح هذه المرة ) .ولد ريتشارد أفيدون في 15 مايو / أيار 1923 في عائلة يهودية بروسيا ثم انتقلت هذه العائلة إلى أمريكا ومنذ صغره أمسك بالكاميرا الوحيدة لدى عائلته محاولا التقاط صور لهم ، وعند دخوله ثانوية ديويت كلنتون في حي برونكس ألتقط صورا لزملائه ومدرسيه أعجب بها الجميع وتنبأ له أساتذته بمستقبل كبير في هذا المجال . انتقل بعد تخرجه إلى جامعة كولومبيا وهناك استطاع أن يحوز جوائز معارض التصوير حتى برز اسمه كأحد المصورين الذين أخذت المتاجر ودور عرض الأزياء تتسابق بعرض أعماله فعقدت معه إحدى مجلات الأزياء المعروفة عقداً بمبلغ كبير آنذاك، واستطاع عام 1946 تأسيس مرسمه الخاص واقتربت منه مجلات ذائعة الشهرة مثل ( فوغ ) و ( الحياة ) اللتين أفردتا له صفحاتهما لكنه فضل العمل مع مجلة الأزياء تلك، أظهر أفيدون تقنية عالية ومبهرة في تصويره لعارضات الأزياء وهن يتبخترن بمشيتهن وبتلك الملابس ملتقطا بكاميراته نماذج غير متصنعة بالوقوف أمامه ، وأحيا أجسادا كانت جامدة كالشمع وابتسامات حقيقية غير التي عرفتها عارضات الأزياء من قبل . انتقل في عام 1966 للعمل في مجلة فوغ ومضى ليصبح المصور الرئيسي فيها مغطيا بكاميرته معظم الفترة من 1966 حتى 1988 ، من أبرز أعماله سلسلة عارضات الأزياء ومشاهير الفن كالنجمة الراحلة ( بروك شيلدز ) وهي بعمر خمسة عشر عاما في بداية ولوجها عالم التمثيل ولوحات لفرقة البيتلز منتصف العام 1967، كانت إضافاته الفنية على دور الأزياء والمجتمعات المخملية واضحة للعيان إلا انه سرعان ما انتقل إلى مستشفيات الأمراض العقلية فتجولت كاميرته في أقبيتها واظهر صوراً حافلة بالعواطف الإنسانية ليس لها مثيل، وفي عام 1963 صور تظاهرات المحتجين على حرب فيتنام وأرشفت عدسته التي لاتخطئ لحظات سقوط جدار برلين . اهتم أفيدون بالبورتريه وقدم في هذا المجال بالأسود والأبيض وجوها معروفة زادت من سمعته كمصور على نطاق واسع ، صوره أخذت بعد ذلك بعدا آخرا إذ سعى لكي تكون بقياسات كبيرة تجاوزت الثلاثة أقدام ارتفاعاً، فصور بتلك الأحجام رعاة البقر وعمال المناجم في الغرب الأمريكي ، هذه اللقطات السحرية ضمها كتاب صدر عام 2003 وأصبح من أكثر الكتب مبيعاً في الولايات المتحدة ما جعل من متحف كارتر آمون في فورت ورث بتكساس يتسابق لاقتناء تلك الصور . صور عمال المناجم والذين يعملون في حقول النفط بكامل ملابسهم المتسخة ووجوههم الملطخة بالزيت والتراب فكانت أشبه برسوم المرحلة الانطباعية دون أن تزخر بألوانها المعتادة واقتصرت على الأبيض والأسود متلاع باً في الوقت نفسه بإسقاطات الضوء وإظهار العتمة في جوانب أخرى منها . عام 1979 واجهته انتقادات حادة بسبب نشره صوراً للعاطلين عن العمل والمراهقين التائهين في شوارع أمريكا واعتبرت هذه الصور بنظر المنتقدين أنها تحط من مكانة أمريكا لكنه مضى في تصويره جوانب الحياة هناك بكل معانيها . انتقل أفيدون للعمل مع مجلة (نيويوركر) المعروفة عام 1992 وبعد رحلة طويلة كسر فيها الحاجز الذي كان يفصل بين الأستوديو والتصوير الفوتغرافي خارج حواجزه الثابتة إلى فضاءات واسعة تتحرك فيها عدسته بحرية، فانتقل ليصور نجوم السياسة والفن والأدب والجمال ، وممن بقيت صورهم عالقة في ذاكرة الجمهور كاترين هيبورن، همفري بوغارت ، بريجيت باردو، مارلين مونرو ، تشارلي شابلن، إيزنهاور، ادوارد كيندي، وحصل على جوائز عديدة بما في ذلك جائزة المركز الدولي للفوتوغراف عام 1993، وجمعية المصورين الملكية في إنكلترا عام 1994 ، وضمت متاحف مهمة صوره كمتحف المتروبوليتان للفنون ومتحف ويتني للفن في نيويورك ومتحف غوغنهايم بلباو بإسبانيا . أكثر من نصف قرن من الزمان قدم خلالها أفيدون آلاف الصور دون أن يشعر بتعب لكنه في عام 2004 سقط فجأة ميتا وهو يصور المغنية بيورك وهي آخر لحظات حياته مع الكاميرا التي أحبها واخلص في سبيلها . ريتشارد أفيدون هو في الحقيقة عبقري التصوير الفوتوغرافي وواحد من أعظم فناني عصرنا وكان يعرف كيف يعبر عن رأيه من خلال عدسة كاميرته وكان مستعداً دائماً لإظهار أدق التفاصيل الخفية أثناء تصويره لشخصياته .
|
رياضة
المصور ريتشارد أفيدون.. الرجل الذي حول التصوير إلى فن
أخبار متعلقة