كتب: كافي علي يذوب هو حنيناً إلى الوطن وتذوب منحوتاته مع ارتفاع درجات الحرارة في كندا عندما تخلع رداء الشتاء القارص وتشرع بارتداء حلة الربيع. البابلي موفق عبدالهادي الحائز على درجة البكالوريوس في الفنون التشكيلية من كلية الفنون الجميلة جامعة بغداد هو أول فنان عربي يخرج عن المألوف ويتعامل مع الجليد كمادة لتجسيد إبداعه في فن النحت. التقيته في مهرجان الونتر لود، الذي يستقطب مئات الألوف من الزوار سنوياً، وهو يصارع كتلة جليدية ضخمة محاولاً تطويع جزيئاتها الحساسة وتحويلها إلى نصب فني يمثل من خلاله بلده الأم في المهرجان. ولأن مسابقة النحت على الجليد هي واحدة من الفعاليات الأساسية في هذا المهرجان حرص موفق على المشاركة السنوية فيه كممثل لدولة العراق رغم الظروف الصعبة التي يواجهها الفنان المغترب من أجل ديمومة التواصل في مسيرته الفنية. وليس لحسن الحظ وإنما لبلوغه درجة الاستحقاق فاز موفق عبد الهادي بالميدالية البرونزية لثلاث مرات على التوالي كممثل للفن العربي والعراقي في هذا المهرجان.درس الفنان موفق عبدالهادي، المنتمي إلى المدرستين الكلاسيكية والسريالية، الرسم على يد الفنان الكبير فائق حسن، أما النحت فعلى يد الفنانين صالح القره غولي وعزام البزاز. وكان عناق الثلج، على شاطئ الحقيقة، الهرم وكذلك الأجوف هي عناوين للمعارض التي أقامها الفنان داخل العراق وخارجه. وعن تجربته في النحت على الجليد قال موفق: (إنها وليدة الصدفة. فلقد طلب مني أحد طلابي في مادة التشريح الانضمام إلى اتحاد نحاتي الجليد الكنديين، لأنه واحد منهم. وبالفعل استهوتني الفكرة وانضممت إلى الاتحاد وبدأت ممارسة هذا الفن الجميل الذي يمتاز بسحر خاص يجمع بين صلابة المرمر وهشاشة الجبس). أما عن طريقة التعامل مع هذه المادة غير المألوفة لدى النحات العراقي فقال: (مادة الجليد من أصعب المواد المستخدمة في النحت لأن الغلطة البسيطة فيها قد تؤدي إلى كسر قطعة كبيرة من الصعب، إذا لم يكن من المستحيل، تعويضها. كما أن النحت على الجليد يتميز بأسلوب مختلف يبني النحات فيه العمل الفني كاملاً كما لو أنه يبني بناية صغيرة ثم يقوم بإزالة الفائض من الجليد بحذر لتحقيق الشكل النهائي. لقد سحرتني فكرة التعامل مع هذا النوع من النحت لأنها تخضع لمعادلة زمنية مختلفة عن تلك التي تعودت عليها في بلدي. إن الوقت الذي احتاجه لإنجاز منحوتة ضخمة على مادة الجليد هو ثلاثة أيام، وربما أقل، في حين أحتاج إلى أسابيع، وأحياناً شهور، لإنجاز نفس المنحوتة عند استخدامي لمادة المرمر أو الخشب. ليس هذا وحسب وإنما مواضيع مادة الجليد تنتمي إلى عوالم ساحرة تستمد جمالياتها من الخصائص الكرستالية الشفافة للمادة ذاتها. في الحقيقة تجربة النحت على الجليد هي مزيج من التحدي والجهد والإبداع. أتذكر عندما كنت في العراق كنت أتابع بانبهار مهرجانات النحت على الجليد التي تقام في بلدان باردة مثل الصين وروسيا، وكنت أقول في قرارة نفسي من المستحيل علي أن أنجز عملا مماثلا لتلك الأعمال، ولكن اليوم أنا أحد الفنانين المشاركين في مثل تلك المهرجانات).بعدها طلبت من موفق أن يعطينا فكرة عن مهرجان الونتر لود رغبة في مد جسر للتبادل الثقافي بين النحات الكندي والنحات العراقي فقال: (يعتبر مهرجان الونترلود المقام سنوياً في العاصمة الكندية أوتاوا من أفضل المهرجانات تنظيماً في العالم حيث يتم تقسيم الفنانين المشاركين في المهرجان إلى فرق متنافسة يتكون كل فريق فيها من نحاتين يقدمان فكرة عملهما النحتي التي يجب أن تعالج ثيمة محددة يكون قد تم اختيارها مسبقاً من قبل الجهة المنظمة للمهرجان. وكانت الثيمة لهذا العام هي الين يانغ المستمدة من الفلسفة الصينية القديمة التي تعني التكامل بين الأضداد. إذ لا يمكننا رؤية الأسود دون الأبيض ولا رؤية النهار دون الليل، كما أننا لا نتمكن من لمس الخير دون معرفة الشر. وهكذا كانت المنحوتة العراقية المشاركة في المهرجان هي لرجل وامرأة تحيط بهما قماشة ضخمة هي جزء من عباءة الرجل كتعبير عن رحلة الحياة التي يتبلور مفهوم التكامل فيها من خلال العلاقة بين الجنسين).أخيراً ختم الفنان موفق عبدالهادي حديثه برسالة قصيرة إلى الوطن فقال: (اطمح بإقامة مثل هكذا مهرجانات في شمال بلدنا الحبيب ليكون العراق كما تعودناه وطن الفن والإبداع لكافة الفنون، ومنها فن النحت على الجليد. كذلك أبعث رسالة سلام ومحبة إلى أهلنا في العراق. وأقول لهم نعم لقد بلغ مني الكبر عتياً واشتعل الرأس شيبا ولكن كلما رأيت راية العراق ترفرف في سماء كندا ازددت شباباً ورفعة وكبرياء، وأصر أكثر من قبل على تمثيل العراق في العام القادم).
|
رياضة
موفـق عبـدالهــادي يخرج عن المألوف ويتعامل مع الجليد كمادة لإبـداعه
أخبار متعلقة