إعداد/ د. محمد أحمد الدبعي ديمومة الصحة ودرؤها عن ضائقة الأمراض وتهديداتها، تستدعي الكثير لمحو آثار أمية واسعة حجبت المعرفة والوعي عن الكثيرين في المجتمع وأبقتهم حبيسي عادات وسلوكيات سلبية تضر بصحتهم وتضر- أيضاً- بصحة من حولهم . إذ لا جدوى من معالجة الأمراض التي يمكن تجنبها والوقاية منها - كالبلهارسيا- بمعزلٍ عن الالتزام بأسس ال=وقاية وقواعدها المثلى، إلى جانب معالجة المرض لتقويض انتشاره واحتواء خطره .وعلى المحك نجد حملة التخلص من مرض البلهارسيا المزمع تنفيذها في الفترة من (11 - 14أبريل2011م) مكونا مهما للوقاية ، تستهدف معالجة المصابين بالمرض ووقاية غير المصابين من أفراد المجتمع من عمر(6 أعوام فما فوق) في(44) مديرية تابعة لخمس محافظات، عبر إعطائهم العلاج المضاد للبلهارسيا في المرافق الصحية والمدارس، كما هو مبين في الجدول التالي :جدول توضيحي للمحافظات والمديريات المستهدفة في حملة التخلص من البلهارسيا التي سيعطى خلاها العلاج لجميع أفراد المجتمع من عمر(6 أعوام فما فوق) ، في الفترة من (11 - 14أبريل2011م)ولعل من دواعي وأهمية تجنب الإصابة بالبلهارسيا ما يترتب عليها من مضاعفات خطيرة تأتي لاحقاً على حين غرة ولو بعد سنين عديدة، وما ذلك إلا بسبب الإهمال وعدم التقيد بالإجراءات الوقائية الكفيلة بمنع الإصابة أساساً، إلى جانب التخلف في حال الإصابة واكتشاف المرض عن المعالجة، الأمر الذي يفرض ضرورة التحلي بالمعرفة والوعي الكافي حيال هذه الجوانب الأساسية، مع الالتزام بالسلوكيات والممارسات الوقائية التي تحقق السلامة الدائمة وتنأى بالذي يلتزم بها عن الوقوع في درك الشقاء الذي تسببه الإصابة. فالبلهارسيا في واقع الأمر داء طفيلي ليس عادياً- كما يظن البعض- حيث يوجد منه في اليمن نوعان، نوع بولي وآخر معوي، وكلاهما خطير. وعالمياً يستوطن هذا المرض أكثر من سبعين دولة من بلدان العالم النامي.. في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وذلك بحسب معلومات صادرة عن منظمة الصحة العالمية.وتشير هذه المعلومات إلى أن المرض على المستوى الإقليمي يستوطن دولا كثيرة في إقليم شرق البحر المتوسط الذي ننتمي إليه، مثل (السودان، اليمن، جنوب السعودية، مصر، أفغانستان، العراق، إيران، باكستان)، إلى جانب دول عربية أخرى كالمغرب والصومال. أما في الجمهورية اليمنية، فتعتبر البلهارسيا من أهم مشكلات الصحة، وقد سميت “المشكلة الصامتة”. حيث لا تظهر بشكلٍ وبائي واضح، بمعنى أنك قد لا تجد فجأة ألف شخص يشكون من هذا المرض في يوم ٍواحد مثلاً، وإن من الممكن أنهم أصيبوا بنفس العدوى في نفسه اليوم فلا تظهر عليهم أعراض تجعلهم يقلقون.بينما قدرت منظمة الصحة العالمية عدد المصابين بالبلهارسيا في اليمن سلفاً بنحو (3 ملايين شخص)، وهو عدد مرتفع جداً للإصابة ؛ وأكثر المحافظات والمديريات وبائية هي تلك التي تنتشر فيها مصادر المياه العذبة أو شبه العذبة ( الراكدة ) وكذا البطيئة الجريان والتي يعتمد الناس عليها في استخداماتهم اليومية للمياه. ومن المهم أن نميز بين عدوى البلهارسيا وعدوى أي مرض آخر ، ففي مرض البلهارسيا تأتي العدوى عن طريق دخول الطفيلي (الطور المعدي) إلى الجسم عبر الجلد باختراقه له ، وذلك من أجل اتخاذ التدابير الوقائية المطلوبة الكفيلة بمنع عدوى البلهارسيا، كعدم السباحة في المياه غير المأمونة، مثل البرك وحواجز المياه التي إذا أمعنا النظر فيها سنجدها مليئة بالقواقع الحلزونية التي تعد مستودعاً للبلهارسيا في طورها المائي. إلى جانب عدم المشي أو الخوض في تلك المياه، لأن في الأمر خطورة. إذ من الممكن أن يؤدي إلى غزو الطفيلي في طوره المائي للجسم، ولو تجنب الإنسان سلوكيات كهذه لاستطاع حماية نفسه ونأى بها عن المرض.ويبدو أن ما يسهم في هذه المشكلة- بدرجةٍ أساسية- ويزيد الهوة اتساعاً وقوع الكثيرين- لاسيما في الأرياف- في أخطاء وممارسات سلبية لدى تعاملهم واستعمالهم للمياه العذبة وشبه العذبة الراكدة أو البطيئة الجريان التي تمثل لأغلب المناطق الريفية عصب الحياة، في ظل غياب أو ضعف مشاريع المياه النقية الصالحة للشرب، وتضافر عوامل وعراقيل كثيرة تقف حجرا عثرة أمام هذه المشاريع الحيوية، وأهمها صعوبة التضاريس الجبلية وتناثر القرى على قمم ومنحدرات وسفوح الجبال وبطون الأودية، ما مهد لانتشار البلهارسيا في هذه المناطق. أضف إلى ذلك شيوع الجهل الكبير بالداء والذي تلوح آثاره في جنوح البعض إلى اللامبالاة بأهمية طلب المعالجة والاستشفاء، ولا علم له بأن المرض- بسبب إهماله- قد يتطور مع الوقت ليصير مزمناً، مفضياً إلى مضاعفات بالغة الخطورة وصعبة العلاج.فمع مرور الوقت وتحديداً في المراحل المتأخرة للمرض - يعزز الأطباء المختصون أهمية عدم إهمال المعالجة للمرض من البداية تلافياً للمضاعفات غير المحمودة العواقب بسبب الإصابة المزمنة- لأن البلهارسيا وقتها تغزو الكبد فتحدث فيه التهابات وتليفات تقود إلى تلفه ودماره، وبالتالي فشله تماماً في أداء وظائفه الحيوية.وللمضاعفات الأخرى للبلهارسيا المعوية طابعها الخاص، مثل (التقيؤ الدموي، دوالي المريء، البواسير، تضخم الطحال، سرطان القولون والمستقيم).أما مضاعفات البلهارسيا البولية فإنها- وفقاً للمصادر الطبية - تشمل (حصوات المثانة، قرحة المثانة، تضيق الحالب ، الفشل الكلوي، العقم عند الرجال والنساء، سرطان المثانة)، وأي ٍمن هذه المضاعفات تشكل خطراً على الإنسان وقد تحتاج إلى تدخلات جراحية كبيرة يصعب كثيراً التنبؤ بنجاحها. كذلك حال العلاج بالأدوية في ظروف مرضية متردية كهذه. ولعل ما يشكل واقعا كارثيا بقاء واستمرار تلك العادات والسلوكيات غير الصحية السائدة في أغلب الأرياف مثل (الوضوء، الاستحمام، الشرب، السباحة، غسل الأواني والملابس) في برك الأمطار المكشوفة والحواجز المائية والسدود والغيول الجارية ؛ وأسوأها وأفظعها اقتراف أعمال قبيحة يدينها الإسلام بشدة، كالتبول والتبرز في مصادر المياه أو بالقرب منها، ذلك لأن هذه القاذورات لا تفسد المياه وتلوثها بمختلف الأمراض الخطيرة وحسب، وإنما تمثل السبب المؤدي مباشرة للعدوى بالبلهارسيا، وتشكل بؤراً صالحة لتكاثر المرض واستفحال انتشاره وخطره. إلى جانب إسهام إهمال النظافة الشخصية وعدم اتخاذ المراحيض لقضاء الحاجة في تردي الأوضاع بما يعزز اتساع المشكلة وآثارها.إذن لا بد أن يعي الناس جيداً أهمية ترك العادات والسلوكيات السلبية تلك لأجل صحتهم وصحة من حولهم، مسترشدين ومتبعين قواعد الوقاية بمعية المعالجة للمصابين والمعالجة الوقائية الجماعية للمستهدفين من خلال حملات المعالجة ضد هذا الداء حتى يؤول إلى زوال.وفي نهاية المطاف يحضرني التذكير بموعد تنفيذ حملة جديدة للتخلص من مرض البلهارسيا في الفترة من(11 - 14 أبريل 2011م)، وأدعو الجميع من عمر(6 أعوام فما فوق) بالمديريات المستهدفة بمحافظات (إب-عمران-الحديدة-لحج- حجة) للحضور إلى المرافق الصحية والمدارس دون مطلٍ أو إبطاء، فهناك متسع من الوقت للمعالجة خلال الحملة يمتد إلى أربعة أيام، لكونها تعد معالجة للمصابين بالبلهارسيا ووقائية لغير المصابين.وللعلم فإن علاج البلهارسيا في الحملة مجاني لجميع المستهدفين، ويعتمد تحديد مقدار الجرعة فيها على قياس طول الجسم، وكلنا أمل في أن تحقق النجاح المأمول لثقتنا بهمة وحرص المجتمع للعمل على زوال خطر مرض البلهارسيا وزوال تهديداته الفادحة. • المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكاني بوزارة الصحة العامة والسكان
|
المجتمع
حملة البلهارسيا.. لحماية المجتمع
أخبار متعلقة