دمشق/ متابعات: يشكل معرض جداريات الذي افتتح في صالة كامل للفنان التشكيلي السوري فؤاد دحدوح خطوة مميزة في تجربته الفنية التي غلب عليها اشتغاله في النحت ولاسيما أنه عاند المنحوتة وأسندها إلى لوحة جدارية بمنطق الرولييف مفعمة بألوان الشرق. ويستعيد الفنان دحدوح في معرضه الذي يضم نحو 15 لوحة هاجس التجريب الحيوي مصطحباً معه مجموعة شخوصه ولاسيما المرأة وبعض مفردات وتفاصيل بدايات تجربته ليعيد تكوينها وبناءها الفني بشكل أكاديمي ضمن مشهديات حوارية تسرد قصصاً عميقة آتية من صميم هذه الأرض المليئة بالأساطير والحكايات والذكريات. إلا أن دحدوح ابتعد عن التعقيد في صوغ هذه الشخوص وبلمسات تحوير جريئة أسبغ عليها سمات الإنسان الفطري البسيط فتحولت لوحاته إلى فضاءات مفتوحة على احتمالات الفرجة البصرية المقننة التي اعتمدت التقشف في اللون والاختزال في الشكل. كما لم يقتصر الفنان دحدوح في بناء لوحته على مساحة الرؤية الجمالية بل أغناها بحالة تأملية تشد عين المتلقي أكدتها خطوطه التي تشتد وتتماهى حسب موقعها وأهميتها من حيث الدلالة والقصد أو من خلال اللون الذي يوشح بعض الشكل في المقدمة أو يتراجع إلى الخلفية حسب ضرورته. ورغم أن الفنان دحدوح مارس خلال سنواته السابقة اتجاهي التصوير والنحت بشكل منفصل إلا أنها المرة الأولى التي يجمعهما فيها ضمن توليفة فنية عبر هذه الجداريات التي أسبغ عليها اللون دون أن يكون تأثيره سلبياً على اللوحة مؤكداً أن هذا الجمع مشروع للفنان الذي يمكنه أن يستفيد من خصائص أساليب فنية عدة. وأضاف دحدوح إنه اعتمد في هذه الجداريات على شخوص تتسم بالبراءة الإنسانية الفطرية المسالمة من خلال هدم تكوينه الفني بشكل أكاديمي ومن ثم إعادة بنائه بشكل خاص وقال ومع ذلك سعيت إلى المحافظة على أكبر قدر من البناء الأكاديمي لهذه الشخوص. ولا ينفي دحدوح اعتماده على الأساطير الشرقية في موضوع لوحاته والتي تظهر بشكل واضح في رموز كالسفينة والسمكة وغيرها والتي استفاد منها في إكمال المشهدية الحوارية لشخوصه والتي يمكن للجمهور أن يفسح المجال لخياله في تركيب أحداثها وإدراك تفاصيلها وأسرارها. ويضيف: إن لوحاتي تحمل الكثير من الفن السوري القديم الذي حاولت صياغته ضمن أطروحات فنية حديثة خاصة بي دون التخلي عن أساسيات شرقية مثل الألوان الزرقاء والترابية أو أسلوب التعتيق المرهون لهذه المنطقة. وأكد دحدوح أهمية الاعتماد على الموروث الفني ودراسته بشكل جيد ومن ثم طرحه بصيغ فنية جديدة مبتكرة معتبرا أن التراث الشرقي مازال في جعبته الكثير من القيم الفنية التي يجب البحث في جمالياتها وتقديمها بشكل عصري. من جانبه قال الدكتور حيدر يازجي رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين إن هذا المعرض يمثل مشروعاً بحثياً يعمل عليه الفنان دحدوح في كيفية إبراز اللوحة بجماليات يريدها متكاملة وحاملة لحس جمالي يقنع المشاهد. ورغم أن المرأة كموضوع أخذت حيزاً عند الكثير من الفنانين إلا أنها احتلت مكاناً متميزاً في أعمال دحدوح وهذا ما يراه الفنان حيدر قيمة مضافة للأعمال المعروضة من خلال تصوير المرأة بشكل مختلف ورؤية ذاتية مغايرة عن طريق مواءمة النحت البارز مع الألوان الزيتية رغم ما تحمله هذه التجربة من صعوبة. وعن تحويره لبعض العناصر واعتماده على عدد من الرموز الشرقية أكد يازجي أن هذا ما يميز الرؤية الجمالية لكل فنان عندما يبحث عن تبسيط أشكاله محاولاً أن يجد لنفسه أسلوباً فنيا خاصا. ورغم ابتعاد الفنان دحدوح عن الواقعية في أعماله إلا أنها ضمت الكثير من التعبيرية والذاتية والتي يراها الدكتور يازجي بعيدة عن كونها طلاسم لا يمكن معرفة مدلولاتها إنما هي حالة إنسانية تعبيرية ترمز إلى حدث معين مشفوعة بتقنية متطورة استطاع الفنان أن يصل من خلالها إلى التعبير عن رؤاه الفنية بشكل غير مألوف. فيما رأى النحات أكثم عبد الحميد مدير الفنون الجميلة أن المعرض تجربة مهمة بالنسبة لصاحبه بعد غيابه النسبي عن العرض لولا بعض مشاركاته وقال:(إن هذا المعرض رسم ملامح تجربة الفنان للفترة المقبلة ولاسيما من خلال أعمال مهمة احتوت على تحليل جيد وتعبيرية عالية وأشكال مختزلة ومبسطة تؤكد معرفته بالقيم النحتية والتدرج اللوني والمساحات وتوزيعها بشكل حسن. وأشار عبد الحميد إلى أن الجمع بين النحت والتصوير تجربة فنية أراد الفنان دحدوح تكريسها بإدخال الومضات اللونية بهدف رفع الحالة البصرية والتعبيرية للوحته. يشار إلى أن فؤاد دحدوح من مواليد عام 1959 خريج كلية الفنون الجميلة بدمشق قسم النحت 1984 وكلية ليون الثانية في فرنسا عام 1990 ويعمل حاليا أستاذا لمادة النحت في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق بعد أن شارك في معارض عدة داخل سورية وخارجها.
|
رياضة
جداريات الفنان فؤاد دحدوح.. مزج النحت بالتصوير وصياغة التراث الشرقي بتعبيرية خاصة
أخبار متعلقة