حمزة الحضرمي :عُرف الغناء التهامي بأصالة و جمال إبداعه الرقيق، فحظي بشعبية كبيرة استهوت مسامع أبناء الساحل والسهل والجبل والوادي بل تعدت شهرته الحواجز الحدودية ليؤكد حضوره بشكل قوي.لكن هذا اللون يعاني اليوم غيابا لافتا في الساحة الفنية اليمنية فقلما نسمع صوتا جديدا من تهامة في وقت تتصاعد عدد أصوات الفنانين الصاعدين كل عام في بقية الألوان الغنائية اليمنية.يُجمع فنانون تهاميون و شعراء و باحثون على وجود معاناة يعيشها اللون الغنائي التهامي نتج عنها عدم تمتعه بالحضور الكافي في الساحة الفنية ويختلفون في تحديد أسباب هذه المعاناة ..نحاول تسليط الضوء على هذا الغياب في هذا التقرير:[c1]خطر الضياع :[/c]يرى الفنان التهامي حسن علوان أن "الأغنية التهامية لم تُقدم بعد وما قدمه فنانو تهامة إلى الآن لا يمكن أن نطلق عليه أغنية تهامية يقول علوان " ما قدمه الفنانون اليمنيون الكبار أمثال المرشدي , و أيوب والشميري وغيرهم, من أغاني اللون التهامي كما يطلقون عليه , إنما قدموا أغاني بلهجة تهامية , افتقدت لأهم مقومات الأغنية التهامية الأصيلة النابعة , في ضروبها و إيقاعاتها .. و حتى أبناء تهامة أنفسهم لم يستطيعوا تقديم هذا اللون بكامل خصائصه الفنية ومميزاته كفن و لون مستقل كاللون الصنعاني واللحجى والحضرمي وغيره".وارجع علون ذلك لعدة لأسباب عدة منها ما يتعلق باللون نفسه كون الأغنية التهامية الأصيلة ارتبطت بالفلكلور و إيقاعاته التراثية التي تعد من أهم ملامح الأغنية التهامية , و التي بطبعها مازالت ضائعة غير موثقة وغير مكتملة.يقول علوان " لقد ارتبطت الأغنية التهامية الأصيلة بالفلكلور .. فنحن لدينا موروث ثقافي هائل و لكنه غير مكتمل , فهناك الكثير من المقاطع الشعرية الغنائية الراقصة، ولكنها تبقى مقاطع فقط غير مكتملة تحتاج إلى من يبحث عنها و يكملها و يقننها ويؤصلها كبقية الألوان الغنائية اليمنية " ويضيف الفنان علوان " على سبيل المثال أغنية " عطا ورب كريم " التي غنيتها أنا والكثير يعرفها هذه الأغنية لم نحصل إلا على بيتين من أشعارها فقط و هي تراثية تهامية تتمتع بكل مقومات الأغنية التراثية و فلكلورية راقصة , لكنها ناقصة فقمت أنا بإكمال أبياتها و أدخلت عليها بعض الألحان التي غطت ذلك النقص. "وأوضح ان التراث اللون التهامي زاخر بالجمال ولكنه يحتاج إلى من يضطلع بهذه المسؤولية من الباحثين و المجتهدين لتنقيب عن هذا التراث الغني وتأصيله و قوننته واستيفاء نواقصه وتكملة ما لم يعثر عليه بخبرة فاحصة عبر فلكلوره المرتبط برقصاته و ضروبه الإيقاعية التي مازالت تتعرض كل يوم إلى الضياع , و التحريف, و الاندثار . ويقول علوان " لا تستغرب إن قلت لك انه لايمكنك أن تجد شخضا في تهامة يحفظ أغنية من تراث اللون التهامي , و إن وجد ربما يأتيك بمقطع أو مقطعين ويقف , و ذلك لأنها غير مكتملة ". من جانبه يؤكد مدير مؤسسة 13 يوليو للإنتاج والتوزيع الفني محمد عبد السلام مدهش أن الأغنية التهامية لا تتمتع بالحضور الكافي مقارنة بغيرها من الألوان اليمنية الأخرى , مشيراً إلى ما أنتجته مؤسسته من اللون التهامي وما غناه الكثير من كبار الفنانين اليمنيين و التي حظيت بشعبية كبيرة استهوت مسامع أبناء السهل و الجبل بل تعدت الحواجز الحدودية لتستهوي المسامع الخليجية, منوهاً باعتزام مؤسسته إعادة إنتاج الأغاني التهامية القديمة في عمل إخراجي مرئي يستفيد من الإنتاج الفني الحديث المعتمد على الصورة المعبرة عن ملامح جمال النص الفريد . ويرى مدهش ان قلة الأصوات التهامية و عدم حضور الفنان التهامي، و محدودية شهرته , قد تكون أبرز عوامل هذا الغياب كون شهرة الفنان و شعبية صوته أصبحتا تشكلان عاملين مهمين في عملية تسويق و بيع الأغاني، وهو ما يعاني منه الفنان التهامي كثيراً.وقال مدهش" انتجنا الكثير من أغاني اللون التهامي , و لدينا الكثير من النصوص الجميلة باللهجة التهامية , التي نريد إنتاجها و لكن لم نجد الفنان التهامي الذي يحظى بشعبيته وحضوره الفني كما لا نستطيع أن نعطيها فنانا آخرا قد يقتل النص باللهجة الصنعانية أو التعزية او غيرها ." فيما يؤكد الفنان حسن علوان وجود عدد كبير من الفنانين التهاميين الا انه يحمل وسائل الاعلام مسؤولية تغييهم و حصر شهرتهم و بالأخص قطاعي الفضائية و القناة الثانية للتلفزيون , مشيراً إلى أن الأغنية التهامية وصوت الفنان التهامي و رقصات البحر الطروب و جماله الساحر أصبحت تعاني الغربة الكبرى في ظل تجاهل شاشة التلفزيون لها , وهو ما يجعل اغلب الفنانين يتقوقعون في أماكنهم ليقوموا بتقليد الأغاني الحديثة لتلبية رغبات أوساطهم المحصورة في الأعراس و الحفلات الضيقة في القرى والمديريات .. يقول علوان " يتعذر مسؤولو الفضائية اليمنية كثيراً عندما اطلب منهم تسجيل أغنية تهامية بأن مكان التصوير في تهامة بعيد و التكاليف ستكون باهظة " .. و يستطرد علوان " بينما تصوير وإنتاج الأغنية التهامية لابد فيه من تجسيد معالم الكلمات و اللهجة بتصوير البحر والواقع التهامي ".[c1]التغييب الإعلامي :[/c]ويؤكد الفنان شبيلي أحمد شبيلي ما ذهب اليه الفنان حسن علوان بخصوص التغيب الإعلامي معتبرا الفضائية اليمنية تقف وراء غياب الفنان التهامي .. يقول شبيلي " لقد سجلت لي الفضائية عمل واحد بصعوبة إلا انه لا يعرض إلا نادراً و النادر الحكم ولا شهرة و لا حضور له " و يشير إلى حالة الفقر التي تعيشها منطقة تهامة و التي جعلت الفنانين يشعرون بعدم الرغبة بالإنتماء الى الفن كونه لا يؤكلهم عيش و لا يفتح بيت و هي الحالة التي تنعكس على الحركة الفنية في المنطقة"[c1]مركزية المنطقة :[/c]فيما أرجع الشاعر و الباحث علوان مهدي الجيلاني أن غياب الأغنية التهامية إلى غياب مركزية المنطقة التي فقدت مركزيتها منذ ثمانين عاماً, و يقول الجيلاني : إن اللون اللحجي تأسس في لحج لأن لحج كانت مركزاً لدولة العبدلية , و تاسس اللون العدني لأن عدن كانت دولة و تأسس اللون الصنعاني في صنعاء لأن صنعاء مركزاً لدولة و مازالت كذلك " ويضيف الجيلاني : انه برغم ان الفن الحميني تأسس في تهامة قبل /700/ ستة و تخرج منه فنانون و مسمعون كبار إلا انه منذ فقدت تهامة مركزيتها تعرض للنفي والإقصاء و التهميش القصري , كما زاد على ذلك إهمال اهلها و فقرهم و عدم إجتماعهم على كلمة واحدة , وكذا عدم وجود بيوتات مالية كبيرة تتبنى الفن و أهله، كما هو في حضرموت مثالاً.ويقول الجيلاني إن الحديث عن غياب الأغنية التهامية مثله مثل الحديث عن ضياع المخطوطات التهامية و إندثار و إنطمار أكثر من /45/ مدينة و معقل علمي تحت التراب مثل " المهجم , والمحالب , والمعقر , و الكدرة , و أبيات حسين " وغيرها .. مثل الحديث عن دمار البيئة وفقر الناس .. وهو ما يحتاج الى كتابات طويلة ومعمقة.
|
رياضة
الأغنية التهامية.. وأسباب غياب لون أصيل!
أخبار متعلقة