الثورة اليمنية .. عقود مشرقة من الإنجازات الرائدة في القطاعات الخدمية
صنعاء / سبأ:أشرقت شمس الثورة اليمنية المباركة في صبيحة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م واليمن تقبع في واقع مرير من التخلف والجهل والبؤس، وتفتقر لأبسط مقومات الحياة من بنية تحتية وخدمات، وكأنها لا تزال تعيش في القرون الغابرة. وتؤكد هذا الواقع المتخلف والمأساوي شخصيات عربية واجنبية عايشت حال اليمن آنذاك عن قرب.. فيذكر الشاعر والكاتب اللبناني أمين الريحاني أن من يريد أن يرى كيف كانت الحياة في القرون الوسطى فعليه بزيارة اليمن. ويقول الريحاني : « وكأنك في السياحة في تلك البلاد السعيدة، تعود فجأة إلى القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) لا مدارس ، ولا جرائد ، ولا مطابع ، ولا أدوية ، ولا أطباء ، ولا مستشفيات في اليمن ، إن الإمام هو كل شيء، العالم ، والطبيب، والمحامي، والكاهن». وتتفق الطبيبة الفرنسية كلودي فايان مع هذا الرأي بقولها : « مهما يكن من أمر فإن اليمن التي تساوي ثلث مساحة فرنسا ويسكنها نحو خمسة ملايين نفس لا تزال تعيش في ظلام القرون الوسطى، وهي من وجهة النظر السياسية مملكة إقطاعية، اقتصادها قائم على الزراعة والحرف. وتضيف :» من النادر الدخول إلى اليمن أو الخروج منها عن غير طريق عدن، فليس من خط جوي منتظم يمر فوق الأراضي اليمنية.. ورغم أن في مدن اليمن الرئيسية الثلاث: صنعاء والحديدة وتعز، مطارات صالحة لنزول الطائرات فلا تستعملها إلا طائرات الإمام لأنها محرومة من المؤسسات اللاسلكية التي تفرضها اللوائح الدولية».[c1]خطط إستراتيجية وخطط تنموية عاجلة[/c]ورغم التركة الثقيلة التي ورثتها الحكومات المتعاقبة منذ نجاح الثورة اليمنية المباركة (26 سبتمبر و14 أكتوبر) من الإطاحة بالإمامة المستبدة والإستعمار البغيض نتيجة لتلك الاوضاع, إلا أن حكومات ما بعد الثورة ركزت على تبني خطط استراتيجية وخطط تنموية عاجلة للبدء تدريجيا بإنشاء مشاريع البنية التحتية والخدمية بما في ذلك انشاء وتطوير أنظمة النقل والاتصالات والموانئ والمطارات وتوفير شبكات الكهرباء والمياه وخدمات الصحة والتعليم وغيرها من البنية التحتية اللازمة لنشاط مختلف القطاعات الاقتصادية الانتاجية والخدمية. وعلى الرغم من شحة الموارد وتعدد الإحتياجات في بلد كان يفتقر لأبسط مقومات الحياة, إلا أن الجهود الحكومية بدأت تؤتي ثمارها بالتدريج في سبيل إنتشال حال البلد من ذلك الوضع المزري لتدب الحياة مجددا على أرض السعيدة, وبدأ دوران عجلة التنمية ببطء في العقد الأول للثورة، ليتسارع تدريجيا في عقدي السبعينات والثمانينات، قبل أن ينطلق بخطى متسارعة في عقد التسعينات خصوصاً بعد أن تهيأت الظروف الموضوعية والملائمة لتحقيق الهدف الأسمى لكفاح الشعب اليمني وقواه الوطنية المتمثل في إعادة لحمة اليمن أرضا وإنسانا من خلال تحقيق الوحدة المباركة واعلان قيام الجمهورية اليمنية في الثاني والعشرين من مايو 1990م. وشعبنا اليمني يحتفل بأعياد الثورة اليمنية المباركة العيد الـ 48 لثورة الـ 26 من سبتمبر الخالدة والعيد الـ 47 لثورة الـ 14 من أكتوبر المجيدة والعيد الـ43 للإستقلال (30 نوفمبر) .. نرصد في هذا التقرير أبرز التحولات والمنجزات التي شهدها اليمن في عهد الثورة المباركة في مجالات البنية التحتية والخدمات. فقد ورثت الثورة وطنا كان المرض يتفشى في اكبر عدد من مواطنيه في الريف والحضر على حد سواء، وتنعدم فيه ابسط مقومات الخدمات والرعاية الصحية، باستثناء ثلاثة مستشفيات في صنعاء وتعز والحديدة، اذا جاز لنا تسميتها بالمستشفيات، لانها تفتقر لابسط الخدمات. ووصفت غرف رقود النساء بمستشفى تعز الذي يحتوي على 30 سريراً بأنها «زرائب بكل معنى الكلمة» حيث تتمدد فيه النساء الواحدة جوار الأخرى على الأرض القذرة، وشبهت حجرات الرقود فيه بمعسكرات الإبادة والفناء، موضحة أن الطبيب كان يمر بين العشرات من المرضى الذين يفترسهم «التيفوئيد» وكثير منهم مشرفون على الموت، ولا يوجد لهم في المستشفى الوحيد دواء وهم يستغيثون ويتضرعون بلا جدوى. ويؤكد ذلك عضو مجلس قيادة الثورة وأول وزير للصحة في اول حكومة للثورة علي محمد سعيد بقوله :» لقد عانى شعبنا في تلك الحقبة اوضاعا مأساوية وتخلفأ في الوضع الصحي بشكل كبير.. فلم يكن هناك في المحافظات الشمالية كلها سوى ثلاثة مستشفيات في صنعاء وتعز والحديدة في حالة متدهورة لأتقدم اية خدمات صحية تذكر، كما لم يكن هناك اية مراكز صحية، اما الاطباء فلم يكن يوجد حينها سوى قلة من الممرضين في عموم البلاد كلها». وكانت الامراض الاكثر شيوعا خاصة في الشمال في ظل الحكم الامامي المتخلف هي الأمراض المعدية، حيث اجتاحت اليمن أوبئة معدية وخطيرة سببت آلاف الوفيات، وفي مقدمتها وباء التيفوس، والحمى الراجعة التي لم تقتصر على منطقة معينة، بل طالت الكثير من المناطق بما فيها المناطق المحيطة بقصر الإمام. اما في المحافظات الجنوبية والشرقية التي كانت ترزح تحت الاحتلال البريطاني فكانت المرافق الصحية المعدودة فيها افضل حالا في مستوى خدماتها عن مثيلتها في المحافظات الشمالية، لكنها تركزت بشكل اساس في عدن التي حرص المستعمر على انشاء عدد من المستشفيات فيها ورفدها بكوادر طبية بريطانية وهندية خدمة لمصالحه ومؤسساته. وشهد هذا القطاع نقلة نوعية خلال العقود الماضية خصوصاً في عهد الوحدة المباركة، الأمر الذي أثمر تحسنا ملحوظا لجميع مؤشرات الخدمات الصحية، باعتراف المنظمات الدولية الصحية.. حيث تم خلال العقدين الماضيين فقط انجاز 2925 مرفقا صحيا شملت 155 مستشفى و421 مركزا صحيا و1906 وحدة صحية و49 مركز أمومة وطفولة و49 مجمعاً ومعهداً صحياً، تميزت بمواءمتها لتلبية كافة الاحتياجات الصحية اللازمة لعلاج ومكافحة جميع الأمراض المستعصية، وبكلفة اجمالية بلغت 78 مليار ريال. وبذلك ارتفعت المنشآت الصحية من 75 مستشفى و1310 مركزا صحيا ووحدة رعاية صحية اولية في بداية التسعينيات، الى اكثر من 230 مستشفى و3990 مركزاً صحياً ووحدة رعاية صحية اولية عام 1999م, بحيث أصبحت الوحدات الصحية والمنشآت الطبية منتشرة في عموم المحافظات، وأضحت اليمن خالية من مرض شلل الأطفال بشهادة منظمة الصحة العالمية، فضلاً عن تحقيق تقدم كبير في مجال مكافحة الملاريا وغيرها من الأمراض الأخرى. [c1]تطبيق إستراتيجية الرعاية التكاملية لصحة الطفل[/c]وارتفع عدد الأطباء من صفر في عام 1962م إلى اكثر من 6987 طبيبا عام 1999م بينهم 1649 طبيباً اختصاصيا في الاختصاصات المختلفة، و642 طبيب أسنان، ووصل عدد الصيادلة الى 2205 والممرضين والممرضات الى نحو 12 الفاً، والقابلات إلى 3832 قابلة، فيما وصل عدد الفنيين في مجال الاشعة الى 10 آلاف و899، والفنيين في مجال التخدير الى 27 الف و910 فنيين ، فضلا عن 2290 مساعد طبيب، و2734 مخبراً، و295 فنياً في مجال العمليات. وفضلا عن ذلك جرى إنشاء أقسام ومراكز متخصصة كالمركز الوطني لعلاج الأورام السرطانية، وافتتاح فروع له في ست محافظات، وانشاء 11 مركزاً للغسيل الكلوي، وستة مراكز للحروق، واربعة مراكز للقلب، و50 مركزاً للطوارئ التوليدية، وكذا 415 مركزاً للصحة الإنجابية، ومراكز لعلاج الأمراض النفسية والجذام ومحاجر صحية ومراكز للأطراف، الى جانب مركز وطني لمختبرات الصحة العامة مع ستة فروع له في المحافظات، ومراكز لنقل الدم وأبحاثها، ومراكز لعلاج أمراض السكر والأمراض المعدية والمنقولة مثل الإيدز، بالاضافة الى إنشاء إدارة لخدمات الطوارئ والإسعاف على الطرق السريعة، ونشر 76 سيارة إسعاف مجهزة بطواقمها المدربين على هذه الطرق. ولتحسين مستوى الخدمات الصحية تم رفع النفقات التشغيلية لكافة المرافق الصحية بحيث وصلت في بعضها الى 400 % ، ومنح جميع المستشفيات الاستقلالية المالية واستقدام 33 بعثة طبية أجنبية، الى جانب رفع مستوى وقدرات الكادر من خلال برامج التأهيل والتدريب في الداخل، حيث تم إنشاء المجلس اليمني للاختصاصات الطبية عام 1994م، وبلغ عدد الخريجين منه حتى العام الماضي 1865 طبيبا في شهادة الزمالة العربية الدكتوراه والماجستير والدبلومات، وإنشاء 21 معهدا صحيا في مختلف محافظات الجمهورية تجاوز عدد خريجيها 23 ألف كادر. وقد اثمرت تلك الجهود ارتفاع التغطية بالخدمات الصحية من 42 % عام 1992م إلى 64 % عام 2009م، بالرغم من توزع سكان اليمن في 137 ألف تجمع ، وهو ما يمثل تحدياً كبيراً في تقديم الخدمات الصحية، الى جانب خفض معدل وفيات الأطفال الرضع من 173 وفاة لكل 1000 ولادة حية في عام 1992م إلى 5ر68 وفاة لكل 1000 ولادة حية عام 1999م، وخفض معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة من 305 حالات وفاة لكل 1000 حالة ولادة إلى 78،2 وفاة لكل 1000 حالة ولادة حية، وخفض معدل وفيات الأمهات من 1000 وفاة إلى 365 وفاة لكل مائة ألف ولادة. كما ارتفع معدل التغطية الصحية للأطفال دون السنة من 50 % قبل عام 1990م ليصبح 87 % بنهاية عام 2009م، وذلك بعد تطبيق استراتيجية الرعاية التكاملية لصحة الطفل ابتداء من العام 2002م في 2050 مرفقا صحيا في 214 مديرية بمختلف محافظات الجمهورية، فيما تم تحقيق نجاحات كبيرة في مجال توسيع التغطية بالتحصين الروتيني لترتفع التغطية من 67 % عام 2000 إلى 86 % عام 2009م. فيما تركز وزارة الصحة العامة والسكان خلال الفترة المقبلة على تحسين جودة الخدمات الوقائية والتشخيصية والعلاجية والتأهيلية في كافة المرافق الصحية، وتعزيز وتطوير النظام الصحي الوطني ليكون قادراً على أداء المهام التي تساعد في تحقيق الأهداف الوطنية العامة للصحة، فضلا عن خفض معدلات حدوث وانتشار الأمراض المعدية والمزمنة التي تصيب جميع فئات السكان لاسيما الأطفال والنساء في سن الإنجاب، وخفض وفيات الأمهات وحديثي الولادة والرضع والأطفال دون الخامسة من خلال تقديم خدمات الرعاية الصحية الأولية الشاملة ذات الجودة العالية.