غضون
* ليتنا نتمكن من ترسيخ المبادئ المحترمة في مجال الخلاف في الرأي والعقائد والمذاهب والتفكير.. وهذه المبادئ ليست من أمور الكيمياء المعقدة بل سهلة ومتداولة على الألسن من باب الزينة أو النفاق نقولها وندعي ملكيتنا لها لكن من الناحية العلمية نسقط عند أول اختبار من المحيط الهادر إلى الخليج الهادئ.*كلنا ـ بما في ذلك السلفيون والإرهابيون نقول إننا نحترم مبدأ أن يفكر المرء بطريقته وأن يمارس حريته الفكرية والعقائدية، ونقول إن التفكير الذي لا يعجبنا والرأي الذي لا يروق لنا نرد عليه بنفس السلاح.. الفكر بالفكر والرأي بالرأي.. ثم ندع الرأي العام أو الجمهور يحكم في النهاية .. لكن من الناحية السلوكية أو العملية نتصرف غالباً كمستبدين وشموليين .. نصادر كتباً ونسجن مفكرين ونطوح بأفضل العقول ونحاصر الحريات المذهبية والفكرية وقانوننا الفعال هو قانون الخضوع والطاعة والإبقاء على الماضي والمألوف.* يالله .. كم عدد الكتب التي تمت مصادرتها من أيام ابن رشد إلى أيام نجيب محفوظ ومحمد عبد الولي.. وكم عدد المفكرين الذين ضحينا بهم أو انتزعنا منهم فضيلة القدرة على التغيير.. وكم عدد الانقلابات وعدد المذاهب التي حوربت.. وكم هي لغتنا مطواعة وثرية في نحت كلمات وعبارات واستخدامها في مصادرة حرية التفكير والرأي والاعتقاد.. متآمر منحرف .. شاد التفكير.. مدلس .. خارج عن الجماعة .. مهرطق .. كافر.. خالف الشريعة مجدّف في حق الذات الإلهية.. وغيرها من الأسلحة التي كانت كفيلة بإخماد العقول وتحويل المفكر إلى منافق، وغير ذلك من الخسائر التي ألحقناها بأنفسنا، والمصادرات التي حرمنا بها مجتمعاتنا من فرص التطور والتغيير .. والفتاوى التي طوحت بكتب وكتاب وأمخاخ وأرواح.