درج التنظيم الدولي للإخوان المسلمين مؤخراً على شن حملات إعلامية منظمة ضد عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عبر مختلف وسائل الإعلام العربية التي يوجد لخلايا هذا التنظيم نفوذ إداري أو مهني فيها، حيث تحتل قناة (الجزيرة) مركز الصدارة في إدارة وشن هذه الحملات التي يستهدف الإخوان المسلمون من خلالها تقديم صورة سوداء وقاتمة لأوضاع مصر في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، والإفراط في تشويه العهد الناصري وتقديمه في صورة نظام ديكتاتوري واستبدادي قمعي.وكعادتهم دائما دأب الإخوان المسلمون الذين يهيمنون على قناة (الجزيرة) في ذكرى وفاة جمال عبدالناصر على بث برامج تستهدف الانتقام الهمجي من القائد الراحل والاصرار على تسويد صورته في ذكرى رحيله سنويا، وهو ما فعله الاخوان المسلمون أيضاً في الذكرى التسعين لميلاد جمال عبدالناصر في شهر يناير الماضي حيث حرصت (الجزيرة) على بث برنامج تحدث فيه عدد من رموز الاخوان المسلمين بما يسيىء الى صورة القائد الراحل جمال عبدالناصر كذبا وتضليلا.وإسهاما في التصدي للحملة العدوانية الغاشمة التي يشنها (إخوان الجزيرة) على هذا القائد الراحل الذي ارتبط اسمه بانجازات تاريخية حققتها حركة التحرر الوطني العربية ضد الاستعمار ومن أجل الحرية والاستقلال، نعرض في مايلي عددا من الكتب التي تناولت سيرة العلاقة بين جمال عبدالناصر والإخوان المسلمين بما في ذلك بعض الكتب الصادرة عن الاخوان المسلمين أنفسهم، وغيرها من الكتب التي تضمنت عدداً كبيراً من الوثائق حول علاقة عبدالناصر بالإخوان المسلمين، وبضمنها تلك الوثائق التي نشرها الكاتب محمد حسنين هيكل في مجلده الضخم «ملف السويس»، بالإضافة إلى اعترافات خطية لقادة الإخوان المسلمين الذين شاركوا في مؤامرة 1954م ومؤامرة 1965م.في المدخل الاستهلالي لكتابه التحليلي الوثائقي القيم «عبدالناصر والإخوان المسلمون»، أورد الكاتب الراحل عبدالله إمام عرضاً موجزاً للأعمال الإرهابية التي ارتكبها الجهاز الخاص للإخوان المسلمين قبل ثورة 23 يوليو.وكرس الكاتب لهذا الغرض أكثر من 55 صفحة على امتداد هذا المدخل من صفحة 17 حتى صفحة 73 حيث شملت هذه الصفحات تلخيصاً «لأبرز الأعمال الإرهابية الإخوانية» التي شملت اغتيال عدد من الشخصيات السياسية والقضائية وتفجير دور السينما وإحراق المسارح والمحلات التجارية ومحلات التسجيلات الغنائية الصوتية في وسط العاصمة المصرية القاهرة.في هذا السياق يوضح الكاتب جوانب واسعة من العلاقات القديمة التي ربطت قادة ثورة 23 يوليو بجماعة الإخوان المسلمين، مشيراً إلى أن هذه العلاقات كانت معقدة وبدأت في الأربعينات حين كان مشروع إعادة بناء الدولة الوطنية الحديثة مجرد فكرة تختمر في عقول ونفوس عدد محدود من الضباط الوطنيين الذين تألموا لأوضاع البلاد وحاولوا تلمس طريق الخلاص من فساد الأحزاب السياسية، فلم يجدوا عندهم أي حل للقضية الوطنية وللقضايا الاقتصادية والاجتماعية.لم يعد أمام هؤلاء الضباط في ضوء تلك الحالة المحبطة سوى الاعتماد على أنفسهم وقوتهم، والشروع في تشكيل تنظيم محدود سرعان ما نما وتطور وأصبحت له خلايا وفروع داخل صفوف ضباط الجيش.لم يكن تنظيم الضباط الأحرار موحد الفكر والأهداف، لكنه كان يضم مجموعة متباينة من الضباط الوطنيين الذين التقوا حول عدد محدود من الأهداف وهي المبادئ الستة التي أعلنتها الثورة.بيد ان ذلك التوحد لم يحل دون ان يكون لعدد منهم انتماؤه السياسي والفكري فكان بينهم الإخوان المسلمون والماركسيون والقوميون وغيرهم.. وقد بدأت العلاقة الاقتصادية بين الإخوان وقادة الثورة منذ الأيام الأولى للثورة حيث أصدر مجلس قيادة الثورة قراراً بحل الأحزاب، ولكنه استثنى جماعة الإخوان المسلمين لانها كانت تقدم نفسها كجمعية دينية دعوية.الإخوان يحرضون ضد التعددية الحزبيةكان الإخوان المسلمون حريصين منذ اليوم الأول لقيام الثورة على تحريض مجلس قيادة الثورة ضد الأحزاب وتكوين قناعة بضرورة حلها. وعندما اقتنع قادة الثورة بعدم قدرة الأحزاب على تحقيق التغيير الذي يحتاجه الشعب بسبب فسادها وترهلها، طلبت وزارة الداخلية من الأحزاب أن تقدم إخطارات عن تكوينها، فقدم المرشد العام شخصياً أثناء زيارة مكتب سليمان حافظ وزير الداخلية إخطارا «رسمياً» بأن الاخوان جمعية دينية دعوية، وان أعضاءها وتكويناتها وانصارها لا يعملون في المجال السياسي، ولا يسعون لتحقيق أهدافهم عن طريق أسباب الحكم كالانتخابات، ونفى أن يكون ذلك من بين أهداف جماعة الإخوان المسلمين، الأمر الذي جعل قانون حل الاحزاب الذي اصدره مجلس قيادة الثورة لا ينطبق على الاخوان المسلمين.بعد أربعة أشهر على قيام الثورة، وبالتحديد في صبيحة يوم صدور قانون حل الأحزاب في يناير سنة 1953م حضر إلى مكتب جمال عبدالناصر وفد من الاخوان المسلمين مكون من الصاغ الإخواني صلاح شادي والمحامي منير الدولة وقالا له: «الآن وبعد حل الأحزاب لم يبق من مؤيد للثورة إلا جماعة الإخوان ولهذا فانهم يجب أن يكونوا في وضع يليق بدورهم وبحاجة الثورة لهم»، فقال لهما جمال عبدالناصر: «إن الثورة ليست في أزمة أو محنة، وإذا كان الإخوان يعتقدون أن هذا الظرف هو ظرف المطالب وفرض الشروط فإنهم مخطئون».. لكنه سألهما بعد ذلك: «حسناً ما هو المطلوب لاستمرار تأييدكم للثورة»؟فقالا له: «اننا نطالب بعرض كافة القوانين والقرارات التي سيتخذها مجلس قيادة الثورة قبل صدورها على مكتب الإرشاد لمراجعتها من ناحية مدى تطابقها مع شرع الله والموافقة عليها.. وهذا هو سبيلنا لتأييدكم إذا أردتم التأييد».فقال لهما جمال: «لقد قلت للمرشد في وقت سابق إن الثورة لا تقبل أي وصاية من الكنيسة أو ما شابهها.. وانني أكررها اليوم مرة أخرى.. وبكل عزم وحزم.لكنهما أصرا على موقفهما وأبلغا عبد الناصر ان مهمتهما في هذا اللقاء ليست النقاش بل ابلاغ مطالب الاخوان فقط ونقل رد مجلس قيادة الثورة الى مكتب الارشاد، ثم جددا التأكيد على مطالب الاخوان المسلمين وهي:أولاً: ألا ّ يصدر أي قانون إلا ّ بعد أن يتم عرضه على مكتب الإرشاد للإخوان المسلمين ويحصل على موافقته.ثانياً: ألا ّ يصدر أي قرار إلا بعد أن يقره مكتب الإرشاد.وقد رفض جمال عبدالناصر بكل حزم هذين الشرطين لأن الإخوان أرادوا من خلالهما وغيرهما من الشروط الأخرى الحكم من خلف الستار وعدم تحمل تبعات الحكم الداخلية والخارجية.كان هذا الموقف الحازم لجمال عبدالناصر من مطالب الإخوان المسلمين نقطة التحول في موقفهم من الثورة وحكومة الثورة، إذ دأب المرشد بعد هذا التحول على إعطاء تصريحات صحفية مهاجماً فيها الثورة وحكومتها في الصحافة الخارجية والداخلية، كما صدرت الأوامر والتعليمات إلى هيئات الإخوان بأن يظهروا دائماً في المهرجانات والمناسبات التي يحضرها وينظمها رجال الثورة بمظهر الخصم المتحدي!!.وبعد ذلك قابل جمال عبدالناصر المرشد العام للإخوان المسلمين حسن الهضيبي في منزله بمنشية البكري في حي مصر الجديدة شمال مدينة القاهرة على أساس أن يكون هناك تعاون وتنسيق بين «الثورة» و«الإخوان» بعيداً عن الوصاية الدينية او السياسية، لكنه فوجئ بأن الهضيبي تراجع عن الشروط السابقة وقدم بدلاً عنها مطالب جديدة تتمثل في مطالبة مجلس قيادة الثورة بإصدار مراسيم بفرض الحجاب على النساء وإقفال دور السينما والمسارح ومنع وتحريم الأغاني و الموسيقى وتعميم الأناشيد الدينية واصدار مرسوم يلزم القائمين على حفلات وقاعات الافراح باستخدام أناشيد مصحوبة بايقاعات الصاجات (الدفوف) فقط، ومنع النساء من العمل وإزالة كافة التماثيل القديمة والحديثة من القاهرة وكل أنحاء مصر.كان رد عبد الناصر على هذه المطالب: «لن اسمح لهم بتحويلنا إلى شعب بدائي يعيش في أدغال أفريقيا مرة أخرى»، ورفض جميع هذه المطالب الجديدة التي تقدم بها «الإخوان المسلمون» وتساءل أمام مرشدهم الإمام حسن الهضيبي بصراحة ووضوح: «لماذا بايعتم الملك فاروق خليفة على المسلمين؟ ولماذا لم تطالبوه بهذه المطالب عندما كانت هذه الأشياء مباحة بشكل مطلق؟ ولماذا كنتم تقولون قبل قيام الثورة: «إن الأمر لولي الأمر»؟!!.ثم كتب بخط يده تحت الورقة التي تضمنت تلك المطالب: «لن نسمح بتحويل الشعب المصري إلى شعب يعيش حياة بدائية في أدغال أفريقيا»!!.واللافت للنظر ان الاخوان المسلمين قبلوا على مضض ــ او تظاهروا بقبول ــ رفض جمال عبدالناصر لجميع المطالب التي عرضوها عليه في اللقاءات السابقة، لكنهم أصروا على مطلب واحد يتعلق بضرورة الشروع باصدار مرسوم يقضي بفرض الحجاب على النساء، وقد حدث ذلك عندما اتصل به المرشد العام حسن الهضيبي واخبره بان مكتب الارشاد كلف كلا من حامد ابو النصر والشيخ فرغلي بمقابلته لأمر لا يعتقد الاخوان بانه قابل للتأجيل. وعندما قابل عبدالناصر موفدي الاخوان عرضا عليه رسوما قالوا انها تقريبية لثلاثة نماذج من الحجاب يمكن تطبيقها على مراحل بصورة تدريجية وفور مشاهدة عبدالناصر لهذه الرسوم التقريبية ضحك ساخرا وقال لهم (انا مش عارف سبب اهتمامكم باستهداف الستات!!).. ثم توجه الى حامد ابو النصر الذي اصبح مرشدا للاخوان المسلمين في وقت لاحق من الثمانينيات متسائلاً: «طيب ليه بناتك سافرات ياأستاذ حامد و ليه متلزمهمش بواحد من الحجاب ده اللي عايزين من مجلس قيادة الثورة فرضه على الستات بمراسيم»!!؟؟بعد فشل هذا اللقاء حاول «الاخوان المسلمون» صياغة أفكار جديدة حول شكل النظام السياسي الذي يجب ان تحدده الثورة حيث كتب سيد قطب مقالاً في جريدة «الأخبار» بتاريخ 8 أغسطس 1952م.. وجاء هذا المقال في صيغة رسالة مطالب موجهة إلى اللواء محمد نجيب رئيس مجلس قيادة الثورة طالبه فيها بدستور لا يحمي البلاد من فساد الملك وحاشيته ولكن من فساد الأحزاب والصحافة!!.ومضى سيد قطب في هذا المقال/ الرسالة قائلاً: «إن لم تحققوا أنتم التطهير الشامل الذي لا يبيح الحرية السياسية إلا للشرفاء فالشعب الذي احتمل ديكتاتورية طاغية باغية شريرة قادر على أن يحتمل ديكتاتورية مؤمنة نزيهة، على فرض ان قيامكم بحركة للتطهير يعتبر ديكتاتورية بأي وجه من الوجوه»!!.[c1]لماذا فصلوا الباقوري؟[/c]في أيام الثورة الأولى وقبل أن يعود المرشد العام من مصيفه بالإسكندرية وقفت الثورة إلى جانب جماعة الإخوان المسلمين وتمثل ذلك في عدد من القرارات التي أصدرها مجلس قيادة الثورة ومن بينها إعادة التحقيق في مصرع المغفور له الشيخ حسن البنا، والقبض على المتهمين باغتياله وتقديمهم لمحكمة جنايات القاهرة.. وقد أصدرت المحكمة برئاسة الأستاذ محمود عبدالرازق وعضوية الأستاذين محمد متولي ومحمد شفيع المصيرفي أحكاماً قاسية بحق المتهمين والزمتهم بالتكافل مع الحكومة بدفع عشرة آلاف جنيه ــ وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت ـ على سبيل التعويض لزوجة المرحوم حسن البنا وأولاده القصر والمشمولين بولاية جدهم الشيخ حسن البنا!!كما أصدر مجلس قيادة الثورة عفواً خاصاً عن قتلة المستشار احمد الخازندار من أعضاء الجهاز الخاص للإخوان المسلمين وعن بقية المسجونين في قضية اغتيال رئيس الوزراء النقراشي باشا، بالإضافة إلى العفو عن المحكوم عليهم في قضية إحراق مدرسة الخديوية الثانوية للبنات من قبل المتشددين في جماعة الإخوان المسلمين.. وقد خرج كل هؤلاء المعفو عنهم من قبل مجلس قيادة ثورة 23 يوليو من السجن إلى مقر الجماعة وسط مظاهرة سياسية عقدوا في ختامها مهرجاناً خطابياً كبيراً.بعد ذلك اصدر مجلس قيادة الثورة قراراً خاصاً بالعفو الشامل عن كافة المعتقلين السياسيين باستثناء الشيوعيين وبلغ عدد المفرج عنهم 934 معتقلاً معظمهم من الإخوان المسلمين.. كما قامت الثورة بتقديم خصم الإخوان اللدود إبراهيم عبد الهادي باشا إلى المحاكمة بتهمة تعذيب «الإخوان المسلمين».كانت الثورة أقرت تشكيل حكومة برئاسة محمد نجيب بالإضافة إلى منصبه كرئيس لمجلس قيادة الثورة على أن يكون للإخوان حقائب وزارية منها وزيران أو ثلاثة.. وقد اتصل المشير عبدالحكيم عامر ظهر يوم 7 سبتمبر 1952م بالمرشد العام الذي رشح وزيرين من الجماعة هما: الشيخ احمد حسن الباقوري عضو مكتب الإرشاد والأستاذ احمد حسني.وبعدها ببضع ساعات حضر إلى مبنى القيادة بكوبري القبة الأستاذان حسن العشماوي ومنير الدولة وقابلا جمال عبدالناصر وقالا إنهما قادمان ليدخلا الوزارة وموفدان من المرشد العام فرد عليهما جمال عبدالناصر بقوله: إنه ابلغ الشيخ الباقوري واحمد حسني بالترشيح وسوف يحضران بعد ساعة من الآن ليحلفا اليمين.اتصل عبدالناصر بالمرشد العام فوراً ليستوضح منه سبب تغيير أسماء المرشحين بعد أن تم إبلاغ الباقوري وحسني، فرد المرشد العام بأنه سيدعو مكتب الإرشاد للاجتماع بعد قليل وسوف يرد بعد ذلك على جمال عبدالناصر ولكنه لم يرد فعاود جمال عبدالناصر الاتصال به ففوجئ برد المرشد العام الذي أفاده بأن مكتب الإرشاد قرر عدم الاشتراك في الحكومة الجديدة، وعندما قال له جمال عبدالناصر إن مجلس قيادة الثورة ابلغ الشيخ الباقوري واحمد حسني وأنهما سيحضران بعد قليل لأداء اليمين رد عليه المرشد العام قائلاً:«نحن رشحنا صديقين للإخوان ولا نوافق على اشتراك الإخوان في الوزارة»؟!!في اليوم التالي نشرت الصحف المصرية تشكيل الوزارة الجديدة بعد أداء اليمين وكان ضمن أعضائها الشيخ احمد حسن الباقوري عضو مكتب الإرشاد وزيراً للأوقاف، فاجتمع مكتب الإرشاد وقرر فصل الشيخ الباقوري من جماعة الإخوان المسلمين واستدعى عبدالناصر الأستاذ حسن العشماوي وعاتبه على هذا التصرف وهدد بنشر جميع التفاصيل التي لازمت تشكيل الوزارة لكن العشماوي رجاه عدم النشر حتى لا تحدث مشكلة مع صفوف الإخوان تسيء إلى موقف المرشد العام.[c1]مذكرات محمد نجيب[/c]تحدث اللواء محمد نجيب في كتاب له تضمن مذكراته عن بعض القضايا التي تتعلق بالإخوان المسلمين حيث قال: «حاول الإخوان المسلمون الاتصال في ديسمبر 1953م عن طريق محمد رياض الذي اتصل به حسن العشماوي ومنير الدولة وطلبوا أن تتم مقابلة سرية بيني وبينهم واقترحوا مكاناً للمقابلة منزل الدكتور اللواء احمد الناقة الضابط بالقسم الطبي في الجيش وكانت هذه مفاجأة لأنني عرفت لأول مرة أن للدكتور احمد الناقة ارتباطاً بالإخوان المسلمين ورفضت فكرة الاجتماع السري بهم وأبلغتهم بواسطة محمد رياض أنني مستعد لمقابلتهم في منزلي أو مكتبي، لكنهم اعتذروا عن ذلك وطلبوا أن أفوض مندوباً عني للتباحث معهم فوافقت وعينت محمد رياض ممثلاً عني للاجتماع معهم بعد أن زودته بتعليماتي واجتمع محمد رياض بممثلي الإخوان المسلمين حسن العشماوي ومنير الدولة عدة مرات»!!بحسب المذكرات أوضح محمد رياض لممثلي الإخوان رأي محمد نجيب في إنهاء الحكم العسكري الحالي وعودة الجيش إلى ثكناته وإقامة الحياة الديمقراطية البرلمانية وعودة الأحزاب وإلغاء الرقابة على الصحف، ولكنهم لم يوافقوا على ذلك بل طالبوا ببقاء الحكم العسكري الحالي وعارضوا إلغاء الأحكام العرفية وطالبوا باستمرار الأوضاع كما هي على أن ينفرد محمد نجيب بالحكم وإقصاء جمال عبدالناصر وباقي أعضاء مجلس قيادة الثورة وأن يتم أيضاً تشكيل حكومة مدنية لا يشترك فيها الإخوان المسلمون، ولكن يتم تأليفها بموافقتهم.كما طالب الإخوان بتعيين رشاد مهنا وهو «إخواني» قائداً عاماً للقوات المسلحة بالإضافة إلى تشكيل لجنة سرية استشارية يشترك فيها بعض العسكريين الموالين لمحمد نجيب، وعدد مساوٍ لهم من «الإخوان المسلمين» بحيث يتم عرض القوانين على هذه اللجنة قبل إقرارها كما تعرض على هذه اللجنة الاستشارية السرية سياسة الدولة العامة وأسماء المرشحين «للمناصب الكبرى».ويضيف محمد نجيب في مذكراته: (كان الإخوان المسلمون يريدون بذلك السيطرة الخفية على الحكم دون أن يتحملوا المسؤولية)، ثم يمضي قائلاً: «رفضت جميع هذه الاقتراحات وانتهت المفاوضات السرية التي جرت بين محمد رياض وموفدي الإخوان المسلمين.. وقد تعرض محمد رياض للمتاعب في وقت لاحق بعد أن اعترف الصاغ حسن حمودة ــ وكان من الإخوان المسلمين ــ أمام المحكمة في شهر نوفمبر 1954م، بأن اتصالاً سرياً تم بيني والإخوان المسلمين بواسطة محمد رياض وذكر أمام المحكمة آرائي التي نقلها محمد رياض إلى حسن عشماوي ومنير الدولة، وصدر أمر بالقبض على محمد رياض بتهمة التخطيط لانقلاب على مجلس قيادة الثورة بالتعاون مع الإخوان المسلمين، ولكنه استطاع الهرب إلى الممملكة العربية السعودية بالطائرة».هكذا يناورون!!تدل الاعترافات التي أدلى بها قادة الإخوان بعد أحداث 1954م بميدان المنشية في الاسكندرية على أنهم بدأوا يعملون ضد الثورة في ثلاثة اتجاهات:الاتجاه الأول: معارضة المفاوضات المصرية البريطانية بشأن جلاء القوات البريطانية عن مصر وتوقيع اتفاقية الجلاء، وكان الإخوان اقترحوا على مجلس قيادة الثورة التوقف عن أسلوب المفاوضات وإعلان الجهاد وفتح المجال للمتطوعين من الإخوان للقتال..وتم الرد عليهم بأنكم بهذا المقترح تسعون إلى استنفار الانجليز ضد النظام الجديد وهو ما لم تفعلوه مع الملك.. بل إنكم أيدتم رئيس الوزراء الطاغية إسماعيل صدقي الذي وقع مع بريطانيا على معاهدة 1936م المعروفة بمعاهدة صدقي ـ بيفن وخرجتم بمظاهرة تأييد لهذا الطاغية، ووظفتم فيها الدين والقرآن لخدمة أهدافه السياسية وأهدافكم التي تقاطعت معها حين رفعتم في تلك المظاهرة شعار: «واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد».وبعد إلغاء معاهدة 1936م في 18 أكتوبر 1951م تحت ضغط الكفاح المسلح والعمل الفدائي ضد الانجليز في قناة السويس قال المرشد العام الجديد لمندوب جريدة «الجمهوري المصري» في 25 أكتوبر 1951م: «وهل تظن أن أعمال العنف ستخرج الانجليز من البلاد؟.. إن واجب الحكومة اليوم أن تفعل ما يفعله الإخوان من تربية الشعب وإعداده أخلاقياً فذلك هو الطريق الصحيح لإخراج الانجليز من مصر، كما خطب المرشد العام الهضيبي في شباب الإخوان قائلاً: «اذهبوا واعتكفوا على تلاوة القرآن الكريم»!!.وقد رد عليه خالد محمد خالد في (روز اليوسف) تحت عنوان «أبشر بطول سلامة يا جورج» في تاريخ 30 أكتوبر 1951م قائلاً: «الإخوان المسلمون كانوا أملاً من آمالنا لم يحركوا ولم يقذفوا في سبيل الوطن بحجر ولا طوبة، وحين وقف مرشدهم الفاضل يخطب منذ أيام في عشرة آلاف شاب قال لهم «اذهبوا واعتكفوا على تلاوة القرآن، ولا تتورطوا بالقتال».ويتساءل خالد محمد خالد في مقاله الذي رد به على خطاب مرشد الإخوان وأحاديثه الصحفية: « أفي مثل هذه الأيام يدعى الشباب للاعتكاف على تلاوة القرآن الكريم ومرشد الإخوان يعلم ان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وخيار صحابته تركوا صلاتي الظهر والعصر من أجل معركة»؟!!.الاتجاه الثاني: الاتصال بمستر ايفانز المستشار السياسي في السفارة البريطانية بالقاهرة حيث عقدوا معه عدة اجتماعات استمرت عدة ساعات في منزل الدكتور محمد سالم الذي أوضح لمستر ايفانز موقف الإخوان بان تكون عودة الانجليز إلى القاعدة بناءً على رأي لجنة مشكلة من المصريين والانجليز وان الذي يقرر حظر الحرب هي الأمم المتحدة!والغريب في الأمر أن الانجليز تبنوا هذا الرأي في مفاوضات الجلاء بعد أن رفضه الجانب المصري وثبت أن المستر ايفانز التقى أكثر من مرة بالمرشد العام وصالح أبو رفيقة ومنير الدولة.وكانت هذه الاتصالات موضع مناقشة أثناء محاكمة الإخوان، حيث اتضح من اعترافات المتهمين حقائق كثيرة ومنها ان البكباشي الإخواني عبدالمنعم رؤوف قابل أيضاً موظفاً كبيراً في احدى السفارات الأجنبية وأخبره بأنه يتحدث باسم الإخوان ومرشدهم وأنهم سيتولون مقاليد الحكم في مصر بالقوة ويطلبون تأييد السفارة البريطانية للانقلاب الجديد، ثم أضاف أن «الإخوان» على استعداد بعد ان يتولوا مقاليد الحكم للاشتراك في حلف عسكري ضد الشيوعية لان إسلامهم يحثهم على ذلك، وأن هذا الحلف لن يتحقق ما دام جمال عبدالناصر على قيد الحياة لانه سبق وان أدلى بتصريحات نشرت في جميع الصحف العالمية عن رأيه في الأحلاف العسكرية وأهدافها الاستعمارية!!.وكان المرشد العام للإخوان المسلمين اقترح على قادة الثورة ان تدخل مصر في حلف عسكري مع الغرب ضد روسيا وربطت الصحف بين توقيت الاعتداء الذي قامت به إسرائيل على الحدود المصرية في رفح وبين محاولة الإخوان لبدء تنفيذ خطتهم!!الاتجاه الثالث: تنشيط الجهاز السري من خلال ضم أكبر عدد من ضباط البوليس والجيش إليه، وقد اتصلوا بعدد من الضباط الأحرار وهم لا يعلمون انهم من تنظيم الضباط الأحرار فسايروهم وساروا معهم في خطتهم.. وكانوا يجتمعون بهم اجتماعات أسبوعية ويأخذون عليهم من هذه الاجتماعات عهداً وقسماً بان يطيعوا ما يصدر إليهم من أوامر المرشد العام وألا ينقضوا بيعتهم للمرشد.. كما جندوا عدداً من ضباط الصف وعندما تجمعت كل هذه المعلومات استدعى عبدالناصر حسن العشماوي وقال له: «إنني احذركم من أن ما يحدث سيلحق الضرر بالبلاد»، ثم وضع أمامه كل ما تجمع لدى مجلس قيادة الثورة فوعد بان يتصل بالمرشد العام ويبحث معه هذا الأمر ولكنه خرج ولم يعد على حد تعبير بيان مجلس قيادة الثورة الذي صدر عقب محاولة اغتيال جمال عبدالناصر في وقت لاحق من عام 1954م بميدان المنشية في الاسكندرية!!.وفي اليوم التالي استدعى جمال عبدالناصر فضيلة الشيخ سيد سابق والدكتور خميس حميدة وابلغهما ما لديه من معلومات وما ابلغه لحسن العشماوي في اليوم السابق فوعداه بأن يعملا على وقف هذا النشاط الضار.. ولكن النشاط لم يتوقف بل اتسع!!.ومما له دلالة عميقة ان المرشد العام للإخوان المسلمين أدلى بتصريح صحفي يوم 5 يوليو 1953م لوكالة (الأسوشييتد برس) قال فيه: «اعتقد أن العالم الغربي سوف يربح كثيراً إذا وصل الإخوان إلى الحكم في مصر، وأنا على ثقة بأن الغرب سيفهم مبادئنا المعادية للشيوعية والاتحاد السوفييتي وسيقتنع بمزايا الإخوان المسلمين».. وهكذا قدم المرشد العام مزاياه للغرب الاستعماري آنذاك.. ولعل هذا الموقف وغيره من مواقف الإخوان المسلمين هو الذي دفع المستر انتوني ايدن وزير خارجية بريطانيا إلى أن يسجل في مذكراته «أن الهضيبي كان حريصاً على إقامة علاقات ممتازة معنا، بعكس الرئيس جمال عبد الناصر».كانت المخططات الاستعمارية تتواصل خلال الخمسينات لتطويق المنطقة بحلف عسكري تحت ستار الدين هو «الحلف الإسلامي» الذي رفضه عبد الناصر بقوة!!في هذا السياق شعرت قيادة ثورة 23 يوليو بأهمية إقامة تنظيم سياسي شامل اطلقت عليه اسم «هيئة التحرير» فذهب المرشد العام لمقابلة عبد الناصر محتجاً بقوله: «ما هو الداعي لإنشاء هيئة التحرير ما دامت جماعة الإخوان قائمة»؟!.في اليوم التالي لهذه المقابلة أصدر حسن الهضيبي بياناً وزعه على جميع شُعَب الإخوان في المحافظات، وقال فيه: «إن كل من ينضم إلى هيئة التحرير يعد مفصولاً من الإخوان». ثم بدأ هجوم الإخوان الضاري على هيئة التحرير وتنظيمها الجماهيري «منظمة الشباب»، وبلغت ضراوة المواجهة بين الإخوان وشباب الثورة إلى حد استخدام الأسلحة والقنابل والعصي وإحراق السيارات في الجامعات يوم 12 يناير 1954م وهو اليوم الذي خصص للاحتفال بذكرى شهداء معركة القناة.توترت العلاقة على إثر هذا الحادث بين الإخوان والثورة وفي هذه الأجواء ذهب أحد أقطاب الإخوان وهو عبدالمنعم خلاف إلى القائمقام أنور السادات في مقر المؤتمر الإسلامي للتحدث معه بشأن الإخوان، مشيراً إلى أن مكتب الإرشاد قرر بعد مناقشات طويلة إيفاده إلى جمال عبد الناصر فرد عليه أنور السادات قائلاً: «هذ ه هي المرة الألف التي تلجؤون فيها إلى المناورة بهذه الطريقة فخلال السنتين الماضيتين اجتمع جمال عبدالناصر مع جميع أعضاء مكتب الإرشاد بمن فيهم المرشد العام حسن الهضيبي، ولم تكن هناك أي جدوى من هذه الاجتماعات لانهم كما قال عبد الناصر يتكلمون بوجه، وحينما ينصرفون يتحدثون إلى الناس وإلى أنفسهم بوجه آخر»..ويمضي السادات في مذكراته قائلاً: «كان عندي وفي مكتبي الأستاذ خلاف يسأل عن طريقة للتفاهم.. وفي مساء اليوم نفسه كانت خطتهم الدموية ستوضع موضع التنفيذ أي يوم الثلاثاء.. كان هذا اليوم نفسه هو الذي ضربته موعداً لكي يقابل فيه جمال عبد الناصر الأستاذ خلاف موفد مكتب الإرشاد»!!.كان عبد الناصر يلقي خطاباً في ميدان المنشية بالاسكندرية يوم 26 أكتوبر 1954م في احتفال أقيم تكريماً له ولزملائه بمناسبة اتفاقية الجلاء.. وعلى بعد 15 متراً من منصة الخطابة جلس السباك محمود عبد اللطيف عضو الجهاز السري للإخوان، وما إن بدأ عبدالناصر خطابه حتى اطلق السباك الإخواني 8 رصاصات غادرة من مسدسه لم تصب كلها عبدالناصر ، بل اصاب معظمها الوزير السوداني ميرغني حمزة وسكرتير هيئة التحرير بالاسكندرية احمد بدر الذي كان يقف إلى جانب جمال عبد الناصر.وعلى الفور هجم ضابط يرتدي زيا مدنياً اسمه إبراهيم حسن الحالاتي الذي كان يبعد عن المتهم بحوالي أربعة أمتار والقى القبض على السباك محمود عبد اللطيف ومعه مسدسه.. وبدأت بهذه الحادثة مرحلة جديدة وحاسمة من المواجهة بين ثورة 23 يوليو وتنظيم الإخوان المسلمين!.وزاد من تعقيد الموقف ان التحقيقات كشفت سفر المرشد العام حسن الهضيبي إلى الاسكندرية قبل يوم واحد من محاولة الاغتيال، ثم ظل مختفياً منذ الحادث لفترة طويلة.. وعندما صدر الحكم ضده وضد المرشد العام بالإعدام قام جمال عبد الناصر بتعميد الحكم على محمود عبد اللطيف وتخفيفه على المرشد العام حسن الهضيبي إلى السجن مع وقف التنفيذ.. وبعد ذلك ظهر الهضيبي إلى السطح من خلال رسالة خطية بعث بها من مخبئه إلى جمال عبد الناصر حاول فيها التبرؤ من الذين خططوا ونفذوا هذه الجريمة.[c1]الغزو من الداخل والخارج[/c]تحت هذا العنوان كرس الكاتب الراحل عبدالله إمام الفصلين الرابع والخامس من كتابه (عبد الناصر والاخوان المسلمون) واستهلهما بالإشارة إلى أن مصر كانت في النصف الثاني من عام 1965م تستعد لتنفيذ خطة تنموية جديدة بعد نجاح خطة التنمية الخمسية الأولى التي حققت أكبر نسبة تنمية في العالم الثالث كله باعتراف الأمم المتحدة التي أكدت بأن معدلات التنمية في مصر زادت لأول مرة عن نسبة زيادة السكان.وخلال الخطة الخمسية الأولى صدر دستور 1963م المؤقت وأجريت الانتخابات لمجلس الأمة الجديد والقى عبد الناصر في أول اجتماع للمجلس كشف حساب للمرحلة كلها التي اسماها مرحلة التحول العظيم.في عام 1965م كانت مصر تخوض في اليمن حرباً إلى جانب الشعب اليمني دفاعاً عن ثورة 26 سبتمبر والنظام الجمهوري. وفي العام نفسه وضع الرئيس الأمريكي «ليندن جونسون» هدفاً أساسياً لإدارته هو إسقاط النظام في مصر وأعلن حصاراً اقتصادياً لتجويع الشعب المصري، ومنع بيع القمح الأمريكي لمصر.. وتزامن هذا الإعلان مع اعتراف وثائق المخابرات المركزية الأمريكية بانها أسقطت (سوكارنو) واغتالت (لومومبا) وأبعدت (نكروما) عن الحكم كما أعلنت المخابرات المركزية الأمريكية وقوفها خلف سلسلة انقلابات في عدد من دول أفريقيا التي تجاوبت مع جهود عبد الناصر الرامية إلى إقامة تضامن آسيوي أفريقي في إطار حركة عدم الانحياز.في هذه الظروف تحرك الإخوان المسلمون لقلب نظام الحكم واغتيال جمال عبد الناصر وفشلت خطة الإخوان.. وكان هناك يقين بأن الغزو من الداخل لن ينجح مع مصر فكان الغزو من الخارج عام 1967م الذي استهدف أيضاً إسقاط النظام في مصر بحسب اعتراف زعماء إسرائيل.من المفارقات العجيبة أن الرئيس الأمريكي جونسون كتب في مذكراته انه عندما جاءته أنباء انتصار الجيش الإسرائيلي قال: إن هذا أعظم خبر سمعناه، فيما أعلن أحد شيوخ «الإخوان المسلمين» البارزين وهو محمد متولي الشعراوي انه صلى لله ركعتين شكراً على انتصار إسرائيل وهزيمة الجيش المصري عندما كان يشتغل بالتدريس في الجزائر عام 1967م!!؟وحين كشفت السلطات المصرية مؤامرة «الإخوان المسلمين» الثانية لقلب نظام الحكم قال رموزهم إنها تمثيلية أخرى مدبرة، علماً بأن الأستاذ محمد حسنين هيكل رد على الذين زعموا بأن محاولة اغتيال جمال عبد الناصر في الاسكندرية عام 1954م كانت تمثيلية، حيث نشر في كتابه «ملفات السويس» اعترافات المتهمين أمام المحكمة إلى جانب وثيقتين بخط يد المرشد العام حسن الهضيبي والشخص الذي قام بمحاولة اغتيال جمال عبد الناصر ووثيقة ثالثة أخرى بخط يد عبد القادر عودة عضو مكتب الإرشاد المتورط بحادث الاغتيال وتضمنت هذه الوثائق الخطية بالإضافة إلى الاعترافات معلومات تفصيلية مثيرة حول ضلوع أقطاب «الإخوان» وفي مقدمتهم عضو مكتب الإرشاد عبدالقادر عودة في هذه المؤامرة الدموية الدنيئة.والثابت ان الإخوان المسلمين درجوا على وصف هذه الاعترافات التي نشرت حول مؤامرة الإخوان الثانية عام 1965م بأنها تمت تحت التعذيب بيد أنهم اعترفوا بعد سنوات في كتبهم التي نشروها أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات بكل ما سبق لهم أن نفوه، وظهروا أمام الله والناس بأنهم كانوا يكذبون باسم الدين الذين نصبوا من أنفسهم حراساً عليه في الدنيا!!وشهد شاهد من أهلهافي كتابها «أيام من حياتي» شرحت زينب الغزالي مؤامرة عام 1965م التي كانت واحدة من الضالعين فيها وحكم عليها بالسجن 25 عاماً ثم أفرج عنها السادات في أوائل السبعينات أثناء تحالفه مع الإخوان المسلمين.تروي زينب الغزالي في الباب الثالث من كتاب «أيام من حياتي» تفاصيل مثيرة عن علاقاتها بالقيادي الإخواني الشيخ عبدالفتاح إسماعيل الذي تعرفت عليه في السعودية عام 1957م، وكيف بايعته في الكعبة على السمع والطاعة والجهاد في سبيل الله، وما الذي عملته تنفيذاً لهذه البيعة بعد عودتها إلى مصر؟؟.. ثم تمضي قائلة:«كانت خطة العمل تستهدف تجميع كل من يريد خدمة الإسلام لينضم إلينا وكان ذلك كله مجرد بحوث ووضع خطط حتى نعرف طريقنا.. فلما قررنا أن نبدأ العمل كان لابد من استئذان المرشد العام الأستاذ حسن الهضيبي لان دراساتنا الفقهية حول قرار حل جماعة الإخوان المسلمين انتهت إلى أنه باطل كما أن جمال عبد الناصر ليس له أي ولاء ولا تجب له أية طاعة على المسلمين والسبب هو أنه لا يحكم بكتاب الله. وتشير السيدة زينب الغزالي بعد ذلك إلى أن الهضيبي أوكل جميع المسؤوليات الخاصة بتنفيذ هذه الخطط إلى سيد قطب!!وفي شهادة أخرى اعترف القيادي الإخواني احمد عبدالمجيد في كتابه الصادر عام 1991م بعنوان «الإخوان ومعركتهم مع عبد الناصر» انه بحث خطة اغتيال عبدالناصر مع سيد قطب وان تمويل التنظيم كان يأتي من الخارج، وانه كان يتم تدريب الشباب على وضع القنابل والمتفجرات، مشيراً إلى أن لقاءً سرياً انعقد في منزل علي العشماوي بحي (شبرا) وحضر هذا اللقاء الشيخ عبدالفتاح إسماعيل والشيخ محمد فتحي رفاعي.. وقد طرحت في هذا اللقاء مأمورية اغتيال جمال عبد الناصر على أساس أن يكون ما بين عشرين إلى ثلاثين استشهادياً مستعدين للموت والشهادة، وانهم على صلة بالأستاذ المرشد حسن الهضيبي.. وانهم استأذنوه لهذا العمل فوافق. وبالتالي يعتبر هذا العمل شرعياً لانه موثق من ولي الأمر والقيادة الشرعية!!من جانبه اعترف علي عشماوي في مذكراته التي نشرها بعد اطلاق سراحه في عهد السادات أن الإخوان حاولوا قتل عبدالناصر سنة 1954م وكرروا ذلك مرة أخرى سنة 1965م، واعترف أيضاً بخططهم للنسف والتدمير وتخزين الأسلحة، كما تحدث عما اسماها مجموعة «البحث العلمي» التي كانت تضم خريجي الإخوان من كليات العلوم قسم الكيمياء ـ الفيزياء ـ الأحياء ، وخريجي كلية الهندسة وباحثين في المركز القومي للبحوث والطاقة الذرية وكانت مهمة هذه المجموعة إجراء البحوث والتجارب على صنع المتفجرات والأحزمة والمواد الناسفة والقنابل والسموم، خصوصاً وان احدى خطط الاغتيال كانت تشتمل على بدائل وخيارات عديدة بينها قتل جمال عبد الناصر بالسم.[c1]البوابة السوداء[/c]ثمة اعتراف آخر لأحد المشاركين في مؤامرة 1965م وهو القيادي الإخواني احمد رائف الذي اعتاد على الظهور في قناة (الجزيرة) لتشويه صورة الرئيس جمال عبد الناصر متناسيا أنه اصدر عام 1985م الطبعة الخامسة من كتابه «البوابة السوداء» الذي اعترف فيه بإعادة بناء تنظيم الإخوان المسلمين وزعامة سيد قطب له بتكليف من المرشد العام.كما اعترف بخطة اغتيال جمال عبد الناصر التي وضعها عبد العزيز علي وبحصولهم على أسلحة من إخوان السعودية إلى قرية (دراو)، مشيراً إلى أن الهدف من هذه الأسلحة هو إحداث قلاقل في مصر لمواجهة دعمها العسكري والسياسي والمادي للثورة اليمنية، حيث أفتى سيد قطب والشيخ عبدالفتاح إسماعيل بأن من يرفض الاشتراك في حرب اليمن من الضباط والجنود ويتعرض للمحاكمة العسكرية ويعدم فهو شهيد من أهل الجنة!!ويمضي احمد رائف قائلاً: «إن علي عشماوي خرج من عند الأستاذ سيد قطب مستبشراً بسبب موافقة الأخير على خطة عشماوي لقتل جمال عبد الناصر وعبدالحكيم عامر وعلي صبري وزكريا محي الدين.. وكانت ثقة الإخوان راسخة بان الأمور ستهدأ بعد قتل هؤلاء الطواغيت».في يوم 7 أغسطس 1965م كان الرئيس جمال عبد الناصر يلتقي الطلبة العرب الدارسين في موسكو حيث أعلن أمامهم عن ضبط مؤامرة جديدة للإخوان المسلمين، منوّهاً بأن الثورة رفعت الأحكام العرفية قبل سنوات، وصفت المعتقلات وأصدرت قانوناً لكي يعود المعتقلون إلى أعمالهم، غير أن السلطة ضبطت مؤامرة جديدة مدعومة بالأسلحة والأموال التي وصلت إليهم من سعيد رمضان في الخارج.[c1]معالم في الطريق[/c]في هذا المناخ الساخن صدر كتاب «معالم في الطريق» وكان بمثابة برنامج عمل التنظيم الجديد للإخوان المسلمين، وبوسع الذين قرأوا ما ورد في هذا الكتاب من أفكار وما تردد في محاكمة «الإخوان المسلمين» حول رؤيتهم للمجتمع المعاصر بأنه مجتمع جاهلي، أن يلاحظ التطابق التام بينها وبين أفكار وبرامج الجماعات الإسلامية المتطرفة التي ظهرت في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين المنصرم.في هذا الكتاب يقول سيد قطب في ص (21): «نحن اليوم في جاهلية تشبه الجاهلية التي عاصرها الإسلام في عهد النبوة».وفي ص (23) يقول: «إن مهمتنا الأولى هي تغيير واقع هذا المجتمع الجاهلي من أساسه».وفي ص (46) يقول: «إن دعاة الإسلام حين يدعون الناس إلى هذا الدين يجب أولاً أن يدعوهم إلى اعتناق العقيدة حتى ولو كانوا يدعون أنفسهم مسلمين، وتشهد لهم شهادات الميلاد والزواج بأنهم مسلمون، ويعلموهم أن كلمة ( لا إله إلا الله) مدلولها الحقيقي هو رد الحاكمية لله وطرد المعتدين على سلطان الله».وفي ص (81) يقول: «إن الحاكمية معناها الثورة الشاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها وأنظمتها وأوضاعها والتمرد الكامل على كل وضع في أرجاء الأرض الحكم فيه للبشر بصورة من الصور»، وفي ص (83) يقول «إن هذا الإعلان العام لتحرير الإنسان في الأرض لم يكن إعلاناً نظرياً فلسفياً، إنما كان إعلاناً حركياً واقعياً إيجابياً ومن ثم لم يكن بدٌّ من أن يتخذ شكل الحركة إلى جانب شكل البيان».وفي ص (90) يقول «إن الجهاد ضرورة للدعوة إذا كانت أهدافها هي إعلان تحرير الإنسان سواء أكان دار الإسلام آمناً أم مهدداً من جيرانه، فالإسلام حين يسعى إلى السلم لا يقصد ذلك السلام الرخيص، أي مجرد تأمين الرقعة الخاصة التي يعتنق أهلها العقيدة الإسلامية.وفي ص (105) يقول «وكما أسلفنا فان الانطلاق بالمذهب الإلهي تقوم في وجهه عقبات مادية من سلطة الحكومة ونظام المجتمع وأوضاع البيئة وحدود الدول هذه كلها ينبغي أن ينطلق الإسلام ليحطمها بالقوة».إنجيل التطرفيجمع الباحثون على أن كتاب «معالم في الطريق» هو انجيل التطرف.. وعلى أساس أفكار هذا الكتاب صاغ فقهاء وأمراء الجماعات الإسلامية المتطرفة شعاراتهم وبرامجهم.. وإذ يحاول الإخوان المسلمون إعلان براءتهم من هذا الكتاب وحصر المسؤولية عنه في سيد قطب فقط وتبرير تطرف أفكار الكاتب بظروف السجن التي عاشها المؤلف، إلا أن الحقائق تدل على عكس ذلك وتفضح صلة الإخوان المسلمين ومرشدهم العام بهذا الكتاب وأفكاره المدمرة. وافق المرشد العام حسن الهضيبي على كتاب سيد قطب الذي أرسله إليه من السجن وراجعه ملزمة ملزمة وأمر بطباعته وفقاً للروايات التي جاءت في عدة كتب صدرت بعد رحيل عبد الناصر بعشرين عاماً وفي مقدمتها كتاب زينب الغزالي «ايام من حياتي».في هذا السياق قالت زينب الغزالي في كتابها «أيام من حياتي» إن التنظيم أعيد بناؤه بصورة سرية بعد قرار حله.. وكانت بداية إعادة البناء سنة 1975م بعلم المرشد العام الهضيبي ومباركته على أن يتولاه سيد قطب، فيما أشارت اعترافات المتهمين بمؤامرة 1965م أمام المحكمة إلى أن التنظيم بدأ بجمع الأسلحة واستغل طاقات الشباب بصنع المتفجرات وإعداد خطط الاغتيالات لعدد كبير من المسؤولين وفي مقدمتهم جمال عبدالناصر.. بل إن إحدى الخلايا اهتدت بالمنهاج الدعوي للإخوان المسلمين الذي يعتبر الراديو والتلفزيون والسينما والفنون والموسيقى والنحت والتصوير أعمالاً محرمة في الإسلام ومنافية للأخلاق، ولذلك تم وضع خطط لتدمير هذه المرافق واغتيال نجوم الفن ومن ضمنهم أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم حافظ ونجاة وشادية وغيرهم.كما اقترحت الخطط اغتيال عدد من مذيعات التلفزيون ومن بينهم ليلى رستم وأماني راشد، ثم أعدت خطط لاغتيال سفراء كل من الاتحاد السوفياتي وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، لخلق مشكلة بين مصر وهذه الدول. وكان تدريب الخلايا الجهادية يتم على ثلاث مراحل هي: مرحلة الإعداد الروحي، ثم الإعداد الجسدي بالمصارعة والمشي والطاعة، وأخيراً الإعداد العسكري بالتدريب على السلاح.ومما له دلالة عميقة أن تنظيم «القاعدة» الذي يقوده «أسامة بن لادن» والدكتور «أيمن الظواهري» يتبع نفس نهج الإعداد الجهادي للإخوان المسلمين في عملياته الإرهابية، ما يدل على أن الإخوان المسلمين هم الآباء الشرعيون لكل الجماعات المتطرفة التي تفرخت وتناسخت عنهم.كان لتنظيم الإخوان المسلمين أجهزته السرية، ومن بينها جهاز لجمع المعلومات الاستخبارية وآخر للاستطلاع وثالث لجلب المراسلات والأموال من الخارج ورابع لشراء السلاح وتخزينه في القاهرة بالإضافة إلى خلايا كيمائية لتصنيع وضخ المواد الناسفة والمواد الحارقة، وأخرى من المهندسين لمعاينة الأماكن التي سيتم نسفها وبيان إمكانية التنفيذ.وضع التنظيم خططاً لنسف عدد من الكباري والمصانع والقناطر ومحطات الكهرباء ومطار القاهرة ومبنى التلفزيون وبعض مراكز البوليس ومنازل كبار ضباط الأمن والمباحث العامة بقصد إحداث شلل عام في جميع المرافق فيما أعدت خرائط تم ضبطها لهذه المواقع كلها، وتكليفات بحق عدد من دور السينما والمسارح والمتاحف لإحداث ذعر، ثم يتقدم التنظيم بعد ذلك إلى الحكم بغير معارضة.قال احد قادة التنظيم المتورطين في مؤامرة عام 1965م أمام المحكمة.. «كان الهدف هو إحداث أكبر قدر من الفوضى والذعر، وهذا قد يؤدي إلى سقوط النظام ليقوم محله مجتمع الإسلام.. وكانت هناك أكثر من خطة لاغتيال جمال عبد الناصر واحدة منها أثناء موكبه الرسمي في القاهرة أو في الاسكندرية، وكان هناك من يراقب سير الموكب في أماكن مختلفة.. كما وضعت خطة أخرى لنسف القطار الذي يستقله عبد الناصر في طريقه إلى الاسكندرية للاحتفال بعيد الثورة، وثالثة لاغتياله في شارع الخليفة المأمون وهو في طريقه إلى بيته في منشية البكري بشمال القاهرة.كانت الخطط معدة أيضاً لاغتيال المشير عامر ونواب رئيس الجمهورية وعدد آخر من المسؤولين.. وعندما بدأ القبض على بعض الخلايا صدرت التعليمات بالإسراع في عملية اغتيال عبد الناصر، ولكنه سافر من الاسكندرية إلى السعودية.. وكلف التنظيم إسماعيل الفيومي من حرس الرئيس ليتولى بنفسه عملية اغتياله عند عودته من جدة إلى مطار القاهرة.. وقد أثبتت صحيفة «الأهرام» بالوثائق في عددها الصادر يوم 10 ديسمبر 1965م صلة حلف بغداد بتوجيه وتمويل النشاط الإرهابي لتنظيم الإخوان المسلمين وكان سعيد رمضان ـ وهو حلقة الوصل بين قيادة التنظيم ومموليه في الخارج ـ قام بتحركات مريبة وتنقل عدة مرات بين بيروت وطهران وبعض العواصم الأوروبية وكان يسافر بجواز سفر دبلوماسي أردني كسفير متجول للمملكة الأردنية الهاشمية.أخطر ما في الوثائق التي نشرتها صحيفة «الأهرام» أنها أثبتت كيف كانت مخابرات الحلف المركزي تنسق معلوماتها السرية باستمرار وبطريقة منظمة مع المخابرات الإسرائيلية، وما يلفت النظر أن القيادي الإخواني سعيد رمضان أثار ضجة واسعة في زيارة قام بها لجمهورية سيلان.. وكان مضيفه فيها وزير الإسكان الذي كان قد عاد لتوه من زيارة رسمية لإسرائيل حيث أثار بعض النواب المعارضين لحكومة سيلان آنذاك ـ وبينهم الدكتور بربرا وزير المالية السابق ـ هذا الموضوع وقال أمام البرلمان إن لديه معلومات موثقة تؤكد أن سعيد رمضان يعتمد في تمويله لمركز إسلامي يديره في جنيف على عدد من المصادر، منها مصادر إيرانية وأمريكية تدفع لمركز سعيد رمضان أموالاً سخية تحت حجة «مقاومة الشيوعية».عقب كشف مؤامرة 1965م أصدر فضيلة الإمام الأكبر حسن مأمون شيخ الأزهر بياناً حول رأي الإسلام في مؤامرات الإخوان قال فيه: «إن منظمات الدمار استطاعت أن تشوه تعاليم الإسلام في إفهام حفنة من الناشئين أن الدعوة للإسلام تتم بالإكراه أو الإرهاب»!ثم تساءل شيخ الأزهر قائلاً: «كيف يدعي شخص انه يخدم الإسلام ثم يستعين بأعداء الإسلام ضد المسلمين».؟!إنجازات إسلامية في عهد عبد الناصريورد العديد من الكتاب الاسلاميين الذين أنصفوا الرئيس جمال عبد الناصر طائفة من الإنجازات الإسلامية التي تحققت في مصر أثناء عهد جمال عبد الناصر ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر أن مادة التربية الإسلامية أصبحت لأول مرة في تاريخ مصر الحديث مادة إجبارية في المدارس بينما كانت اختيارية في النظام الملكي ولا يمتحن فيها الطلاب.وفي عهد عبد الناصر صدر قانون بتحريم القمار ومنعه، وارتفع عدد المساجد الرسمية والأهلية في مصر من 11 ألف مسجد إلى 21 ألف مسجد، بمعنى أن عدد المساجد التي بنيت خلال 18 عاماً أثناء حكم عبد الناصر في مصر تساوي عدد المساجد التي بنيت في تاريخ هذا البلد منذ فتح مصر في عهد عمر بن الخطاب واعتناق المصريين للإسلام.وصلت الفتاة لأول مرة إلى التعليم الديني في عهد عبد الناصر حيث تم افتتاح معاهد أزهرية للفتيات، وأقيمت مسابقات عديدة في كل المدن لتحفيظ القرآن الكريم، وطبعت ملايين النسخ من القرآن، وأهديت إلى البلاد الإسلامية وأوفدت البعثات للتعريف بالإسلام في كل أفريقيا، كما تمت طباعة كل كتب التراث الإسلامية في مطابع الدولة طبعات شعبية لتكون في متناول الجميع، فيما تم تسجيل المصحف المرتل لأول مرة بأصوات كبار المقرئين.كان جمال عبد الناصر دائم الحرص على أداء الصلاة يومياً مع زملائه وموظفي مكتبه في القيادة، كما كان حريصاً أيضاً على أداء فريضة صلاة الجمعة مع المواطنين، وأنشأ مدينة البحوث الإسلامية على مساحة ثلاثين فداناً تضم طلاباً قادمين من سبعين دولة إسلامية يتعلمون في الأزهر بالمجان ويقيمون فيها إقامة كاملة بالمجان أيضاً، وقد زودت المدينة بكل الإمكانيات الحديثة وقفز عدد الطلاب المسلمين في الأزهر من خارج مصر إلى عشرات الأضعاف، وأقام عبد الناصر جامعة حديثة عملاقة اسماها (الأزهر) حافظت على الأزهر القديم، فهل كان عبد الناصر عدو الله والإسلام كما زعم الإخوان المسلمون؟ وهل كان يمثل الثقافة الإسلامية العقيمة كما زعم احد الكتاب المنتمين إلى التنظيم السري للإخوان المسلمين في اليمن، وكأنه أراد القول زوراً وبهتاناً أن الإخوان المسلمين بمنهجهم الظلامي ورصيدهم الإرهابي وأفكارهم المتطرفة وتاريخهم الدموي يمثلون الثقافة الإسلامية الخصبة؟كان عبد الناصر مسلماً نقي القلب والتصرفات من غير تصنع ولا افتعال أو مظهرية.. وكان متديناً في سلوكه اليومي وحياته الخاصة.. ولم يعرف عنه في حياته العائلية خروج عن الإسلام.يعرف المصريون جيداً منجزات عبد الناصر وأعماله التي استقرت في ضمائرهم وعاشوها واقعاً ملموساً.. وعلى أساسها واصل بناء مصر الحديثة، مهما حاول الإخوان المسلمون تشويه منجزات مصر عبد الناصر تحت ستار الدين.. ومهما حاول المتاجرون باسم عبد الناصر السكوت أمام هذه الهجمة القذرة التي يتعرض لها القائد الراحل من خلال ممارسة أرخص أنواع النفاق السياسي والتحالفات الانتهازية مع أعدائه التاريخيين الحاقدين.ويبقى القول إن عبد الناصر عاش من أجل خدمة قضايا وطنه وشعبه وأمته، وكان مع الدين في حياته الخاصة والعامة.. وضد كل ما يعادي الدين استغلالاً ونفاقاً وكذباً وقتلاً وإجراماً.حاربوا عبد الناصر لأنّه يعلم تاريخهم ومناوراتهمفي ذروة الصراع بين حزب الوفد والقصر الملكي ومن خلفه السفارة البريطانية هتف الإخوان في مظاهرة معادية لحزب الوفد: «الله مع الملك»فأطل عليهم الملك من شرفة القصر ورد عليهم مجيباً: «نعم.. الله معنا»!!!كان جمال عبد الناصر يحتفظ بالصحف والمجلات والمطبوعات الحصرية التي كانت تصدر في مصر قبل الثورة على القصر الملكي لأنّها مرآة حية لأي باحث في مسار الحياة السياسية.. وكان عبد الناصر يعطي اهتماماً خاصاً لتوثيق المجلات والمطبوعات الصادرة عن الإخوان المسلمين، وخصوصاً الموضوعات المنشورة فيها والتي تسلط الضوء على عَلاقة الإخوان بالقصر الملكي الذي كان رمزاً للفساد والحكم العميل للاستعمار. تقتبس لنا الباحثة د . كاريمان إبراهيم المغربي في كتابها «الإخوان المسلمون من حسن البنا إلى سيد قطب» ما يثير الدهشة من كتابات للشيخ حسن البنا اكتست بالتملق والرياء وما هو أكثر من ذلك، ففي جريدة «الأخوان المسلمون» نقرأ: «يقولون إنّ الناس على دين ملوكهم ونحمد الله ونشكر فضله على أنّ رب البيت يضرب المثل الأعلى في سمو النفس وعلو الهمة» ثم نقرأ أيضاً «يا أيّها الوزراء والعظماء هلموا إلى المثل الأعلى صاحب الجلالة فاروق الأول، وما دام الناس على دين ملوكهم فإنّ الوطن يرجو أن يتم له على أيدي الوزراء والعظماء كل خير» «ص 28».وتعلق الباحثة كاريمان المغربي: «كان تأييد الإخوان للقصر كسباً كبيراً له، حيث أنّ البنا هاجم الحزبية لحساب القصر واعتبرها منافسة غير شرعية لولاية ولي الأمر، ودعا إلى الغاء الأحزاب لآن الإسلام لا يعرف غير حزبين احدهما حزب الله ممثلاً بولي الأمر وطاعته واجبه، والثاني حزب الشيطان والجهاد ضده وضد من والاه واجب وأصل معلوم من أصول الدين، وأخذ حسن البنا يعمل في تعزيز سلطان الملك، محاولاً أن يمنحه ما ظل القصر مفتقداً إياه طوال حياته من تأييد جماهيري» «ص 81».وإذ اصطدم الوفد مع الملك خرج الإخوان في مظاهرة صاخبة أحاطت بقصر عابدين هاتفة «الله مع الملك» وخرج الملك لتحية المظاهرة ست مرات من شرفة قصره قائلاً : «نعم الله معنا» (نقلاً عن الأهرام 1937/12/22م)،وتعتبر الجماعة الملك فاروق أنّه: «الأسوة الحسنة والمثل الأعلى لأمته» «الإخوان المسلمون 1936/6/16م».ثم يوجه البنا حديثه للملك قائلاً : «إنّ شعبك الذي عرفك مؤمناً صالحاً تقياً ووثق بك مجاهداً، وأنّ هذا الشباب الذي ناديته فلبى، وهبت به فاستعد، ليعلن بهذه المناسبة السعيدة عظيم إخلاصه وولائه للعرش المفدى، وقد عرف فيك شعبك المنقذ له، والحارس لدينه، والساهر على رعاية مصالحه والداعي إلى الخير والفضيلة فيه بالقول والعمل، فأحبك وأخلص لعرشك من قرارة نفسه، وعقد على عهدك الرجاء، وكنت عنده رمز الأمل» (النذير 8 محرم 1358هـ من مقال لحسن البنا بعنوان : «ملك يدعو شعباً فيجيب» إلى جلالة الملك الصالح فاروق الأول). أما نهاية هذا التملق فهي معروفة فقد دفع البنا ثمناً باهظاً تمثل في حل الجماعة وإنهاء حياته هو، ومع ذلك ظل الإخوان يراهنون على الملك. وتكثر الروايات عن سر اختيار المستشار الهضيبي خلفاً للبنا ويردد كثيرون حتى من الإخوان أنفسهم أنّ أصبع القصر كانت كامنة خلف هذا الاختيار. والحقيقة أنّ الشيخ حسن البنا استمد كل قدراته على المناورة من هذه العَلاقة التي جعلت القصر الملكي يوفر له دعماً سياسيا غير محدود ، ثم انتهت هذه العلاقة ــ كما هو معروف للجميع ــ إلى محنة سياسية قاسية عصفت بكيان الجماعة، وانتهت بمؤسسها وإمامها ومرشدها إلى الاغتيال بعد أن اكتشف القصر الملكي ان الاخوان المسلمين حاولوا التلاعب به فتلاعب بهم.على أثر إغتيال حسن البنا، وبعد أيام من اختياره مرشداً توجه الهضيبي إلى قصر عابدين ومعه رتل من قادة الجماعة ليسجلوا في سجل التشريفات ولاءهم لقاتل إمامهم ومرشدهم.وبعدها بأيام أخرى، استقل الهضيبي واحدة من عربات القصر الملكي ليقوم بزيارة وصفها بأنّها «زيارة كريمة لملك كريم» ثم قام الهضيبي بزيارة أخرى في نوفمبر 1951م، أي في أوج التهاب المشاعر المصرية ضد الملك وفساده وضد الاحتلال، ومع ارتفاع موجة الكفاح المسلح في القتال.في عددها الصادر يوم 27 اكتوبر1951 كتبت مجلة ( النداء ) المقربة من الاخوان المسلمين ان المرشد العام للإخوان دعا شباب الإخوان قائلا ً : « اعكفوا على قراءة القرآن» مؤكا أنّ الإخوان لا يشاركون في معركة القتال، وأنّ من ذهب منهم فقد ذهب بصفته الشخصية.وفي 16 يناير 1952م وبرغم تصاعد الغضب الشعبي ضد الملك وضد الاحتلال توجه المستشار الهضيبي إلى قصر عابدين مهنئًا بمولد ولي العهد، وفي الطريق إلى القصر كانت المظاهرات صاخبة ضد تعيين الملك لحافظ باشا عفيفي رئيساً للديوان.وقد هنأ المستشار الهضيبي القصر بتعيين حافظ عفيفي وهنأ عفيفي بموقعه السامي بينما كانت مجلة «الدعوة» التي يشرف عليها صالح عشماوي «الذي نافس الهضيبي منافسة ضارية على موقع المرشد العام» تهاجم تعيين حافظ عفيفي. فأسرع الهضيبي من أجل عيون القصر إلى إصدار تصريح رسمي نشرته مجلة (النداء) المحسوبة على الاخوان المسلمين في تاريخ 2 فبراير 1952 يقول: «إنّ مجلة الدعوة لا تعبر عن وجهة نظر الإخوان الرسمية». وكانت هذه هي المرة الأولى التي يكشف فيها المرشد العام للجماعة عن وجود خلافات داخل الجماعة.والثابت من الوقائع المنشورة والموثقة في أدبيات الإخوان المسلمين أن المرشد العام حسن الهضيبي كان مصمما على مواصلة سياسة التملق للملك والخضوع له، فعندما اشتعلت المظاهرات الطلابية ضد الملك فاروق وفساد حكمه وفساد أسرته توجه الهضيبي إلى قصر عابدين مرة أخرى في 25 مايو 1952م ليسجل اسمه في دفتر التشريفات معرباً عن ولائه للملك ومستنكراً هذه المظاهرات «ص 132».نص خطاب الرئيس جمال عبد الناصرقبل وأثناء محاولة اغتياله على يد (المجاهد الإخواني) محمود عبد اللطيف في ميدان المنشية بالإسكندرية بمناسبة عيد الجلاء صباح الأربعاء 27 أكتوبر1954م تنفيذاً لتكليف من الجهاز الخاص لتنظيم الإخوان المسلمين.[c1]لحظة الحقيقة: [/c]يا أهل الإسكندرية الأمجاد.. أحب أن أقول لكم ونحن نحتفل اليوم بعيد الجلاء.. بعيد الحرية.. بعيد الاستقلال، أحب أن أقول لكم - أيها الإخوان - أحب أن أتكلم معكم عن الماضي وعن كفاح الماضي.. أحب أن أعود إلى الماضي البعيد.أيها المواطنون:أحب أن أتكلم معكم كلاماً هادئاً، (ثم يوجه كلامه بحدة إلى الذين يهتفون قائلاً باستنكار) كفانا هتافاً - أيها الإخوان - فقد هتفنا فى الماضى فماذا كانت النتيجة؟ هل سنعود إلى التراقص مرة أخرى وإلى التهليل؟! هل سنعود إلى التهريج؟! إنى لا أريد منكم أن تقرنوا اسم جمال بهذه الطريقة، إننا إذا كنا نتكلم معكم اليوم فإنما نتكلم لنسير إلى الأمام بجد وبعزم، لا بتهريج ولا بهتاف، ولا يريد جمال مطلقاً أن تهتفوا باسمه، إننا نريد أن نعمل لنبني هذا الوطن بناءً حراً سليماً أبياً، ولم يبن هذا الوطن في الماضي بالهتاف، وإن الهتاف لجمال لن يبني هذا الوطن، ولكنا - يا إخواني- سنتقدم وسنعمل.. سنعمل للمبادئ.. وسنعمل للمبادئ، وسنعمل للمثل العليا؛ بهذا سنبني هذا الوطن، وأرجوكم أن تصغوا إلي.وأنا إذا كنت أتكلم معكم اليوم فى الاحتفال بهذه الاتفاقية، وفى الاحتفال بهذا الجلاء، وفى الاحتفال بهذه الحرية؛ فإنما أريد أن أذكركم بالماضي وبكفاح الماضي.. بكفاحكم أنتم وبكفاح آبائكم وبكفاح أجدادكم، أريد أن أقول لكم لقد بدأت كفاحي وأنا شاب صغير، من هذا الميدان، ففى سنة 30 .. في سنة 1930 خرجت وأنا شاب صغير بين أبناء الإسكندرية أنادي بالحرية وأنادي بالكرامة لأول مرة فى حياتي، وكان هذا - يا إخواني - أول ما بدأت الكفاح من هذا الميدان.وأنا إذ أتواجد بينكم اليوم لا أستطيع أن أعبر عن سعادتي، ولا أستطيع أن أعبر عن شكري لله حينما أتواجد فى هذا الميدان وأحتفل معكم أنتم يا أبناء الإسكندرية، يا من كافحتم فى الماضي، ويا من كافح آباؤكم، ويا من كافح أجدادكم، ويا من استشهد إخوان لكم في الماضي، ويا من استشهد آباؤكم. أحتفل معكم اليوم بعيد الجلاء وبعيد الحرية، بعيد العزة وبعيد الكرامة.(سُمع صوت تصفيق من الجماهير، ثم دوت ثماني رصاصات متتالية تجاه الرئيس، وبعد فترة من الفوضي يجيء صوت الرئيس: يوجه خطابه للجماهير قائلاً:فليبقَ كلٌّ فى مكانه..أيها الرجال: فليبقَ كلٌ فى مكانه..أيها الرجال: فليبقَ كلٌ فى مكانه..أيها الأحرار: فليبقَ كلٌ في مكانه..دمي فداء لكم.. حياتي فداء لكم..دمي فداء مصر.. حياتي فداء مصر.أيها الرجال.. أيها الأحرار.. أيها الرجال.. أيها الأحرار:دمي فداء لكم.. حياتى فداء مصر.. هذا جمال عبد الناصر يتكلم إليكم - بعون الله - بعد أن حاول المغرضون أن يعتدوا عليه وعلى حياته.. حياتى فداء لكم، ودمي فداء لكم.أنا جمال عبد الناصر.. منكم ولكم.. دمي منكم ودمي لكم، وسأعيش حتى أموت مكافحاً فى سبيلكم وعاملاً من أجلكم.. من أجل حريتكم.. ومن أجل كرامتكم.. ومن أجل عزتكم.أيها الأحرار.. أيها الرجال.. أيها الأحرار:( يوجه كلمة «اوعى» لأحد زملائه الذين يحاولون منعه من الاستمرار فى الحديث حرصاً عليه ثم يواصل أيها الرجال .. أيها الأحرار:( ثم يقول لزملائه «سيبوني»).أيها الرجال:فليقتلوني.. فليقتلوني.. فقد وضعت فيكم العزة.. فليقتلوني.. فقد وضعت فيكم الكرامة.. فليقتلونى.. فقد أنبت في هذا الوطن الحرية والعزة والكرامة من أجل مصر ومن أجل حرية مصر؛ من أجلكم ومن أجل أبنائكم ومن أجل أحفادكم.يا أهل مصر.. يا أبناء مصر قمت من أجلكم .. وسأموت في سبيلكم .. في سبيل حريتكم، وفي سبيل عزتكم، وفي سبيل كرامتكم.يا أهل مصر.. أيها الأعزاء.. أيها الكرماء:أنا فداء لكم، وسأموت من أجلكم.. سأموت من أجلكم.. سأموت من أجلكم.( يسمع صخب هادر.. الجماهير تريد أن تطمئن على الرئيس فيخرج إليها ويستكمل حديثه إليهم قائلاً:أيها المواطنون:إذا مات جمال عبد الناصر فأنا الآن أموت وأنا مطمئن؛ فكلكم جمال عبد الناصر.. كلكم جمال عبد الناصر.. كلكم جمال عبد الناصر؛ تدافعون عن العزة، وتدافعون عن الحرية، وتدافعون عن الكرامة.والسلام عليكم ورحمة الله.
المرشد العام حسن الهضيبي يؤم صلاة الثورة والإخوان ويبدو جمال عبدالناصر في الصف الخلفي الأول من اليسار
جمال عبدالناصر وحامد أبو النور والشيخ محمد علي أثناء اللقاء الذي عرض فيه الإخوان تصورهم لحجاب المرأة .
الرئيس جمال عبدالناصر بعد إطلاق النار عليه من قبل “المجاهد الإخواني” محمود عبداللطيف في الميدان المنشية بالاسكندرية يوم الأربعاء 27 أكتوبر 1954م، ويبدو تحت السهم الإخواني محمود عبداللطيف الذي حاول قتل عبدالناصر