مدارات
محمد الأمير ليس من قبيل الصدف ان ينهي الرئيس الامريكي حديثه / حول الذكرى الثالثة لاجتياح قواته للعراق بأن ينحو منحى دينياً حين طلب من الله مباركة قواته قائلاً :" في الذكرى الثالثة لبداية تحرير العراق اعتقد انه يتوجب على كل الامريكيين ان يتوجهوا بالشكر للرجال والنساء" حتى يقول "نطلب من اللَّه ان يستمر في مباركته لقواتنا في مواجهة المصاعب" .ان مايثير هنا هو ليس بما يجيزه الرئيس الامريكي لنفسه ولا يجيزه لغيره في الخطاب السياسي للمتدينين ، بل هو محاولته اظهار النجاحات والانتصارات التي حققتها سياسته - بفضل مباركة الرب له - في العراق ، مما يجعل العراق اليوم حسب نظرته مؤهلاً لان يكون دولةعصرية النظام علمانية التوجه .وما يهم الولايات المتحدة الامريكية تحقيقه في العراق اليوم بعد مرور هذه السنوات هو اقامة نظام ديمقراطي الى ان لا تتجاوز هذه الديمقراطية الخطوط المرسومة التي يمكن ان تؤدي الى اقامة نظام يمكن ان يقيم تحالفات مع خصوم لامريكا كالجهاديين وغيرهم .وبغض النظر عن صوابه من عدمه الا ان هذا الموقف الامريكي المزدوج تجاه ما يريده هو مع الاصرار على اقحام الديمقراطية عنصراً اساسياً للعملية .وبوش يريد هنا ان يحقق مكسباً آخر على طريقته رغم حساباته التي شابتها الاخطاء .فالخطأ الجسيم الذي وقعت فيه الادارة الامريكية هو انها وجدت ان النصر الحقيقي من معركتها وحربها في العراق سرقه الايرانيون دون ان يبذلوا من أجل هذا النصر جهداً يذكر .لذا تجد الادارة الامريكية اليوم ان جر ايران الى أي مواجهة ستجعل العراق بينهما هو ساحة المعركة لا غير بعد ان وجد الخصمان انفسيهما يلعبان على ساحة ثالثة رسمتها لهما الحسابات الخاطئة .وهكذا نجد اليوم ان ادارة بوش تحاول تكثيف الضغوط السياسية على ايران في الملف النووي الايراني فيما هي تسعى - امريكا - في هذه الاثناء لتقليم الانياب الايرانية - حسب نظرتها - في لبنان وفلسطين لاسيما ومع تدرك ان ايران ستستثمر فوز حماس في الانتخابات على مدى السنوات القليلة القادمة كما استثمرت قوى شكيمة حزب اللَّه خلال هذه السنوات بعد اتفاق الطائف ولا يتبقى لايران حليف غير سوريا التي تكثف عليها الضغوط في الوقت ذاته .فالادارة الامريكية قد تكون اذعنت بطرق خفي وعلى مضض لشعور الايرانيين بالنصر الا انها لا تريد ان يبقى الامر كذلك على المدى الطويل ولا ضير ان تلوي يد الايرانيين خلالها لتشعرهم بمرارة النصر .ومما يلاحظ ان احتفال الرئيس الامريكي بعد ثلاث سنوات من اجتياح قواته للعراق كان طقساً حزيناً .فالتحدي الايراني لايزال يشكل هاجساً كئيباً للادارة الامريكية مما يجعلها في حرج دائم من رفع شعار الديمقراطية التي تتحجج بها بينما هي تريد ولن تتقبل نظاماً في بغداد قد يشكل امتداداً لمحور الشر - حسب نظرتها - ولايران في العراق ليمتد بعدها من خلال سوريا فلبنان وفلسطين بينما تقف ايران على الضفة المقابلة لا تستطيع ان تواجه امريكا القطب العسكري الاقوى في العالم ولكنها تعمل بحنكة وذكاء ازاء الآلة العسكرية الامريكية .فأياً كان مدى النصر الامريكي او بالاصح مدى الادعاء بالنصر فان ايران الغير قادرة على المواجهة العسكرية تستطيع فقط ان تمنع الامريكيين هنا من تحقيق كل ما يتناسب لهم في الشرق الاوسط وفي هذه المنطقة بالذات مما يجعل النصر الامريكي ناقصاً على الدوام ، مهما تحقق منه - عدا هذا - كل عناصر النصر الباقية .