صباح الاخير
لا يصح ولا يصلح الوقوف على أطلال الماضي باعتبارها مقياساً لما سيكون عليه الحاضر لإن للحاضر أجندة ربما تختلف كلياً عن الماضي ما يجعل الوقوف على الأطلال ليس مستساغاً الا فيما كان من شعر الأقدمين .. ورهط فطاحلة الشعراء .. أمثال امرئ القيس ، وعنترة والسليك إبن السكامة ( الشنفرى ) ولبيد ونحوهم من شعراء العرب خصوصاً في العصر الجاهلي .أما أن نقف عند أطلال ماضينا الحياتي بحسرة وبكاء النائح متمنين أن الزمن يعود بنا إلى الوراء وربما إلى ما كان من فسح العيش وسعة الرزق فذلك أمر لايمكن تحقيقه وإن أردنا ذلك لأن الزمن تبدل وتبدلت معه أشياء كثيرة حتى إن نظريات علمية كانت مسلمات باتت هي الأخرى في عداد الماضي ويحضرني هنا القول المأثور : رب ولدك لزمن غير زمنك او لزمن غيرك . بما معناه إن الزمن لايعيد نفسه وبالتالي فإن حياة أولادك لايمكنها ان تكون نسخاً من واقع وتفاصيل حياتك وعصرك .من هنا لابد إن نسعى وبقوة من أجل استيعاب حركة الزمن وتبدلانه التي لاشك انها تسلبنا الكثير مما ظننا بالأمس ( قبض أيدينا ) أي أن نجد أنفسنا في وضع لايحسد عليه من تقدم عصر التكنولوجيا الرقمية بكل ما تفرضه من منهاجية مختلفة ومتحولة على مجمل الصعد الحياتية .واقع الحال يدعونا إلى التسليم بضرورة الأخذ بمبدأ العصر وأدواته وكيف نهيئ أنفسنا لمثل هذه التحولات المتوالية وأمر كهذا غالباً ما يرتبط على المستوى الشخصي والجمعي – رغم إن التغير على المستوى الجمعي هو من أبجديات وأولويات أجندة الأنظمة السياسية التي تهيئ مجتمعاتها لذلك عبر بوابة التعليم أي المعرفة وهو سباق أخذت به بعض البلدان العربية المقتدرة خصوصاً .. لا ستيعابها أهمية ولوج العصر من بوابة المعرفة وهذا المشوار الذي يعد عهدنا به حديثاً وربما تحاصره عدة نواقص منها نقص التمويل اللازم لعملية كهذه الا أن المجال لايستدعي الانتظار منا على الصعيد الشخصي بقدر ما تحتل المسألة الذاتية ودافعيتها في هذا المضمار الأولوية في التغيير والتطوير ، بمعنى إن نسهم بقدر المستطاع في تغيير أنفسنا ، وبما يسهم فعلياً في خلق اتجاه لدى جيل الأبناء في الاهتمامات التعليمية بكل ماهو متصل بثورة العصر .نعم هناك حنين إلى ماضي الحياة التقليدية ومثل ذلك يعد صفة بشرية محضة الا إن الثابت في حياة الأمم هو مواكبة التحولات وسبر أغوار جديدها بنهم وجدية .. ولا خير في مثل هذه الأحوال إن نقتدي بماضي الأمس الأصيل على اعتبار أن ذلك جزء من مكونات حياتنا الثقافية والفكرية ومتصل بحاضرنا عبر الشريان الوريدي لحضارات الشعوب المتصلة بماضيها ومكوناتها المتسلسلة .مثلاً قبل أيام وبينما كنت أتابع إحدى الفضائيات العربية وهي تستضيف واحداً من الوجوه الفنية العربية .. هالني إنكار الرجل لكل جديد في عصرنا الراهن ممسكاً بتلابيب الأمس ونماذجه الفضية ، معتبراً أياها تجسيداً للثقافة العربية الحقيقية . وعندما أشارت مقدمة البرنامج إلى مافي الساحة من جديد لم يكن رده الا أن اعتبر ذلك عطاء سخيفاً لايرتقي إلى مستوى الذوق ، متناسياً إن مايعده هو قمة الذوق في زمنه لم يعد كذلك لدى جيل الحاضر ، وهي مفارفة لابد أن ندرك خلفياتها وإن لانجيز لأنفسنا تفصيل الحاضر على ما ترسخ في وجداننا وأذهاننا خصوصاً وقد شهدت سنوات العقود المنصرمة تبدلات حياتية صارخة .. على المستوى الاقتصادي وفي مفهوم الغنى والثروات وحتى في طرق إدارة الأنشطة الاقتصادية بصفة عامة .. كما تعقدت سبل الحياة وتفاقمت درجة الحاجة وتضاءل كسب الفرد إلى ما هنالك من تعقيدات مردها أسباب كثيرة ، لكنها بالنسبة للبلدان الفقيرة والنامية ترتبط بما ولدته ثورة العصر من هوة وبون شاسع بين شعوبنا والشعوب الأخرى .. فهل نحن في سباق مع الزمن حتى نقطع جسر هذه الهوة ؟